وتؤكد باجوغلي في مقالها، الذي ترجمته «عربي21»، أن استراتيجية الرئيس دونالد ترامب، تجاه إيران ستفشل، مشيرة إلى أن الأسباب كثيرة، فمع تزايد التوتر مع طهران، حاولت واشنطن فهم الدينامية والتفكير الداخلي للحكومة الإيرانية، خاصة الحرس الثوري الإسلامي، الذي يعمل بصفته جزءا من المؤسسة العسكرية، وحاميا للثورة، وأصبح اليوم القوة الأكثر تأثيرا داخل النظام السياسي المعقد للبلاد.
وتقول الكاتبة: «لو فهمت الحرس الثوري، فإنك ستكون قادرا على فهم التشكيلة السياسية الإيرانية الحديثة، فهذه القوة تبدو للمشاهد الخارجي، مثل حرس إمبراطوري مضحك، مهمته قمع المعارضة في الداخل، ودعم عدد من المغامرات العسكرية العدوانية في الخارج، صحيح أن المنظمة دعمت حزب الله اللبناني، وأسهمت في قمع الثورة الخضراء عام 2009، إلا ان الرؤية لها تبدو مختلفة من داخل إيران».
وتشير باجوغلي إلى أن عملها باحثة ولسنوات، لمراقبة ما جرى من تطورات على الفرع الإعلامي التابع للحرس، منحها فرصة لمعرفة الطريقة التي قام فيها الحرس بإعادة تقديم نفسه، حاميا للرواية الوطنية الإيرانية، في وقت دخلت فيه الثورة عقدها الخامس، لافتة إلى أن فهم هذا التحول مهم، لمعرفة التوترات الدولية، والطريقة التي تم تفسيرها في إيران.
وتجد الباحثة أن «استراتيجية الرئيس دونالد ترامب القائمة على (أقصى ضغط)، واستخدام العقوبات، لإجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات من جهة، وإثارة القلاقل الداخلية التي تقود إلى تغيير النظام من جهة أخرى، تعد مهمة في فهم التوتر، وعليه فإن الضغوط الخارجية تساعد النظام وبسهولة على بناء تضامن داخلي، ويفهم الحرس الثوري هذا بسبب إعادة تعريف دوره، وهو بهذه الحالة جاهز ليستفيد من الضغوط الخارجية، فمن السهل تجاهل أن الثورة الإسلامية عام 1979، كانت تعبيرا عن قومية معادية للاستعمار، بقدر ما كانت تعبر عن أيديولوجية دينية، فشعار (لا شرقية أو غربية) تردد عاليا، مثل الدعوة للتقوى الإسلامية».
وتلفت باجوغلي إلى أنه «منذ الحرب الباردة، وعندما أطاح الأميركيون والبريطانيون بحكومة محمد مصدق، في عام 1953، انزعج الإيرانيون، مما رأوه استمرار التدخل الأجنبي في شؤونهم الداخلية، والدعم المتواصل للشاه، الذي عدّوه دمية أجنبية، وكانت الحكومة في مرحلة ما بعد الثورة، قلقة جدا من انقلاب جديد، ولهذا أنشأت الحرس الثوري بمهمة حمايتها».
وتفيد الكاتبة بأن الحرس الثوري يؤدي دورا عسكريا، لكنه يظل خارج المؤسسة العسكرية التقليدية وبناها؛ لأن الزعيم الرئيسي للثورة آية الله الخميني، لم يكن يثق في القوات الإيرانية المسلحة المعروفة بـ(أرتيش)، التي اعتقد أنها كانت موالية للشاه، وكلف الحرس الثوري بحماية الثورة، أما القوات المسلحة فمهمتها حماية الحدود الإيرانية.
وتذكر باجوغلي أن الحرس أدى في السنين الأولى من الثورة، دورا في قمع انتفاضات، داخل مناطق الأكراد والتركمان، ثم انضم إلى الجيش النظامي في الحرب مع العراق، التي استمرت ثمانية أعوام، تحول خلالها لقوة عسكرية موازية.
