نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية- AFP»، الجمعة، تقريرا موسعا، تناولت فيه الأوضاع التي يمر بها اقتصاد إمارة «دبي»، مشيرة إلى التراجع الكبير في عدة قطاعات حيوية في الإمارة بمقدمتها قطاع العقارات.
وتصف الوكالة المرحلة التي يمر بها اقتصاد هذه الإمارة بأنه الأسوأ منذ عشر سنوات، مستشهدة بعدة مؤشرات للتدليل على التراجع الذي أصابه.
وتقول الوكالة إن «إمارة دبي تعمل على جذب المستثمرين الأجانب عبر مبادرات مربحة، في مسعى لتحفيز اقتصادها الذي يمر بمرحلة من التباطؤ هي الأسوأ منذ عشر سنوات».
تعليق مشاريع
وتذكر أن اقتصاد دبي، الأكثر تنوّعا في الخليج، حقق نموا العام الماضي بنسبة 1,94% فقط، أي ما يعادل نصف ما حققه سنة 2017، وبفارق بسيط عن نسبة الـ1,9% التي سجّلت عام 2010 عندما كانت الإمارة تتعافى من ركود بسبب الأزمة المالية العالمية ومشاكل الديون الخاصة بها.
وتبع التقرير: «في موطن ناطحات السحاب وبرج خليفة، أطول مباني العالم، يتراجع قطاع العقارات الحيوي منذ سنوات، بينما انخفض النمو في قطاعي التجارة والسياحة، وهي قطاعات تعتبرها دبي من أبرز دعائم اقتصادها».
كما تورد الوكالة أنه «تم تعليق العمل في العديد من المشاريع المهمة، بما فيها مشروع توسعة مطار آل مكتوم الذي من المفترض أن يصبح أكبر مطار في العالم لدى اكتماله».
وتشير إلى أن قيمة التبادلات العقارية في دبي انخفضت بنسبة 21,5% إلى 60,7 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام حكومية، بينما بقي عدد السياح ثابتا عند 16 مليون سائح العام الماضي.
وبحسب رئيس الأبحاث في المركز المالي الكويتي، فإن «النمو الاقتصادي في دبي كان ضعيفا (…) بسبب ضعف السوق العقاري وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي».
ما زلنا ننمو
إلا أن الوكالة تنقل عن «رائد الصفدي» كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة دبي الاقتصادية، الجهة الحكومية المعنية للترويج للتنمية، تقليله من أهمية التقارير حول التباطؤ الاقتصادي.
ويقول الصفدي للوكالة: «ما زلنا ننمو. نعم، إن (النمو) ليس بدرجة 4,5% (المعدل بين عامي 2012-2016)، ولكن نظرا إلى الظروف في أنحاء العالم، فإن النمو صحي».
وتوقّع «الصفدي» بحسب الوكالة أن «يرتفع النمو إلى 2,1% في عام 2019، وتزيد بشكل كبير العام المقبل وصولا إلى 3,8%، بسبب تأثيرات إكسبو دبي 2020 حيث من المتوقع أن يضيف إكسبو 2020 نحو 35 مليار دولار حتى عام 2030 من خلال القيمة المضافة الإجمالية، بشكل مباشر وغير مباشر».
توترات عالمية
بدوره يقول مركز «كابيتال إيكونوميكس» للبحوث أن «دبي أكثر أسواق المنطقة انفتاحا، عرضة للتأثر بالتوترات التجارية العالمية والتباطؤ الإقليمي والتراجع في إيران بفعل العقوبات الأميركية».
وتنقل الوكالة عن «جيمس سوانستون»، الاقتصادي المتخصص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «كابيتال إيكونوميكس»، قوله إنّ «كل هذا سيؤثر على القطاعات الرئيسية في دبي وهي اللوجيستيات والسياحة والتصنيع».
إجراءات تحفيزية
وفي مواجهة ذلك تقول الوكالة إن دبي تقوم بسلسلة إجراءات تحفيزية، للحفاظ على موقعها الاقتصادي وعلى صورتها كبوابة للشرق الأوسط ومركز عالمي في مجال الأعمال.
وتضيف: «قبل عدة أشهر، بدأت حكومة دبي بمنح تأشيرات إقامة دائمة للمستثمرين الكبار، وسمحت للأجانب بتملك مشاريعهم بشكل كامل في أي موقع، بعدما كان هذا محصورا فقط في مناطق التجارة الحرة».
كما بدأت أيضا بتقديم تأشيرات إقامة طويلة الأمد للمستثمرين الأجانب والطلاب المميزين والمواهب، وشرعت في إعادة النظر في التكاليف الباهظة لعدد من الخدمات التي تشكل عبئا على المستهلكين، وجمّدت أقساط المدارس، وقامت بتشكيل لجنة لإعادة التوازن إلى سوق العقارات.
وتشير الوكالة إلى أن دبي التي يشكّل الأجانب غالبية سكانها، تعتمد في إيراداتها على قطاع الخدمات والضرائب وأرباح الشركات الحكومية، بينما يشكل النفط نحو 6% فقط من مجموع هذه الإيرادات.
وفي هذا الصدد يقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي لتنمية الاستثمار «فهد القرقاوي»، إن «التباطؤ الاقتصادي ليس أمرا جديدا على دبي، ولكن بعض التقارير الإعلامية تقوم بإبراز قضايا معينة لتظهر أن دبي تعاني».
واستطرد: «مررنا بدورات اقتصادية مشابهة في السابق. هناك مشاكل في بعض الاقتصادات العالمية تؤثّر على دبي».
ويشير «قرقاوي» إلى أن دبي كانت بين المدن العشر الأولى في العالم في جذب الاستثمارات الجديدة في السنوات الخمس الماضية، وبين المدن الثلاث الأولى لجذب الاستثمارات المباشرة.
سداد الدين العام
والأحد الماضي أعلنت حكومة دبي أنه في النصف الأول من عام 2019، جذبت دبي 12,7 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، بنمو قدره 135% عن الفترة ذاتها في العام الماضي. وتجاوزت أيضا مبلغ 10,5 مليار دولار الذي جذبته عام 2018.
وهنا يعود رئيس الأبحاث في المركز المالي الكويتي ليؤكد أنه «على المدى المتوسط، سيدعم الإنفاق المرتبط باستضافة أكسبو 2020 في دبي وتسهيل الإجراءات المالية، النمو. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دبي تقوم بإجراءات إصلاحية لتعزيز الاقتصاد».
وتلفت الوكالة الفرنسية إلى أن «الإمارة الخليجية برزت في العقود الثلاثة الأخيرة عبر بنائها منظومة بنى تحتية ذات مستوى عالٍ، وقامت بتطبيق الابتكارات لتحسين بيئة الأعمال فيها».
لكن دبي، إحدى الإمارات السبع التي تتألف منها دولة الإمارات العربية المتحدة، ما تزال تواجه دينا عاما عاليا يقدر بنحو 123 مليار دولار، أي حوالي 110% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويحل موعد سداد ثلثي ديون الشركات المرتبطة بحكومة دبي في نهاية عام 2023. ورغم ذلك، يشير «سوانستون» إلى أنّه «من غير المرجح التخلف عن تسديد الديون- نظرا لأنه حال وقوع دبي في مشكلة- فعلى الأغلب أن تأتي أبوظبي لدعمها مثلما فعلت في عام 2009».