على الرغم من عجز الحكومة عن السيطرة على حالات البلطجة والانفلات الأمني، التي عمت مختلف محافظات مصر بعد الثورة، إلا أن الوضع يختلف في قرى "عرب الحصار, أبو ساعد, الأفواز" تلك القرى التي تقع على أطراف محافظة الجيزة..
وترى أنها ليست في حاجة للدولة سواء في ضبط أوضاع الأمنية بالقرية، أو في فض المنازعات فهي تجد في المجالس العرفية وسيلتها لمواجهة الصعاب..
شبكة "رصد" الإخبارية ذهبت إلى تلك القرى للتعرف عن قرب على طبيعة تلك المجالس، القواعد التي تحكمها، ومدى تجاوب الأهالي معها ؟ وهل هي تعارض سلطة الدولة في الفصل في القضايا..
المجالس العرفية شرعية
في البداية يقول ماهر عامر حسن، شيخ مشايخ عرب الحصار: إن المجلس العرفي عبارة عن قضاء عادل معترف به أمام المحاكم القانونية فالدستور والقانون ينص على نفاذ أحكامه، مشيرًا إلى أنه لا يجوز للمحاكم العرفية إسقاط حكم صادر من مستشار محكمة شرعية، أو تطبيق أحكامها على من يرفض الاحتكام إليها.
ويضيف "أبو عامر" أن المجالس العرفية تقوم بالفصل في المواريث والخلافات المتعددة، التي تنتج من احتكاك بعض العائلات بعضها ببعض، إضافة للقصاص العرفي في الدم وحالات الوفاة، مشيرًا إلى عدم وجود تبرئة أو حبس للمتهمين في المحاكم العرفية على غرار المحاكم القانونية .
ويشير محمود أبو ساعد، شيخ عرب أبو ساعد، والمحكم عرفي، إلى أنه يشترط في الأحكام العرفية عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن هناك مبدأ فقهي يضفى صفة الشرعية على المسائل التي يجمع عليه اثنان أو مجموعة من المسلمين في غير معصية لله.
أحكام الجيزة أكثر تشددا
و يقول "أبو ساعد": "الأحكام العرفية تختلف من منطقة لأخرى فالأحكام العرفية في "سيناء والسويس والإسماعيلية"، التي يحكم فيها بـ"الجمال"، تختلف عن الأحكام العرفية من القاهرة إلى الإسكندرية، التي يحكم فيها بغرامات مالية قد تصل إلى الملايين، وكذلك الصعيد، التي تبتعد عن الأحكام المالية وتتجه إلى حكمين الكفن في حالات القتل, والتغريب طول العمر في حالات الزنا واعتداء رجل على امرأة.
ويضيف أن الأحكام في محافظة الجيزة تعد الأكثر تشددا على مستوى الجمهورية فلا يُقبل فيها الكفن أو مصافحة من حكم عليه بالتغريب.
أحكام الجروح والخوض في الأعراض
من جانبه يقول خالد أبو الشيخ أمين أبو سالم، قاض عرفي: إنه في حالة " قصاص الجروح" فيتم تقدير الجرح بالرتبة، بمقدار عقلة الأصبع، وتقدر الرتبة الواحدة بـ"رباع"- ابن الناقة الذي يكمل عام- وتعادل ألف جنيه مصري، إذا كان الجرح غير مرئي, وتقدر برباعين إذا كان الجرح ظاهر.
ويضيف "خالد" إنه في حالة الخوض في الإعراض أو اتهام المرأة بما يسيء سمعتها يحكم على الجاني وفقًا للحكم العرفي بـتحضير رايات بيضاء بعدد عائلات القرية ويضع راية على بيت كبير كل عائلة منها مكتوبة عليها أنه فلان الفلاني وأنه اتهمت فلانة بنت فلان كذبًا وهى بريئة من كل سوء.
تدين ونظافة يد الحاكم
ويؤكد سليم أبو قناص، راعي البيت الذي تجري عنده المصالحة، على ضرورة أن يتصف المحكم أو القاضي العرفي بـالتدين وأن يكون من الناس المشهود لهم بنظافة اليد وأن يكون ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده لأن مهنة القضاء العرفي لا تدرس في المدارس أو الجامعات، كما أن المحاكمات تعقد بين كبار العائلات بحيث يقوم الكبار بالضغط على أبنائهم.
راعي البيت ضلع أساسي في المحاكم العرفية
ويقول اللواء سعد الجمال- كبير قرية الأقواز، راعي بيت: إن راعي البيت هو الفيصل الرئيسي في الجلسة حيث إنه يسمى "المرجح" لما يقوم به من تقديم النصح للمختصمين، والتدخل لخفض الغرامات المالية عن المجني عيه، وتدوين الحكم والنطق به بعد موافقة جميع الآراء.
ويضيف" الجمال" انه من حق كل طرف من الأطراف المتقاضية أن يعرض ويحتج على الحكم الصادر من هيئة التحكيم بحيث يدفع الطرف المعترض "الرزقة"- مصاريف الحكم التي يحددها راعى البيت ويدفعها الطرفين- الخاصة به وبالطرف الآخر، وتقوم لجنة التحكيم بتحديد ثلاث بيوت وعلى المحتج اختيار واحد من الثلاثة بيوت.
دور المجالس العرفية في القضاء على البلطجة
ويقول حسن عامر- مدير مخازن، من سكان عرب الحصار- إن المجالس العرفية قد حملت 70 % من المهام التي ألقيت على عاتق الداخلية بعد قيام الثورة، فهي تعمل على الحد من انتشار الفوضى والبلطجة كما تلقى الترحاب من جميع الطبقات .
ويرى سعيد حسن، من منطقة الجيزة إن "حق العرب" شيء متداول في كل أنحاء الجمهورية ويقره الدستور، كما أن مصر بلد إسلامي شرقي يحترم الشريعة وتحكمه التقاليد التي لا تتغير بتغير الزمان ، مشيرًا إلى أن المحكمين لهم ثواب عظيم في إصلاح ذات البين.
ويضيف سليمان سلام، من سكان حلوان، أن الأحكام العرفية تعمل على انتشار الأمان وتخوف البعض من الوقوع في الخطأ، فهناك كلمة دائمًا ما نهدد بها بعضنا البعض في العمل وهي "هعملك حق عرب".
الأحكام العرفية منتشرة
ومن جانبه يقول حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الأحكام العرفية منتشرة في صعيد مصر والقبائل البدوية، التي يبلغ عددها في مصر 73 قبيلة، مشيرًا إلى قانونية الأحكام العرفية، فعند انتقال القضايا من يد الدولة والداخلية إلى المجالس العرفية تقوم الشرطة بتأمين الجلسة العرفية وقت انعقادها.
ويضيف" أبو سعدة" أن المجلس العرفي يستطيع إلزام المتهمين بدفع الغرامة من خلال ضمانات مالية أمام هيئة المحكمين وشيكات بنكية أمام المجلس، مؤكدًا على أن انتشار الأحكام العرفية يثبت للعالم أن بمصر جهات منوطة بالحفاظ على حقوق الإنسان وعدم المساس بكرامته.