يثور غبار معركة حول مستقبل مصر الذي يرسمه الدستور يقول البعض أنها معركة حول الهوية التي ريدها البعض إسلامية صافية و يريدها آخرون مشوهة . عنوان المعركة هو المادة الثانية في الدستور حيث كلمة واحدة تمثل مفتاح الحل و قلب المشكلة في نفس الوقت , "مباديء" تلك الكلمة ذات الدلالة العامة الفضفاضة التي تفتح ألف باب لكل من يريد أن يلج إلى هوية مصر فيغير فيها كما يريد. تسمى المعركة بمعركة التقدم و الرجعية بينما هي في حقيقتها معركة بين مايريده الخارج القوي الذي طالما هيمن لعليك لعقود و بين ما تريده لك حضارتك و هويتك الأصيلة و دينك . و تسمى كذلك معركة " الحريات و الإستبداد الديني " و لكنها واقعا معركة بين الإنقياد الصارم لحكم الله عز وجل خالق الكون و الملك سبحانه و تعالى و بين إخضاع هذا الحكم لهوى مخلوق و نزواته أو حتى تنحيته جانبا و الإستجابة حصريا للهوى و النزوات , الكثير من المفاهيم هنا تحتاج إلى إعادة تعريف بيبن أكوام المصطلحات الفارغة و البراقة في نفس الوقت … و لكنها فارغة فعلا و هذا يكفي . بين المرجعية الإسلامية و المواثيق الد ولية تتمايز المواقف تجاه الدستور بحسب الإنتماء الحقيقي و الهوية الفكرية .. ثار الغبار بشدة حتى أنه أعمى المراقبين عن الحقيقة المعركة و المتعاركين والحقيقة أن هذا ربما يكون مقصودا
يقف التاريخ مرة أخرى معلما … إن هؤلاء لم يبتكروا منهجهم العلماني … ليس أصيلا لديهم .. لم يظهر فكرهم إلا في بداية القرن العشرين مع إستقرار الإحتلال البريطاني و عمله على تغيير الثقافة المصرية الإسلامية السائدة برعاية الأزهر الشريف في ذلك الوقت و إستغلاله إنشاء الجامعة الاهلية الأولى في القاهرة لتصبح المنافس للأزهر و التي ضمت رموز الفكر العلماني في مصر حينها . مصدر فكرهم ليس وطنيا و أساس إنتشار فكرهم حينها هو غلبة المستعمر و إنبهارهم بقوته و الهزيمة النفسية التي عانوا منها ألا ترون حديثهم الدائم عن المواثيق الدولية و وجوب الإلتزام بها ؟ هو لا يريدون لمصر خروج عن الفلك الدولي و هذا هو جوهر القضية . فالعلمانية لم توضع بذرتها في مصر أصلا إلا من أجل ضمان عدم إستقلال مصر أبدا عن الغرب حتى لو رحل الإحتلال ماديا عن مصر .. المعركة في حقيقتها ليست بين الإسلام و العلمانية- فالعلمانية كفكر لا تصمد أبدا أمام الإسلام – و لكنها معركة بين الإحتلال و الإستقلال .
إن الغرب – و على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية – لا يضرها من حكم الإسلام أن تقطع يد السارق و يفرض الحجاب على النساء و تقام المساجد و إنما يضرها أن تستقل مصر بالإسلام و تقدم نموذجها للعالم . يقلقها أن تصبح مصر بالإسلام الذي ينادي بالوحدة مركز ثقل إستراتيجي تجتمع حوله قوى الإسلام لتكون كيان دولي يصير قوة عظمى . النظام الإسلامي مرادفا للنهضة و الإستقلال و الوحدة و هذا ما يخشاه الغرب و لهذا تثار المشكلات حول التزام تشريع القوانين بالشريعة الإسلامية للتغطية على الهدف الحقيقي و هو إبقاء مصر في قيد الخارج عن طريق تمييع نموذجها الحضاري بالضغط لإزام الدستور المصري بالإلتزام بالمواثيق الدولية . تثار قضية أحوال شخصية بسيطة كسن زواج القتاة ليس حرصا على صحة الفتيات المصريات فالقتيات يقتلن بدم بارد في أماكن أخرى و إنما ضغطا لفرض الإلتزام بقواعد المنظمات الدولية في هذا الشأن . يتم الضغط حتى تضاف مادة تجعل منصب وزير الدفاع قاصرا على القوات المسلحة المرتبطة بالولايات المتحدة , حتى تصبح هذه القضية الأساسية بالنسبة للإحتلال مسيطرا عليها … هل تنفق الولايات المتحدة على الجيش المصري لمدة 30 عام مليارات الدولارات حتى تتركه الآن للمصريين يتصرفوا فيه بإرادتهم ؟ و مجلس للدفاع الوطني أغلبيته عسكرية … أم يتركوا الأمن القومي لنا نديره بإرادتنا الحرة ؟ .. إنه الإحتلال مازال يعمل لفرض إرادته و الحفاظ على مواقعه . و كأن كل دماء الشهداء التي سالت غير كافية لنحصل على إستقلالنا التام , فالإحتلال لا يأبه لإرادة الشعوب المهم الحفاظ على مصالحه .. بتحقيق الإستقلال التام نحفظ حق الشهداء الذين بذلوا دماءهم من أجل مصر و بقبول الضغط نخون هذه الدماء , لم تكن شعائر الإسلام و أحكامه بالداخل أبدا هو هدفهم .. إنه الإستقلال يا صديقي !