قالت إذاعة صوت ألمانيا DW إن مؤشر الفقر والتعاسة لدى المصريين قد ارتفع رغم إعلان الحكومة المصرية زيادة معدل النمو بشكل غير مسبوق منذ عام 2011.
وقالت إذاعة صوت ألمانيا الرسمية في تقرير مفصل على موقعها: «عندما تنجح خطوات الإصلاح الاقتصادي في زيادة الاستثمارات وتخفيض عجز ميزانية الدولة ورفع معدلات النمو، ينتظر المرء في العادة تراجع نسبة الفقراء وتعزيز دور الطبقة الوسطى التي تعيش في رفاهية، لكن الوضع في مصر يبدو على خلاف ذلك».
وبحسب التقرير، فإن مؤشرات الاقتصاد التي أعلنتها الحكومة المصرية جيدة، وفي مقدمتها نسبة النمو التي تزيد على 5 بالمائة، لكنها لم تنجح في تقليص نسبة الفقر، بل زاد الوضع تعاسة.
وأفادت آخر بيانات الجهاز المركزي المصري للإحصاء أن نسبة المصريين تحت خط الفقر ارتفعت بنحو 5 بالمائة، من قرابة 27.8 بالمائة عام 2015 إلى نحو 32.5 بالمائة عام 2018، وهي أعلى المعدلات التي وصلتها البلاد منذ نحو عقدين. وتشمل هذه الإحصائيات الأفراد الذين يقل دخلهم الشهري عن 45 دولارا. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الذين يتقاضون شهريا بين 45 إلى مائتي دولار في الشهر ولا يعيشون حياة رغيدة يشكلون أكثر من ثلث المصريين على الأقل، فإن نسبة الفقراء الذين لا يستطيعون توفير حاجياتهم الأساسية اليومية تزيد عن الثلثين..
وتساءلت الصحيفة قائلة:”كيف يحصل ذلك في بلد وعد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته المصريين مرارا وتكرارا بالرفاهية من خلال تحسين مستواهم المعيشي بعد البدء بإصلاحات قاسية ومؤلمة، من أبرزها تعويم الجنيه المصري في خريف عام 2016″.
وأشارت بيانات الجهاز المركزي الأخيرة المتعلقة بمعدلات الفقر أن ثمار الإصلاح لا يتمتع بها غالبية المصريين، مستدلة بارتقاع معدلات البطالة توازيا مع زيادة نسب الفقر، رغم إعلان الحكومة عن مشاريع واستثمارات كبيرة برعاية الدولة في أكثر من منطقة بالبلاد.
وتساءل التقرير عن مآلات ثمار الإصلاح وأسباب عدم انتفاع الأغلبية الساحقة بها، مشددا في سياق متصل على أن ارتفاع معدلات النمو جاء بشكل رئيسي بفعل استثمارات حكومية في قناة السويس، وقطاعي الغاز والنفط وقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، إضافة إلى قروض ومساعدات عربية وتعافي إيرادات السياحة بشكل ملحوظ.
وأوضح التقرير أن الإيرادات والعوائد الناتجة عن ذلك في يد الدولة التي ضخت القسم الأكبر منها في مشاريع قومية تكلف مليارات الدولارات، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، وقبله مشروع توسيع قناة السويس ومشاريع الكهرباء والطاقة.
ورغم أهمية مشاريع كهذه على المدى الطويل، إلا أن مشكلتها تكمن في اعتمادها على كثافة رأس المال أكثر من اعتمادها على كثافة اليد العاملة، وهو الأمر الذي يفسر بشكل جزئي استمرار ارتفاع نسبة البطالة ومعها الفقر.
وقال التقرير: “ومن مشاكل مشاريع بتكاليف ضخمة كهذه اختلاس وغسيل الأمول وتسهيل عمليات الفساد التي تنخر في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص معا. وهنا يأتي دور تجار ووسطاء ورجال أعمال يستوردون مستلزمات البناء والتشييد والمواد الاستهلاكية اللازمة للسوق. ومن المعروف أن فئات من هؤلاء تتحكم بشكل واسع في سوق السلع استيرادا وتوزيعا وتسويقا”.
في المقابل، فإن الإصلاحات القاسية، الراجعة بالأساس إلى شروط صندوق النقد الدولي، والتي مضى عليها نحو 3 سنوات، خفضت في قيمة الجنيه إلى أكثر من مائة بالمائة إزاء الدولار الأمريكي، ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للرواتب والأجور، في وقت تضاعفت فيه قيمة ثروات الفئات الغنية التي تملك العقارات والعملات الصعبة والأصول الأخرى. وتفاقم الوضع أكثر في ظل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي يتم استيراد غالبيتها من الخارج بالدولار والعملات الصعبة الأخرى.
أما زيادة الأجور التي حصلت مؤخرا والتي جعلت الحد الأدنى للمرتبات الشهرية بحدود ألفي جنيه، أي حوالي 120 دولارا، فلا يمكن لها تعويض ارتفاع الأسعار وخفض الدعم عن السلع الأساسية، بهدف ترك العرض والطلب يتحكم في أسعارها لاحقا. وشملت آخر حزمة من هذا الخفض أنواع البنزين التي قفزت أسعارها بنسب تتراوح بين 18 إلى نحو 23 بالمائة. ومع استمرار عملية الإصلاح على هذا المنوال، فإن الوضع يسير نحو مزيد من تدهور القوة الشرائية لغالبية المصريين.
مما لا شك فيه أن الإصلاحات الاقتصادية القاسية ضرورية في بلد كمصر، غير أن ثمار الإصلاح الناجح ينبغي أن تأتي بشكل أساسي لصالح ترسيخ دور الطبقة الوسطى التي تساهم في محاربة الفقر والبطالة، من خلال أنشطتها في مشاريع إنتاجية وخدمية بعيدة عن البرستيج والضخامة. ومن هنا، فإن وجهة جديدة لهذه الإصلاحات تبدو ضرورية أكثر من أي وقت مضى.
ومن أبرز معالم هذه الوجهة التي ينبغي أن تحصل دون تأخير، الإسراع في دعم قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي من قبل الدولة، بهدف توفير المنتج المحلي بأسعار تناسب الأجور والرواتب، وتوليد فرص العمل في مؤسسات صغيرة ومتوسطة تعتمد على كثافة العمالة وليس على تكاليف بمليارات الدولارات.