مر أسبوعان منذ أن أصدرت الهند مرسوماً جرد كشمير من استقلالها الذاتي، ومنذ ذلك الوقت والمنطقة خاضعة لحالة من الإغلاق والعزل التام.
وتقاعس زعماء العالم الإسلامي عن مساءلة الهند عما تقوم به من قمع بحق أهل كشمير.
ويقول المراسل الصحفي آزاد عيسى في مقاله المنشور بموقع «ميدل إيست آي»، وترجمته عربي 21، إن خطوط الهاتف وخدمات الإنترنت لا تزال مقطوعة، وحركة الناس باتت مقيدة، وجرى اعتقال النشطاء والسياسيين وحتى الأطفال. وفي هذه الأثناء، نُشر عشرات الآلاف من جنود القوات الهندية أين يجوبون شوارع البلدات والقرى، ويفرضون عليها رقابة مشددة.
ويشكل قرار الهند إلغاء المادة 370، ذلك البند الدستوري الذي يمنح كشمير حكمها الذاتي، استفزازاً صارخاً من الممكن أن يؤدي إلى إشعال منطقة جنوب أسيا بأسرها.
ورغم الغضب الذي عبرت عنه جموع المسلمين حول العالم، وتنديد المراقبين المتواصل بهذا الإجراء، الذي اعتبروه انزلاقاً سريعاً من قبل الهند نحو السلطوية والتجاهل المحموم لحقوق الأقليات، إلا أنه لم يثر رد فعل يذكر من القيادات في العالم العربي.
رد فعل خافت
يقول المراسل الصحفي، آزاد عيسى، أنه بالكاد مرت أربع وعشرون ساعة على قرار الحكومة التي يقودها حزب بي جيه بيه بشأن كشمير، وإذا بسفير دولة الإمارات العربية المتحدة في نيودلهي يصف القرار بأنه شأن داخلي، مضيفاً أن هذه الخطوة “ستحسن العدالة الاجتماعية والأمن وسط الناس الذين ستتعزز الثقة لديهم بالحكومة المحلية … وسوف تشجع على مزيد من الاستقرار والسلام.”
على الرغم من أن وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أصدرت بعد ذلك بياناً أكثر جدية، إلا أن المراقبين اعتبروا تصريحات السفير الأولية أكثر تمثيلاً لموقف حكومة بلاده.
أما المملكة العربية السعودية، فطالبت “الأطراف المعنية في جامو وكشمير بالحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، والأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوب المنطقة”، بينما أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً مقتضباً دعت فيه مواطنيها إلى مغادرة كشمير “في ضوء التطورات الأخيرة.” ولم يذكر البيان شيئاً عن حجم القمع الذي يمارس في كشمير، كما لم يعبر عن أي قلق إزاء مصير شعب كشمير.
وبعد محادثة أجراها مع رئيس وزراء باكستان عمران خان، قال ملك البحرين إن بلاده كانت “ترصد التطورات في كشمير بقلق عميق متمنيا أن يتم حل جميع القضايا عبر الحوار”، وذلك بحسب ما ورد في تصريح لمكتب عمران خان. وتجلى هذا “القلق العميق” بوضوح عندما أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد مجموعة من المصلين الذين تجمهروا للإعراب عن دعمهم لكشمير بعد أداء صلاة العيد. ولم يأت فجر اليوم التالي حتى تمت إزالة جميع المشاركات التي نشرها أصحابها في مواقع التواصل الاجتماعي تعبيراً عن تضامنهم مع أهل كشمير، سواء من خلال تصريحات شخصية لهم أو عبر نشر مقاطع فيديو وصلتهم.
في هذه الأثناء، بادرت منظمة التعاون الإسلامي، وهي كيان إسلامي جامع يضم سبعة وخمسين بلداً، بإدانة الهند لفرضها قيوداً دينية على الكشميريين المسلمين – في موقف اعتبره أحد الأكاديميين الكشميريين “نفاقاً”، إذا ما أخذنا بالاعتبار صمت منظمة التعاون الإسلامي على الانتهاكات الأوسع التي يتعرض لها الناس في الوادي.
الآثار الاقتصادية
لا يستغرب غياب الزعامة العربية بشأن هذه المسألة إذا ما اعتبرنا أزمة العقد الاجتماعي التي يعيشها العالم العربي نفسه، بالإضافة إلى فشل المنطقة في التصدي لما ارتكب بحق مسلمي الروهنجيا في ماينمار، ومسلمي الإيغور في الصين، أو الحملة التي تتعرض لها الأقلية المسلمة في جمهورية أفريقيا الوسطى. وما اليمن عن ذلك ببعيد، وهو البلد الذي بات موطن أكبر كارثة إنسانية صنعتها يد البشر في العالم، ويُنسب الفضل فيها للنخب المسلمة في المنطقة.
