نشر موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقريرا، سلّط فيه الضوء على تحركات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الفترة الأخيرة على المستويين الداخلي والخارجي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته «عربي21»، إن السعودية اهتزت باعتقال بعض الأمراء من أفراد العائلة المالكة وانهيار أسعار النفط. ولا يزال محمد بن سلمان يحاول تأكيد نفوذ المملكة على الصعيد الدولي، بينما يعمل على تعزيز قيادته داخل المملكة. وقد اختارت القيادة السعودية تجاهل حقيقة أنّ إطلاق حرب أسعار النفط في ظل تفشي وباء كورونا، وفي خضم الانقسامات التي تشهدها الأسرة المالكة ومؤسسات الدولة، من العوامل التي تثير قلق قادة العالم.
وذكر الموقع أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) دعت الأسبوع الماضي إلى عقد اجتماع طارئ مع منتجي النفط من خارج الأوبك لمناقشة تأثير وباء كورونا على سوق النفط العالمية. وخلال الاجتماع، سعت السعودية بشدّة لتجديد اتفاقية خفض الإنتاج من أجل الترفيع في أسعار النفط، ولكن هذا الأمر أثار مخاوف روسيا التي يمكن أن يؤثر خفض الإنتاج سلبا على مواردها المالية.
أسواق الأسهم
لهذا السبب، رفضت روسيا تجديد هذه الاتفاقية لتنهي بذلك التعاون الاستراتيجي بينها وبين السعودية الذي استمرّ لعدّة سنوات في هذا القطاع. ردا على ذلك، اتخذت السعودية قرارا أحاديا من خلال المسارعة إلى خفض أسعار النفط بنسبة 10 بالمئة تقريبًا. وتتمثل استراتيجية الرياض في استغلال قدرتها «كمنتج متذبذب» للنفط لخفض سعر النفط أملًا في إجبار موسكو على إعادة التفاوض.
وأضاف الموقع أنه على الرغم من إمكانية نجاح هذه الاستراتيجية، إلا أنّ تأثيرها المباشر على سوق الطاقة العالمية كان كارثيا، حيث تسبّبت في انخفاض السعر المرجعي العالمي لخام برنت إلى 28 دولارًا. نتيجة لذلك، فقد انهارت أسواق الأسهم العالمية بما في ذلك أسواق الأسهم السعودية، التي انخفضت بنسبة 8 بالمئة في بورصة الرياض، إلى جانب الانخفاض الكبير في أسعار أسهم شركة أرامكو السعودية. وقد يؤثّر انخفاض أسعار النفط على «رؤية 2030» بسبب سحب السيولة من جميع المشاريع الاستثمارية المخطّط لها، ومن برامج الرفاهية التي تقدّمها تقليديّا الدولة السعودية لمواطنيها.
ومن بين الاستراتيجيات الفاشلة للأمير محمد بن سلمان، التي كانت عرضة للانتقادات ومحلا للخلافات، الإصلاحات التي تهدف للانفتاح الاجتماعي والتحديث الجذري للنموذج السياسي الاقتصادي، إلى جانب تكتيكات مراقبة أسعار النفط وانتهاج سياسة خارجية عدوانية.
وأشار الموقع إلى أنّه ألقي القبض على بعض أفراد العائلة الملكية في الساعات الأولى من يوم السبت الماضي، وكان بينهم ولي العهد السابق محمد بن نايف الذي عزل من منصبه في سنة 2017 ووقع تجميد جميع أصوله وممتلكاته وتقييد حريته. كما أنه ألقي القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، الذي كان على خلاف دائم مع ابن أخيه محمد بن سلمان. ويذكر أنه قام بتحريض المتظاهرين ضد “جرائم آل سعود” في اليمن عندما كان يقيم في لندن في سنة 2018 من خلال إخبارهم بأن الجناة الحقيقيين هما الملك سلمان وابنه، وليس الأسرة المالكة بأكملها.
