نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، تقريرًا جديدًا، يتحدث عن خطر وباء «كورونا» القاتل، الذي يجتاح العالم، وتداعيات تلك الخطورة على سجناء الرأي في مصر.
وتناول التقرير عدة ملفات تتعلق بقضية السجناء «المظلومين» في مصر، منذ انقلاب السيسي على النظام الشرعي عام 2013، وأبرزها ملف الرعاية الصحية، لما يمس الواقع الحالي من خطورة وصول فيروس «كورونا» إلى السجون المصرية.
وتاليًا التقرير كاملًا:
في بلد كمصر، حيث تُخنق الحقوق الأساسية، هناك العديد من التداعيات الحقوقية خلال أي أزمة في مجال الصحة العامة. أحد أكثر الأمور إلحاحًا هو التأثير على الفئات الأكثر عُرضة، مثل تلك الموجودة في السجون المغلقة والمكتظة.
تشتهر السجون المصرية باكتظاظها وقذارتها ومخالفتها لقواعد النظافة والصحة.
في نوفمبر 2019، قال خبيران من «الأمم المتحدة» إن ظروف الاعتقال المسيئة في مصر «قد تعرض صحة وحياة آلاف السجناء لخطر شديد». كان هذا قبل أشهر من تفشّي فيروس «كورونا» (COVID-19) شديد العدوى، والذي قد يكون كارثيًا.
من بين الإجراءات العاجلة التي توصي بها «هيومن رايتس ووتش» أن تفرج الحكومات في البلدان المتضررة عن السجناء المحتجزين دون وجه حق. في مصر، يمكن القيام بذلك بسهولة بدءًا من آلاف السجناء، الذي سجنوا لا لمخالفات ارتكبوها، وإنما لممارستهم حقوقهم بشكل سلمي.
بدلا من ذلك، علّقت الحكومة في 10 مارس زيارات السجون من قبل العائلات والمحامين لمدة عشرة أيام في كل أنحاء البلاد. ما زاد الطين بلة، أن مصر تعرضت في 12 مارس لأحوال جوية نادرة في قسوتها، حيث غمرت المياه الشوارع وانقطع التيار الكهربائي في العديد من المناطق وتضررت الأسطح وسُجلت بعض الوفيّات.
وأفادت الأسر التي لديها «طرق غير رسمية» للتواصل مع الأقارب المسجونين، أن بعض السجون في القاهرة تعاني من تسرب المياه وانقطاع التيار الكهربائي.
تعيش هذه العائلات في جحيم القلق ولهم الحق في قلقهم هذا. وعندما حاولت بعض العائلات إيصال الصابون والمطهرات لذويهم المحتجزين، رفضت إدارة السجون ذلك.
تتعامل الحكومة مع قضايا السجون بسرية تامة. لم تنشر الحكومة المصرية أبدًا أي أرقام عن عدد نزلاء السجون أو قدرة السجون الاستيعابية، ناهيك عن إحصاءات أكثر تفصيلًا من حيث العمر، والجنس، والتعليم، وعدد وأسباب الوفيات في السجن، وما إلى ذلك.
يعرف كل متابع لأخبار مصر أن حكومة «عبد الفتاح السيسي» قمعت المعارضة بشراسة، شمل ذلك القمع اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص، وكثير منهم من النقّاد، والكتّاب، والصحفيين، والحقوقيين، والمدوّنين والمتظاهرين السلميين. كما يُسجن الآلاف دون محاكمة ويذهبون ضحية نظام «الحبس الاحتياطي» المصري المسيء.
يُحتجز العديد منهم في أقسام الشرطة ومديريات الأمن وأماكن الاحتجاز غير الرسمية مثل معسكرات تدريب قوات الأمن.
وقال تقرير صادر عن «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مايو 2015، إن نسبة التكدس في غرف الاحتجاز في مراكز الشرطة تتجاوز 300%، وتصل في السجون إلى 160%.
تعددت حكايات السجناء في مصر عن ظروف السجن اللاإنسانية والمهينة. يخبرنا السجناء أن حراس السجن يعاقبونهم بمصادرة مواد النظافة الشخصية مثل الصابون وفراشي الأسنان ومعجون الأسنان وورق الحمّام. المراحيض قذرة، ويضطر السجناء أحيانا إلى استخدام المياه في «جرادل» دلاء لعدم وجود مياه جارية. التهوية المناسبة وأشعة الشمس هي عملات نادرة.
إذا كانت هناك نصيحة واحدة يقدمها سجين في مصر إلى سجين جديد، فستكون على الأرجح، «لا تمرض!» فالرعاية الطبية غير الكافية هي السائدة وتهدد آلاف السجناء المرضى. تظهر تقارير سابقة لـ هيومن رايتس ووتش أن مسؤولي السجون تركوا في السنوات الأخيرة العديد من السجناء «ليموتوا»، رغم أنهم يعانون من أمراض يمكن معالجتها مثل السكري أو أمراض القلب. حتى أولئك الذين يعانون من أمراض عضال أو لا يُرجى شفاءها مثل تليّف الكبد المتقدم أو السرطانات المتفشّية لا تطلق الحكومة سراحهم ليرتاحوا في أيامهم الأخيرة ويموتوا بين أحبائهم.
إذا كانت هذه هي الحياة اليومية بالفعل في السجون المصرية، فمن المؤكد أنها ليست مستعدة لمواجهة جائحة مثل فيروس كورونا المستجد.
على «السيسي» الآن -وهذا يعني الآن فورًا- أن يأمر بالإفراج عن آلاف المحتجزين لممارستهم حقوقهم سلميا.
من المُلِحّ أكثر من أي وقت مضى إنهاء الاستخدام المفرط والمسيء للحبس الاحتياطي وإطلاق سراح المحتجزين دون محاكمة لأشهر، بل ولسنوات، دون مراجعة قضائية.
ينبغي أن يكون الحبس الاحتياطي تدبيرًا استثنائيا، وليس القاعدة، وينبغي أن يمثُل كل شخص محتجز أمام القاضي للبت في شرعية وضرورة احتجازه في غضون يومين من احتجازه.
يمكن لمثل هذه الخطوات أن تُخفف الضغط بسرعة عن نظام السجون المُثقل وتُخفف من معاناة آلاف العائلات.
من الإجراءات الإضافية التي يمكن للحكومة أخذها بالاعتبار، تفعيل القوانين القائمة التي تسمح بالإفراج عن السجناء الذين قضوا معظم مدة عقوبتهم والقوانين التي تسمح بالإفراج الصحي الشرطي عن المساجين المصابين بأمراض خطيرة.
السجون في مصر معزولة تمامًا عن العالم الخارجي.
تحرم السلطات السجناء بشكل روتيني من الزيارات العائلية لأشهر متتالية، ومن النادر، بل المستحيل، أن يُسمح للسجناء بكتابة واستلام الرسائل أو إجراء مكالمات هاتفية.
جائحة فيروس «كورونا» هي تذكير آخر بأن فتح السجون للتفتيش من قبل منظمات محلية ودولية مستقلة بما في ذلك «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» قد تأخر طويلا، بدلًا من الزيارات المسرحية المدبّرة، مثل الزيارات التي رتبتها الحكومة مؤخرا والتي ظهر فيها السجناء وهم يستمتعون بالشواء.