بينما تعتبر إسرائيل مهمة جداً للمحور السعودي الإماراتي المصري في إخماد التطلعات الديمقراطية للجماهير العربية، فإن الهند والصين أساسيتان بالنسبة لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط، وثمة سياسة مشتركة هدفها تجنب إظهار التحدي علانية للشؤون المحلية للأطراف المعنية.
فعلى سبيل المثال، عندما بدأ الحصار الذي تتزعمه السعودية ضد قطر في عام 2017، وصفت الهند ما جرى بأنه “مسألة داخلية تخص مجلس التعاون الخليجي”، بينما قامت في نفس الوقت وبشكل متزامن بتنظيم رحلات الطيران ما بين الهند وقطر.
ورغم أن كشمير عبارة عن نزاع دولي، إلا أن الهند بذلت كل ما في وسعها لإقناع شركائها بالتعامل مع المسألة كما لو كانت شأناً داخلياً.
قوة الهند ملموسة، فهي ليست فقط ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم تستورد أكثر من ستين بالمائة من احتياجاتها النفطية من الشرق الأوسط، بل هي أيضاً ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد أدى ترتيب المصالح الجيوسياسية إلى إعادة صياغة العلاقة بين الهند والخليج، والتي باتت استراتيجية أكثر، وتقترب من المحور الإسرائيلي السعودي الإماراتي دون إقصاء إيران، على الرغم من توقف الهند عن شراء النفط الإيراني بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية. وحتى إيران التي كانت عادة ما تعبر عن موقفها صراحة تجاه قضية كشمير، لم ترفع عقيرتها هذه المرة بشيء يذكر.
الخيانة العربية
ما كان ذات يوم أفعالاً وتصريحات لا تقدم ولا تؤخر بات الآن موافقة ضمنية من قبل النخبة العربية.
في الأسبوع الماضي، تعمقت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والهند بإعلان شركة أرامكو المملوكة للدولة السعودية عن نيتها شراء حصة قدرها عشرون بالمائة من العمليات النفطية التي تنفذها ريلايانس إنداستريز، والتي تعتبر واحدة من أضخم الشركات الهندية.
وبهذا سوف تعمل الرياض مع شركة يملكها موكيش أمباني، الرجل الأوسع ثراء في آسيا. يتوقع أن يلعب أمباني، والذي يعرف بارتباطاته الوثيقة برئيس الوزراء نارندرا مودي، دوراً محورياً في الغزو الاقتصادي الهندي لكشمير. فبعد نداء وجهه مودي الأسبوع الماضي للاستثمار في كشمير، قال أمباني إنه سيشكل فريق عمل خاص للتصدي لاحتياجات التنمية في كشمير.
في نفس الاتجاه، أعلنت الهند هذا الأسبوع أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين سوف تستضيفان مودي في زيارتين رسميتين. وقالت أيضاً إن الإمارات العربية المتحدة سوف تمنح مودي وسام زايد، وهو أعلى منحة مدنية في البلاد، وأن زيارته إلى البحرين ستكون الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي.
أن تناشد المملكة العربية السعودية كافة الأطراف “للأخذ بعين الاعتبار مصالح شعب المنطقة”، ثم تعمل مع الشركة التي تسعى لاستغلال نفس ذلك الشعب، مكمم الأفواه والمحاصر، وأن تتجرأ الإمارات العربية المتحدة على تقليد مودي بأعلى وسام لديها في نفس هذا التوقيت، وأن تقوم البحرين كذلك باستضافته دونما خجل أو وجل، بينما مصير كشمير لا يزال في مهب الريح، كل ذلك يثبت مدى استعداد السلطويين العرب للذهاب بعيداً في نزع الصدقية عن معاناة شعب مظلوم، خشية ما يمكن أن يعنيه ذلك في نهاية المطاف بالنسبة لهم.
وكما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين، تسعى الهند إلى اعتبار القلاقل في كشمير قضية دينية – وهو الأمر الذي كثيراً ما يرد في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب – وتحاول تبرير القمع الذي تمارسه من خلال الزعم أنها تكافح الإرهاب. ولعل ما يسر لها ذلك وأوجد لديها المسوغ هو ارتفاع عدد المساجد الممولة سعودياً، وانتشار التعاليم الوهابية في الوادي.
ما من شك في أن ذلك سمح للهند بأن تتعمد الخلط بين المناضلين من أجل الحرية والمتطرفين، وتحميل باكستان المسؤولية عن “تصدير” الشقاق، رغم أن حق تقرير المصير في الأساس وعد قطعته الأمم المتحدة على نفسها، والمقاومة كانت باستمرار وإلى حد بعيد شأناً محلياً خالصاً.
التصريحات الضعيفة والتعيسة، التي تصدر عن النخب العربية فيما يتعلق بكشمير، تكشف في النهاية أن المشروع الاستيطاني الاستعماري ليس شيئا مما يعارضونه، وإنما أصبح تطورا يجدون أنفسهم في انسجام تام معه.