التاسع من أبريل 2017، التاريخ الذي لا ينساه أقباط مصر ولا مسلموها، إذ استيقظ المصريون على خبر تفجيرٍ في كنيسة «مار جرجس» بطنطا في الغربية، والذي راح ضحيته 29 شخصا، بينما أصيب أكثر من 70 آخرين.
وقبل أن يفيق الشعب من الخبر المؤسف، صدم بخبرٍ ثانٍ عن تفجير آخر في محيط الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، ورغم تصدي فرد الأمن الموكل بحماية الكنيسة، للانتحاري ومحاولة منعه، فإنه قام بالتفجير الذي أودى بحياة 17 شخصا، ضمنهم الضابط، وإصابة نحو 50 آخرين.
وكان يوافق ذلك اليوم، «أحد السعف»، أو «أحد الشعانين»، الذي يأتي ضمن أسبوع الآلام أو الأسبوع المقدس، أهم أسابيع المسيحيين في السنة، والذي يسبق «عيد القيامة».
وتبنى «تنظيم الدولة» التفجيرين، مشيرا أن اسم مرتكبي العمليتين، هما «أبو إسحاق المصري» و«أبو البراء المصري».
وأعربت دول العالم في بيانات متعددة عن تضامنها مع مصر في الحادث المأساوي، وأعرب بابا الفاتيكان «البابا فرنسيس» عن أسفه وتضامنه، مؤكدا الإبقاء على زيارته لمصر نهاية أبريل 2017، كما هي، رغم وقوع التفجير، وتمت الزيارة بالفعل.
وكان أول التحركات من السيسي، بدعوة مجلس الدفاع الوطني الانعقاد، موجها رئيس الوزراء حينها «شريف إسماعيل» بالتواجد شخصيا في موقع الحادث، ورفع التقارير له أولا بأول.
https://www.youtube.com/watch?v=_vtTtZtOlYM
سخط الأقباط على «المخلّص»:
في انتخابات 2014 للرئاسة، وبعد انقلاب دموي في يوليو 2013، كان السيسي حصان الرهان بالنسبة للمسيحيين، بعدما مضى الإعلام يصدر لهم المخاوف في عصر الرئيس الراحل محمد مرسي، ويجعلهم يعيشون أسوأ سنواتهم، على الرغم من سلامتهم وسلامة مقدساتهم وأعيادهم من الاعتداءات، على عكس ما حدث في عهد السيسي لاحقا.
بدأت هوة الخلاف بين أقباط مصر والسيسي في ديسمبر 2016، بعد تفجير الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة، والذي أدى إلى مقتل نحو 30 قبطيا، ضمنهم أطفال ونساء، كما تزايدت الهجمات على حافلات الأقباط في رحلاتهم بين المحافظات والأديرة، والتي وصل ضحاياها نحو 90 قتيلا.
وازدادت حدة الغضب القبطي وبلغت ذروتها بتفجيري أبريل، في طنطا والإسكندرية، واللذين بلغ مجموع ضحاياهم نحو 50 شخصا، وأكثر من 100 مصاب.
السيسي يقدّم «السبت» للعفو عن جرائم «الأحد»:
كانت الانتخابات الرئاسية الثانية في مارس 2018، قبل أيام من الذكرى الأولى لتفجيري طنطا والإسكندرية، ومع حرص السيسي على كتلة انتخابية صلبة من الأقباط، كان لا بد من تقديم «عربون» يضمن له التصويت.
فجاء القرار من مجلس الوزراء كالتالي: «تمت الموافقة على توفيق أوضاع 53 كنيسة ومبنى خدمي تابع لها في عدة محافظات (لم يحددها) مع الأخذ في الاعتبار أن يتم استيفاء جميع الاشتراطات خلال مهلة أربعة أشهر ».
وبعد إعلان فوز السيسي بالرئاسة في 2 أبريل 2018، جاء قرار آخر في مايو، على ما يبدو مكافأةً على انتخابه.
فنشرت الجريدة الرسمية قرارا لرئيس الوزراء، حينها، «شريف إسماعيل»، بالموافقة على تقنين أوضاع 103 كنائس و64 مبنى بإجمالى 167 كنيسة ومبنى والمقدم بشأنها طلبات دراسة وتوفيق أوضاع من الممثلين القانونيين عن طوائف الكنائس المعتمدة.
وفي سبتمبر 2018، كان الأقباط في «نيويورك» بانتظار السيسي الذي يزور المدينة، وسط استقبال حافلٍ بحشدٍ من الكنيسة.
https://www.facebook.com/100006948843437/videos/2198246100416997/?t=9
بالإضافة إلى حديث «البابا تواضروس» الشهير، الذي طالب فيه بالصبر على السيسي، عن «النخلة اللي تقعد عشرين سنة عشان تطلع بلحاية» حسب وصفه.
https://www.facebook.com/watch/?t=2&v=2167229580216531
وفي أكتوبر من العام الممتلئ بالأحداث 2018، نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2124 لسنة 2018 بإحالة 9 جرائم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، ضمنهم الاعتداء على الكنائس.
