نشرت مجلة «نيوزويك» مقالا للأكاديمي غالب دلاي، يقول فيه إن الديكتاتوريين الشرق أوسطيين، القدامى والجدد، بالكاد تحملوا المعارضة في بلادهم، وأصبح قمعهم للمعارضة الآن بشكل رسمي على مستوى العالم.
ويقول دلاي في مقاله، الذي ترجمته «عربي21»، إن «مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول أظهر أن القمع لم يعد محصورا في حدود تلك الدول في الشرق الأوسط، لكن هذه الحملة الدولية تشارف على أن يصبح معترفا بها رسميا إن قام الرئيس ترامب بتنفيذ وعده الذي وعده في إبريل للديكتاتور المصري الزائر عبد الفتاح السيسي».
ويشير الكاتب إلى أنه «بناء على طلب السيسي، أكد البيت الأبيض أن إدارة ترامب تبحث عن طرق لتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهذا القرار يمثل هدية لا تقدر بثمن من ترامب، وليس فقط للديكتاتور المصري، لكن للأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط كلها، التي تخشى من جذور الإخوان المسلمين العميقة في المجتمع ومطالبتهم بالديمقراطية أكثر مما يخشون من تعاليمهم الدينية، مهما كانت تروج لنفسها في الغرب، لكن بالنسبة لأميركا فإن هذا القرار سيشكل هزيمة ذاتية».
ويفيد دلاي بأنه «ابتداء، فإن القاعدة القانونية لمثل هذا التصنيف ضحلة جدا، وبحسب القانون الأميركي (وبالذات البند 1189أ) فإن تصنيف منظمة على أنها منظمة إرهابية أجنبية يحتاج أن ينطبق عليها الآتي:
I.أن تكون المنظمة أجنبية.
II.أن تكون المنظمة متورطة في أنشطة إرهابية، أو تحتفظ بالإمكانيات والنية للقيام بأنشطة إرهابية أو مرتبطة بالإرهاب.
III.أن تهدد الأنشطة الإرهابية للمنظمة أمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي للولايات المتحدة».
ترامب يسعى لتصنيف الإخوان إرهابيين بعد طلب السيسيفماذا يعني ذلك؟ وهل ينجح؟
Publiée par شبكة رصد sur Mercredi 1 mai 2019
ويعلق الباحث قائلا: «من الواضح أن تلك المواصفات المبينة أعلاه لا تنطبق على الإخوان المسلمين، ولا يقتصر الأمر بكون الإخوان المسلمين لا يقومون بأفعال عنيفة ضد مصالح الولايات المتحدة فقط، لكن الحركة نبذت العنف منذ زمن بعيد وبشكل متكرر، (ومن الملاحظ أن مجموعة تفرعت من الإخوان المسلمين -حركة حماس- تستخدم العنف، لكن هذه المجموعة ليست جزءا من الحركة الرئيسية، وأساليبها متعلقة بديناميكية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وليس بأساسيات الإخوان المسلمين الأيديولوجية أو السياسية)، وعدا عن بعض الأحداث القليلة المعزولة، فإن الإخوان المسلمين لم يتحولوا إلى العنف حتى بعد المذابح الدموية التي قام بها نظام السيسي بعد انقلابه العسكري في عام 2013».
ويلفت دلاي إلى أنه «علاوة على هذا، فإن مجموعات مرتبطة بالإخوان المسلمين تشكل جزءا من التركيبة السياسية أو الحكومية في العديد من البلدان المتحالفة مع أميركا، بما فيها الكويت والبحرين والمغرب والأردن، والاقتراح بأن يكون التصنيف شاملا سيجعل العلاقات الأميركية تتعرض لإشكاليات على الأقل، فهل ستعلن أميركا الحكومات والمؤسسات السياسية لحلفائها بأنها متعاونة مع الإرهاب؟ فالتداعيات القانونية والسياسية لمثل هذا القرار واضحة».
ويستدرك الكاتب بأن «من بين العاملين في الضغط السياسي، الذين يقبضون رسوما مجزية، ومنظري اليمين المتطرف، القليل من هم على قناعة بأنه يمكن أن وصم تنظيم الإخوان كاملا على أنه منظمة إرهابية، وحتى العلماء المنتقدين بشكل كبير ودائم للمجموعة، مثل إريك تراغر، فإنهم لا يظنون أن المواصفات تنطبق على الإخوان المسلمين».