وتقول الباحثة إن «الحرس أصبح يؤدي دورا سياسيا رغم الحظر الذي فرضه الخميني عليه وعلى القوات المسلحة من التدخل في السياسة، وبعد وفاته في عام 1989، بدأ قادة الجمهورية الإسلامية بتقديم العقود المجزية للحرس، ليقوم بإعادة إعمار البلاد الخارجة من الحرب، وفي العقد الأخير من القرن الماضي، أصبح الحرس أكثر المؤسسات ثراء واستقلالية في إيران، ميدانا لحماية المبادئ المؤسسة للثورة»
وتنوه باجوغلي إلى أن «النظام حاول بعد عقود على الثورة، وعبر عمليات إعلامية قوية، تقديم تاريخ الثورة والحرب مع العراق من خلال لغة معادية للاستعمار، ومشبعة بالصور الإسلامية الشيعية، إلا أن اندلاع الثورة الخضراء عام 2009، التي دعت إلى جمهورية إيرانية، بدلا من الجمهورية الإسلامية، أظهر أن التركيز على الأيديولوجية الدينية لم يعد مجديا».
وتشير الكاتبة إلى أنه بعد الاحتجاجات، قال منتج إعلامي للحرس زملاءه في لقاء حضرته الكاتبة: «هذا الجيل الشاب لم يعد يفهم لغتنا، ونحن نضيع وقتنا في المواد الإعلامية التي نقوم بإنتاجها»، وبدلا من التعامل مع الاحتجاجات على أنها هجوم ضد النظام، يجب أن ينظر إليها الحرس الثوري على أنها فرصة «علينا ألا نلوم المحتجين»، وكانت ابنته وزوجته قد شاركتا في التظاهرات، وتكررت القصة في أكثر من حالة، وأضاف: «نحن الذين يجب علينا التكيف مع واقع بلدنا.. يجب علينا تقديم القصص بطريقة أفضل، القصص التي نرويها منذ 30 عاما، وتحتاج لقاموس شيعي تفهمها، وليس غريبا أن الشباب لم يعودوا يشاهدون ما نصنع».
وتلفت الباحثة إلى أنه «في الوقت ذاته فإن جهود النظام الدعائية كانت تتهاوى، فلم يعد هناك أحد يزور مكتبات النظام، ولا زيارة المتاحف أو مشاهدة البرامج التلفزية الدعائية، أو يشتري البطاقات لأفلام دعائية في السينما، وباختصار فإن حراس الثورة واجهوا تناقضا ظاهريا كلاسيكيا تواجهه أي حركة ثورية ناجحة، يتمثل بكيفية نقل المبادئ الأساسية للثورة من جيل لآخر».
وتفيد باجوغلي بأن «الحل كان موجودا في المبادئ القومية، التي وحدت في الماضي قطاعات الشعب الإيراني وأطيافه كلها، وبعد الثورة الخضراء مباشرة أخبر منتج آخر زملاءه في لقاء مغلق، قائلا: (علينا أن نظهر للجيل الشاب أننا هنا لحماية إيران كاملة وليس بصفتها جمهورية إسلامية)».
وتنوه الكاتبة إلى أنهم قاموا خلال العقد الماضي بإعادة تركيز إنتاجهم، وصوروا الحرس على أنه حام لإيران من العدوان الخارجي، وأصبحت الرموز الدينية في الخلفية لا المقدمة، مشيرة إلى أنه مع اندلاع العنف في العراق وأفغانستان، وظهور تنظيم الدولة، والحرب الأهلية في سوريا، أصبح الإيرانيون يرددون دون «السباهي»، كما يعرف الحرس، «في دمشق لكان تنظيم الدولة في طهران».
