نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» تقريرا لمراسليها «أندرو إنجلاند» و«هيلين واريل»، سلطا فيه الضوء على مواصلة السعودية إنفاق المليارات على الأسلحة، رغم تطبيق سياسات تقشفية على المواطنين، في ظل أزمة اقتصادية.
ونقلت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته «عربي21»، عن مدراء تنفيذيين في شركات أسلحة غربية تأكيدهم أن مبيعاتهم للمملكة لن تتأثر بأزمتها المالية.
وقال أحد مدراء التسليح الغربيين، ويعمل من دبي: «لقد توقعت خفضا للنفقات ولكن المعلومات من المستويات العليا والأمراء: لا، لن نقوم بعمل هذا ولا تأت وتسألني إن كان برنامجك سيلغى، وواصل العمل بجد لأننا سنواصل على ما نحن عليه».
وأضاف المدير، الذي رفض كشف هويته، أن إجراءات التقشف أدت إلى العديد من التساؤلات حول أثرها على الصفقات الدفاعية. فبعد يومين من الإعلان عن الإجراءات، الشهر الماضي، تم منح الفرع الدفاعي من شركة بوينغ عقودا بـ 2.6 مليار دولار لكي تزود المملكة بألف صاروخ أرض- جو وصواريخ مضادة للسفن.
ويقول الخبراء إن هذه العقود قد تكون سابقة على إجراءات التقشف إلا أن استعداد أكبر دولة تنفق على الدفاع هو دليل على استعدادها المضي في صفقات التسلح رغم الأوضاع الاقتصادية.
وقالت «لوكهيد مارتن»، شركة التصنيع الحربي الأميركية التي تزود أنظمة الصواريخ الدفاعية «ثاد» إلى السعودية، إنها «لم تر أي تراجع في النفقات على الدفاع» من أي زبون لها في الشرق الأوسط.
وقال روبرت هيوارد، مدير وحدة الشرق الأوسط في «لوكهيد مارتن» إنه من المبكر معرفة إن وصلت التخفيضات في النفقات إلى المجال الدفاعي، ولكنه توقع من زبائن بينهم السعودية «الاستمرار في مشترياتهم».
وأضاف هيوارد أن «التهديدات الإقليمية لم تتراجع ولم يعد بالإمكان التكهن بها أكثر من أي وقت مضى»، و«يجب على الدول أن تتخذ قرارات فيما يتعلق بالميزانيات كما تفعل في معظم الأحيان».
وقال مسؤول دفاعي آخر يتخذ من الخليج مقرا له إنه لم يشاهد «تحولا في المواقف من الزبائن» ولكنه اقترح أن هذا قد يتغير.
وعندما سيتم اتخاذ القرارات هذه، يقول المحللون إن صفقات السلاح الكبيرة التي قربت محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستتأثر بإجراءات شد الأحزمة.
فعندما استقبل ترامب ابن سلمان بالبيت الأبيض عام 2018 حمل معه لوحة عليها صفقات «تمت» مع السعودية بقيمة 12.5 مليار دولار، تشمل دبابات ومقاتلات عسكرية وسفنا حربية.
وتنقل الصحيفة عن وزارة المالية السعودية قولها إن المملكة «ستواصل دعم الاحتياجات العسكرية للجيش ولن تبخل بأي شيء من أجل الدفاع عن شعبنا وأرضنا».
وقالت الوزارة إنها تقوم بترشيد النفقات من أجل التأكد والحصول على المعدات الدفاعية بالثمن الجيد والكمية المطلوبة بمحددات معينة.
ووصلت النفقات الدفاعية السعودية العام الماضي إلى 52.8 مليار دولار بانخفاض 18.2 مليار دولار عن العام الذي سبقه.
إلا أن الوزارة قالت إن التخفيض يعكس «تحسنا في المشتريات والتخطيط» وليس تخفيضا في النفقات.
ويرى المحللون المستقلون أن التقديرات للنفقات الدفاعية لعام 2019 هي أعلى من الأرقام الرسمية. وتظل النفقات الدفاعية في الشرق الأوسط غامضة لكن معظم الأنظمة تميل لشراء السلاح الأميركي.
ففي شهر مارس وافقت وزارة الخارجية الأميركية على نفقات سلاح للإمارات العربية المتحدة ومصر والكويت والمغرب. وتتراوح هذه من صفقات صواريخ إلى صيانة طائرات أباتشي وطائرات نقل. إلا أن السعودية تظل أكبر منفق على صفقات السلاح من الشركات الأمريكية والبريطانية. وتشكل النفقات الدفاعية نسبة 17% من النفقات الحكومية.
وخلال السنوات الخمس الماضية أنفقت السعودية مليارات الدولارات على شراء أسلحة ومعدات في الحرب التي شنتها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن الذين تدعمهم إيران.
وفي عام 2015 وصلت النفقات الدفاعية إلى مستوياتها العليا إلى 87 مليار دولار، حسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وهو العام الذي دخلت فيه السعودية الحرب باليمن. وانخفضت النفقات إلى 28 بالمئة عام 2016 قبل أن ترتفع من جديد.
وقال الباحث في المعهد بيتر ويزمان: «يبدو أنا القيادة السعودية قد توصلت إلى أن القوة العسكرية ضرورية للانتصار في اليمن وردع إيران ولهذا زادت من النفقات رغم الركود الاقتصادي».
وقاد النزاع إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم وزاد من التدقيق في صفقات السلاح الأمريكية والبريطانية إلى السعودية. ومنذ نيسان/إبريل أعلنت السعودية عن وقف إطلاق للنار من طرف واحد وهي تحاول كما يقول المراقبون منذ وقت للخروج من الحرب، وهو تحرك سيؤدي إلى تخفيض النفقات العسكرية.
إلا أن المملكة لا تريد الظهور بمظهر من يتحرك بسبب ضعفه، حسبما تنقل «فايننشال تايمز» عن دبلوماسي غربي. ورفض الحوثيون وقف النار وظلوا يطلقون النار من فترة لأخرى. وتقول الصحيفة إن الأزمة هي أعمق من كونها متأثرة بتراجع أسعار النفط.
وكما يقول كريغ كافري، المحلل الدفاعي في «أفيشين ويك»، فإن المشتريات الاختيارية مثل محاولة توسيع القوة البحرية السعودية قد تؤجل. وتفكر السعودية بشراء بوينج بي-8 للرقابة البحرية، وهذا قد يكلفها ثلاثة مليارات دولار في البنى التحتية العسكرية بما في ذلك شراء أسراب جديدة، فضلا عن تكاليف برامج التدريب.