ويقول دلاي إن «التصنيف الشامل يدعو للسؤال: إن كان بالإمكان تصنيف منظمة غير عنيفة على أنها إرهابية، فما هو المقياس للتمييز بين منظمة إرهابية ومجموعة معارضة؟ فهذا التمييز هو بالضبط ما تريد الأنظمة الاستبدادية أن يختفي، فلكون تلك الأنظمة مفتقرة إلى أي شرعية اجتماعية أو سياسية، فإنها تعتمد على المبالغة في الإجراءات الأمنية لحكم المجتمعات، بالإضافة إلى نزع الشرعية عن طموحاتها السياسية، وسيشجع تصنيف ترامب هذا الديكتاتوريين العرب لوصم معارضيهم بالإرهاب ونزع الشرعية عنهم».
ويجد الباحث أن «هذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير الحيز العام، الصغير أصلا، لأي معارضة، وهذا بالضبط ما سيحققه أي حظر أميركي، وبالنظر إلى مدى تغلغل هذه المجموعة في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات الشرق الأوسط فإن الحظر سيأتي بتحويل تلك المجتمعات كلها إلى مجتمعات أمنية مرة واحدة».
وينوه دلاي إلى أنه «علاوة على ذلك، فإن الحظر سيؤدي إلى تقويض، بدلا من تعزيز، الحملة الأميركية ضد الإرهاب، وفي ظل غياب المبررات القانونية فإن هذا التصنيف سيكون أيديولوجيا بشكل واضح، والاستخدام التعسفي لمفهوم الإرهاب سيقلل من شرعيته بشكل كبير، وبالتالي من فعاليته، ما سيعزز رواية الكثير من المجموعات المتطرفة، التي تحتج بأن التغيير السياسي غير ممكن إلا من خلال العنف، على عكس استراتيجية التدرج السلمي التي تتبعها الجماعات السياسية الإسلامية، التي تعد جماعة الإخوان مثالا لها، وسيكون بإمكان المتطرفين الادعاء بأن أميركا دخلت في حرب مفتوحة مع الإسلام، وليس مع التطرف ولا مع الإرهاب».
ويجد الكاتب أنه «ليس من الواضح كيف يمكن تعريف الإخوان المسلمين، التي تعد منظمة مظلية لحركات مختلفة ومتفرقة، إن لم تكن مجرد اسم تجاري، ولا يوجد تنسيق سياسي بين فروعها المختلفة، وتعمل كنقطة التقاء لنقاشات غير رسمية ولتبادل الأفكار والتجارب بين الفروع المختلفة التي تلتزم بتقاليد سياسية متقاربة، والمنظمة المظلية لا تملك سلطة ملزمة على الفروع المحلية، ودورها استشاري لا أكثر».
لن يكون للإخوان دور ما دمت في السلطة.. السيسي يهاجم الإخوان وثورة يناير مجددا في حوار مع صحيفة كويتية
Publiée par شبكة رصد sur Samedi 13 octobre 2018
ويقول دلاي: «في الواقع، كما احتج العالم المتخصص في الإسلام السياسي، ناثان براون، فإن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يشبه الاشتراكية الدولية التي تخدم بصفتها منصة للأحزاب الاشتراكية والأحزاب الديمقراطية الاجتماعية لتبادل الافكار والتجارب، لكن ليس بصفتها تنظيما ذا بنية جيدة وتسلسل هرمي يقرر أنشطة التنظيمات المحلية، ومن هذا المنظور فإن إعلان الإخوان المسلمين منظمة إرهابية هو شبيه بإعلان ماركة تجارية أو فكرة أو عقيدة على إنها إرهابية، والطبيعة غير المنطقية لمثل هذا التصنيف واضحة».
ويختم الباحث مقاله بالقول: «من خلال تحدي منطق القانون (والعقلانية السياسية)، تريد إدارة ترامب أن تنضم أميركا إلى مصر والإمارات والسعودية، بالإضافة إلى سوريا وروسيا، في إعلان الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، إن مثل هذا التصنيف سيرضي الديكتاتوريين العرب والعناصر اليمينية المتطرفة في الغرب، لكنه لن يخدم لا مصالح أميركا ولا الاستقرار والتغير السياسي الإيجابي في الشرق الأوسط».