وتذكر باجوغلي أنه ضمن عملية إعادة الإخراج، قام المنتجون بإعادة تفسير تاريخ الجمهورية الإسلامية، ففي متحف افتتحه الحرس الثوري في طهران، قدمت قصة الحرب العراقية الإيرانية باعتبارها انتصارا للقومية الفارسية، بدلا من الرؤية السابقة التي قدمت من خلالها، أي كونها حكاية بطولية عن جنود يخوضون الحرب كما فعل الإمام حسين، حفيد الرسول.
وتشير الباحثة إلى أن «جناحا في المتحف يصور خريطة للإمبراطورية الفارسية التي حكمت مساحات من آسيا، لكن الخريطة تتقلص ويبدو شكل إيران أصغر من تلك القديمة، والرسالة واضحة، وهي أن قادة الإمبراطورية السابقة، تنازلوا عن الأراضي للحفاظ على ثرواتهم، وفي العصر الحديث، عندما هاجم العراق إيران بدعم من الغرب، قاتلت الجمهورية دفاعا عن الحدود والكرامة الوطنية، كما في الماضي».
وتلفت باجوغلي إلى أنه «بدلا من الاحتفاء بالشهادة، كما هو حال الثورة، يجري التركيز على الوطن الذي استعيد من سيطرة القوى الغربية، وأقيم المتحف على تلة تطل على العاصمة، حيث دعا القيمون عليه، الفنانين لرسم لوحات تجذب الجيل الجديد، بالإضافة إلى وجود مواقف سيارات مجانية، ووعود أخرى، واستثمر الحرس الثوري كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الجيل الشاب، من خلال أفلام فيديو وأغان تحتفل بالحرس بصفته حارسا للوطن؛.
وتفيد الكاتبة بأنه «أنفق على إنتاج شريط فيديو مبلغ كبير؛ بحسب المعايير الإيرانية، 385 ألف دولار، ويحكي قصة إسقاط الأمريكيين طائرة الركاب الإيرانية فوق الخليج، ويحتوي الفيلم على صور للباسيج بالأزياء الوطنية وهم يزحفون نحو البارجة، لا سلاح في يدهم إلا العلم، والأغنية التي يغنيها الباسيج من كتاب ملحمة الشاهنامة، التي تشير إلى تاريخ فارس قبل الإسلام».
وتنوه باجوغلي إلى أن «هذه الحملة أثمرت نتائج جيدة، فقد انتشرت شعبية قائد فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، وأصبح الإيرانيون ينظرون إليه على أنه حام للوطن، من خلال القومية الإيرانية ومعاداة الاستعمار، وليس عبر الرموز الإسلامية».
وتجد الباحثة أنه «في الوقت الذي لا يزال فيه الحرس الثوري منظمة قمعية لا تتسامح مع المعارضة، إلا أنه بحملته الإعلامية، نجح في تغيير المواقف العامة؛ باعتباره حاميا للهوية الوطنية، وفي الوقت الذي عمل فيه النظام على تشويه دعاة الإصلاح على أنهم أدوات استعمار، إلا أن الجيل الجديد لم يصدق هذه الحيلة، وظل يصوت لدعاة الإصلاح والحوار مع الغرب».
وتقول باجوغلي إن «ترامب غير ذلك، فسياساته العدوانية أثبتت رؤية المعسكر المتشدد، الذي أكد في الماضي أنه لا يمكن الثقة في أميركا أو الغرب، وعندما قرر ترامب الخروج من الاتفاقية النووية، رغم التزام طهران بها، تأكدت رؤية التيار المتشدد، الذي تشكك في البداية من حيوية الحوار مع أميركا».
وتستدرك الكاتبة بأنه «رغم إحباط الإيرانيين من قادتهم، فإن فكرة التحرر من التبعية الأجنبية تظل مهمة في وحدة الشعب، وكانت الثورة الإيرانية معلما مهما في هذا الكفاح، لكنها جزء من القصة الكبرى».