وفي آخر اجتماعات مجلس الوزراء لعام 2018، يوم 31 ديسمبر، كانت هدية عيد الميلاد بالموافقة على تقنين أوضاع 80 كنيسة ومبنى، ليبلغ عدد الكنائس المقنن أوضاعها منذ تشكيل «اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس» في 2016 وحتى نهاية 2018، 588 كنيسة ومبنى تابعاً، بالإضافة إلى 39 كنيسة ومبنى تابعاً تم تقنين أوضاعها بشرط استيفاء اشتراطات السلامة الإنشائية واستيداء حق الدولة بإجمالى 627 كنيسة ومبنى.
«هي فين الكنيسة يا عماد؟»
كان ذلك هو السؤال الذي طرحه «عبد الفتاح السيسي» على اللواء أركان حرب «عماد أحمد الغزالي»، رئيس المنطقة المركزية العسكرية، في 20 ديسمبر 2018، خلال افتتاح مشروع «أهالينا 1» السكني الذي تقيمه القوات المسلحة في القاهرة.
https://www.youtube.com/watch?v=Ne2Ij1ruoaI
واستغل الافتتاح ذاته ليكلف وزير الدفاع، الفريق أول «محمد زكي»، ببناء كنيسة في كل مدينة جديدة يتم بناؤها، مؤكدا في خطابه للوزير «عشان دول (هؤلاء) يعبدوا ربنا ودول (هؤلاء) يعبدوا ربنا»، في إشارة إلى وجود مساجد ضمن تصميمات المدن الجديدة التي يتم تأسيسها، بينما لا توجد كنائس.
وبعد أقل من أسبوعين، افتتح السيسي «كاتدرائية ميلاد المسيح»، أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، حيث تتسع لأكثر من ثمانية آلاف شخص.
وفي الحفل ذاته قال السيسي للبابا تواضروس تصريحه الشهير: «لن أنسى لك مقولة وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».
من جهته، عبر الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» عن سعادته بافتتاح الكنيسة وقال على حسابه على تويتر «سعيد لرؤية أصدقائنا في مصر يفتتحون أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط. الرئيس السيسي يقود بلاده إلى مستقبل يتسع للجميع».
عتاب حاد من السيسي لمنتقدي بناء الكنائس:
في احتفالية ليلة القدر، بأول يونيو 2019، ظهر السيسي غاضبا، في حديثه عن بناء الكنائس ووصول الحديث عنها إلى مسمعه، قائلا: «أنا لما رحت وقلت لأهلي المسيحيين إننا هنبني لهم كنيسة وبحتفل معاهم بعيدهم.. فده لأني بقدم لهم الدين الصحيح اللي أنا فاهمه، أخويا فرحان وأنا فرحان لفرحه وبحتفل معاه».
وتابع السيسي: «ولو أنت عندك غضاضة من وجود كنيسة أمامك عليك أن تفتش في كمال إيمانك.. أنت مالك متخليك في حالك عسى أن تنجو من الله يوم القيامة وخليك أمين على دينك فقط».
https://www.youtube.com/watch?v=7lyzTpGQePg
إعدام المتهمين بتفجيرات الكنائس:
وفي 25 فبراير 2020، تم تنفيذ الحكم العسكري، في القضية رقم 165 لسنة 2017 جنايات عسكرية كلي الإسكندرية، بإعدام ثمانية تمت إدانتهم في قضية «تفجير الكنائس».
الجدير بالذكر أن هذه القضية ضُمت إليها قضية تفجير الكاتدرائية بالعباسية، وتحدثت تقارير حقوقية، عن تعرض المتهمين للإدلاء باعترافاتهم تحت تعذيب شديد، داخل أروقة الأمن الوطني.
وكان ضمن الثمانية الذين أُعدموا، المعتقل «رامي محمد عبدالحميد» الذي طالبت منظمات حقوقية بالإفراج عنه، لاعتقاله دون أي إثبات قانوني على تورطه، كما حُكم على زوجته المعتقلة «علا حسين»، بالمؤبد، بعد أن قبض عليها وهي حامل في الشهر الثالث، ووضعت مولودها في السجن تحت ظروف غير آدمية، مع مطالبات بالإفراج عنها لعدم ثبوت تهمة كذلك، خصوصا مع الوضع الصعب لطفلتيها اليتيمتين «ماريا» و«مريم».
والثمانية الذين أعدموا هم: رامي محمد عبد الحميد عبد الغني، ووليد أبو المجد عبد الله عبد العزيز، ومحمد مبارك عبد السلام متولي، وسلامة أحمد سلامة محمد قاسم، وعلي شحات حسين محمد شحاتة، وعلي محمود محمد حسن، وعبدالرحمن كمال الدين علي حسين، ورفاعي علي أحمد محمد.