قال صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن بريطانيا «لن تكسب من المضي قدما في مشروع متهور للخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما نربط أنفسنا بمغامرة دونالد ترامب الخاسرة ضد إيران».
وأضافت الصحيفة في مقال افتتاحي، الأحد، ترجمته «عربي21» أن «الأزمة التي يشهدها الشرق الأوسط اليوم أشد خطورة وأكثر قابلية للانفجار مما كان عليه الوضع الذي واجهه سلفه توني بلير».
وفيما يلي نص المقال:
يطير رئيس وزراء بريطانيا عائدا من إجازة في الكاريبي، حيث كان بفضل كرم بعض الأثرياء من أصدقائه، يتمتع بالشمس الدافئة على متن قوارب وثيرة، بينما تلتهم الشرق الأوسط ألسنة النيران وتجد بريطانيا نفسها في قبضة أزمة أمنية. في هذه الأثناء، توجه إلى حليف بريطانيا الرئيسي تهم بارتكاب جرائم حرب على تراب بلد أجنبي، وذلك في خضم حرب مع إيران ووكلائها في المنطقة. ما لبث أن اجتمع الرأي في أوروبا على ضرورة أن يمارس كلا الطرفين ضبط النفس، إلا أن بريطانيا خالفت تلك النصيحة وتحدتها من خلال إقرار الإدارة الأمريكية على مقاربتها العدوانية. هل سبق أن رأينا ذلك من قبل؟ ينبغي قطعا أن يبدو الأمر مألوفا.
كان ذلك عام 2006 وكان رئيس الوزراء هو طوني بلير، وكان رفضه العنيد للدعوة إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان هو ما وجه ضربة قاتلة – بحسب اعترافه هو – لمنصبه كرئيس للوزراء.
يمكن لبوريس جونسون أن يعزي نفسه بالقول إن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن يجدر به ألا يفعل ذلك؛ فالأزمة التي يشهدها الشرق الأوسط اليوم، أشد خطورة وأكثر قابلية للانفجار مما كان عليه الوضع الذي واجهه سلفه. فعلى النقيض من السيد بلير، لا يُعرف عن القابع في داونينغ ستريت مروره بتجربة سابقة في خوض الحروب. كما أن السيد جونسون يتعامل مع رئيس للولايات المتحدة أكثر اضطرابا ونرجسية ورعونة، والمقصود بذلك دونالد ترامب، مقارنة بالرئيس الذي كان طوني بلير مضطرا للتعامل معه. فحقيقة أن السيد ترامب لم يظن أنه كان من الضروري أن يخبر بريطانيا بقراره المتسرع الذي نجم عنه اغتيال قاسم سليماني – ثاني أهم زعيم في إيران بعد آية الله خامنئي – ينبغي أن يتعلم منها السيد جونسون أن البيت الأبيض لا يعيره كثيرا من الاهتمام. ونظرا لأن رئيس الوزراء رفض العودة إلى البلاد مبكرا، فقد اضطر وزير خارجيته إلى التراجع عن كلامه على الملأ. فقد تعرض دومينيك راب للتوبيخ الشديد من قبل نظيره الأميركي، بعد أن انحاز في بادئ الأمر إلى أوروبا بخصوص ما يمكن أن يعتبر يقينا قتلا غير قانوني للبلطجي سليماني. لقد كان مخيبا للآمال أن نرى السيد راب يستبدل رده المعتدل بما تروج له الدعاية الأميركية.
يظهر أنه لم يكن يوجد أي دليل ذي مصداقية على أن سليماني أو المليشيات الإيرانية التي يديرها، كانا يشكلان أي تهديد وشيك للولايات المتحدة. لقد نجح السيد ترامب في حمل وسائل الإعلام على التحول من التركيز على إجراءات سحب الثقة منه إلى التركيز على تداعيات الضربة القاتلة التي وجهها. ولن تكون هذه التداعيات بالأمر الهين، فها قد صوّت البرلمان العراقي لصالح الدعوة إلى إخراج القوات الأميركية من البلاد، الأمر الذي يمكن أن يعتبر مؤشرا على ما هو قادم. لا توجد لدى السيد ترامب المخيلة التي تمكنه من رؤية الأمور على حقيقتها في الشرق الأوسط. وما قتل الجنرال الإيراني إلا مثال آخر على إخفاق حملته لممارسة «الحد الأقصى من الضغط» على إيران. بل لقد دفع تفكيره بأن العقوبات الاقتصادية الخانقة يمكن أن تجبر إيران على الاستسلام، لكنه دفع القادة الإيرانيين للقيام بتحركات جريئة ضد الأقطار العربية المخاصمة لهم وضد المصالح الغربية، وفي الوقت نفسه المضي قدما في إعادة تشغيل أجزاء مهمة من برنامجهم النووي.
يخرج السيد ترامب على الناس بمظهر الرجل القوي، إلا أن أفعاله أضعفت الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فالمصلحة الوطنية ليست الأمر الذي تهتدي به أفعال السيد ترامب. كل ما يهمه هو تحقيق تفوق سياسي شخصي في عام الانتخابات الأميركية. ولذلك يعمد من باب دغدغة عواطف القاعدة التبشيرية التي تدعمه، إلى إلباس خصومته مع إيران ثوب صدام الحضارات. إنه لَمِمَّا يبعث على الامتعاض، أن يعتقد بأن الرد العسكري المشروع يتمثل في ارتكاب جرائم حرب من خلال تدمير المعالم التاريخية في إيران.
سليماني يعانق الحسين وترامب يعانق المسيح#
حرب الصور والتغريدات بين #إيران وأميركا.. ما قصتها؟ pic.twitter.com/ecCQkRtgYW— شبكة رصد (@RassdNewsN) January 6, 2020
يخشى السيد ترامب الجمهور الذي بات يحمل سياساته المسؤولية عن التوترات مع إيران. وأيا كان الانتقام الإيراني، فسوف يؤدي إلى حالة من الفوضى العارمة، ولن يجد السيد ترامب مخرجا سهلا يمكنه من توجيه اللوم عن الحرب لأحد سواه.
يواجه السيد جونسون أول اختبار لتموضع السياسة الخارجية البريطانية ما بعد بريكسيت. وعلى النقيض مما كان عليه حال جورج دبليو بوش، لن يعرض السيد ترامب على رئيس الوزراء البريطاني الجلوس في أي حرب قادمة، فهو لا يقدم العون مجانا، بل يتوقع ثمنا مقابل كل شيء. ولربما كان القفز إلى داخل الخنادق مع الولايات المتحدة في حرب لا تريدها بريطانيا، هو الثمن الذي يتوجب على السيد جونسون دفعه، مقابل صفقة تجارية تبرم بين بريطانيا والولايات المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ثمة ما هو حق بشأن خطورة أن يقدم أي رئيس وزراء بريطاني على التأرجح بعيدا عن الحكمة المألوفة، وبعيدا عن الرأي العام البريطاني. ولكم تعرض السيد بلير للسخرية بسبب ما قيل عن أنه حوّل بريطانيا إلى كلب ذكي بيد أميركا. تجازف البلاد هذه المرة بأن ينتهي بها الأمر لأن تصبح كلبا خانعا بيد أميركا.