وأفاد الموقع بأنه لا وجود لمؤشرات تثبت أن هؤلاء الأفراد المُعتقلين كانوا يخططون لانقلاب ضدّ محمد بن سلمان، ومع ذلك فقد وُجّهت لهم رسميا تهمة الخيانة. ومن المتوقع أن تشمل حملة الاعتقالات العديد من الأمراء الآخرين، وأن تعيد القيادة السعودية النظر في التحالفات التي أنشئت داخل وزارة الداخلية بأوامر سابقة من أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف. ومع إطلاق سراح بعض المعتقلين بسرعة، يبدو أن هذه الحملة كانت وسيلة لمحمد بن سلمان لإعادة تأكيد سلطته على هؤلاء المعارضين الحقيقيين لحكمه، استعدادا لخلافة والده الوشيكة.
خطة انقلاب
ونوه الموقع إلى أنه سواء كانت هناك فعلا خطة انقلاب أم لا وجود لها، فإن محمد بن سلمان يبدو في عجلة من أمره لاعتلاء العرش في حين لا يزال الملك سلمان على قيد الحياة، ما سيجعل التحديات في لجنة القسَم وهياكل الدولة أقل احتمالا. وبعد اعتزال الملك سلمان الذي سيبقى حارس الحرمين الشريفين سيخلفه نجله، الذي كان يده اليمنى منذ سنة 2009.
وأشار الموقع إلى أن الفرصة ستكون متاحة أمام محمد بن سلمان خلال المحافل الدولية، مثل ملتقى مجموعة العشرين المزمع عقده في شهر نوفمبر، للتفاعل بشكل وثيق مع قادة العالم، وإقامة علاقات شخصية وإقناعهم بعزمه على تجاوز القضايا التي تؤثر على سمعة البلاد، ولا سيما قتل الصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن.
صراع العرش في #السعودية مستمر
آخر حلقاته اعتقالات كبار الأسرة الحاكمة pic.twitter.com/EgRu11PYOb— شبكة رصد (@RassdNewsN) March 8, 2020
وأفاد الموقع بأن القيادة السعودية فضلت تجاهل حقيقة أن إطلاق حرب أسعار النفط خلال فترة انتشار وباء كورونا، وفي خضم الانقسامات داخل الأسرة المالكة ومؤسسات الدولة، من العوامل التي تثير قلق قادة العالم والنظام الليبرالي. وكان يمكن لترامب أن يعالج الآثار السلبية لحرب أسعار النفط على الاقتصاد العالمي من خلال مكالمة هاتفية مع الرياض يوم الاثنين. بالإضافة إلى ذلك، اشتكى مسؤولون من عواصم أوروبية عديدة من أن اتخاذ مثل هذه الخطوة في فترة يمر فيها العالم بوباء هي ضرب من الجنون.
وأكد الموقع أن الأوروبيين ليست لديهم القدرة على التأثير على التطورات المتعلقة بالسياسة السعودية الداخلية أو السياسة النفطية، إلا أنه لا يزال لديهم الوقت للتحضير لمؤتمر مجموعة العشرين الحاسمة في نوفمبر. ومن خلال التنسيق فيما بينهم وبعث رسالة إلى الرياض، سيتسنى لهم الدفاع عن مبادئهم ومصالحهم وتجاوز هذه الأزمة.
وأورد الموقع أن هذه الرسالة تتمثل في إعلام السعودية بأن سياستها المتهوّرة لا يمكن أن تجعل منها قائدًا أو شريكًا موثوقًا به في المنطقة، وأن تجاوز الإجراءات السابقة التي شوّهت سمعة القيادة لن يكون ممكنًا إلا إذا أظهر الأمير السعودي بشكل ملموس نواياه لتغيير المسار. وتظهر أحداث الأسبوع الماضي أنّ القيادة السعودية لا تزال تبدو صامدة على المستويين الوطني والدولي، وأنّه يجب على الأوروبيين الاستعداد بجديّة لهذه الفترة الانتقالية.