أعلنت جماعة أنصار الإسلام في بيان نشرته بعنوان (عملية ضرب الرقاب) على قناتها بتطبيق تليجرام بتاريخ 2 يونيو 2019 مسؤوليتها عن استهداف سيارة مدير أمن أسيوط بعبوة ناسفة زُرعت فيها مما أسفر عن انقلاب السيارة ومقتل مدير الأمن اللواء جمال شكر وإصابة اثنين من مرافقيه بتاريخ 29 مايو.
كما أعلنت الجماعة مسؤوليتها كذلك في بيان آخر نشرته في ذات اليوم بعنوان (الإنذار الأخير) عن استهدافها مستودعات شركة قارون للبترول التابعة لشركة أباتشي الأميركية في منطقة دهشور بمحافظة الجيزة بقذائف آر بي جي بتاريخ 31 مايو. كما أعطت الجماعة مهلة 60 يوما لشركات البترول الأجنبية: أباتشي الأمريكية وبريتش بتروليم البريطانية ، وإيني الإيطالية، تدعوها لإيقاف أعمالها داخل مصر.
تلك البيانات أثارت حالة من الجدل في أوساط المحللين الأمنيين، حيث ذهب بعض المحللين المقربين من المؤسسة العسكرية المصرية إلى عدم صحة تلك البيانات، وشككوا في ضلوع أنصار الإسلام في حادث وفاة مدير أمن أسيوط الذي قالت وزارة الداخلية أنه توفي إثر انقلاب سيارته، وذهب هؤلاء إلى إن صور حطام سيارة مدير الأمن لا يوجد فيها ما يثبت تعرضها لانفجار، كما أنه لا توجد أي أخبار عن تعرض مستودعات شركة قارون للبترول لهجوم.
ولكن الملفت للنظر هو صمت شركة قارون للبترول وعدم تعقيبها على الأمر بإصدار أي بيانات رسمية، وكذلك تجاهل وزارة الداخلية المصرية لبيانات جماعة أنصار الإسلام وعدم التعقيب عليها رغم خطورتها، وهو ما قد يشير إلى أن هذا الصمت الرسمي يعكس وقوع أحداث ما بالفعل. وباستحضار أن كافة سيارات مديري الأمن في مصر مصفحة، وتأمل صور حطام سيارة مدير أمن أسيوط سنجد أن السيارة سليمة تقريبا في حين يوجد قدر من الدمار أعلى مكان الإطار الأيسر الأمامي بالتوازي مع انفصال الإطار، وهو ما يمكن أن يتسبب فيه انفجار قنبلة صغيرة تزن 400 جم مثلما ورد في بيان الجماعة مما أدى لانقلاب السيارة بعد ذلك.
أما التثبت من حقيقة ما حدث فهذا لا يمكن الجزم به سوى عقب صدور بيان رسمي من شركة قارون للبترول، والانتهاء من إجراءات المعاينة الفنية الجنائية لأسباب انقلاب سيارة مدير الأمن.
سيارة مدير أمن أسيوط
متى ظهرت جماعة أنصار الإسلام؟
تنسب بعض وسائل الإعلام جماعة أنصار الإسلام إلى جماعة (أنصار الإسلام والمسلمين) بالساحل والصحراء الأفريقية، وهذا لا يوجد له أي أساس يدعمه، إذ الجماعة الأفريقية التي يقودها إياد أغ غالي اسمها الصحيح هو جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وتنشط في مالي وبوركينافاسو والنيجر، ولم تصدر سابقا أي بيانات عن عمليات لها بمصر. أما جماعة أنصار الإسلام فقد برزت لأول مرة في المشهد المصري إثر إصدارها في 3 نوفمبر2017 بيانا تبنت فيه حادث الهجوم على قافلة أمنية بتاريخ 20 أكتوبر 2017، حيث اعترفت وزارة الداخلية المصرية وقتها في بيان رسمي بمقتل 16 شرطيا من ضمنهم 6 ضباط من جهاز الأمن الوطني في أكبر خسارة تعرض لها الجهاز منذ تأسيسه عام 1910. وقد أقيل عقب الحادث بأسبوع آنذاك كل من رئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس قطاع الأمن الوطني، ورئيس العمليات الخاصة بالأمن المركزي، ومدير أمن محافظة الجيزة، ومفتش قطاع الأمن الوطني بمحافظة الجيزة.
ولا توجد أي تفاصيل عن هوية زعيم الجماعة، أما القول بأن هشام عشماوي هو زعيم الجماعة، فيدحضه أن اسم التنظيم الذي أسسه عشماوي هو (المرابطين)، كما أن قرار إحالة قضية حادث الواحات الذي تبته الجماعة إلى محكمة الجنايات لم يشمل اسم عشماوي.
أما من حيث مدى تواجد الجماعة، فقد سبق أن أقرت أنصار الإسلام في بيان تبنيها لحادث الواحات بمقتل مجموعة من عناصرها على يد الجيش المصري بتاريخ 31 أكتوبر 2017، وفي مقدمتهم نقيب الصاعقة والقيادي السابق بجماعة أنصار بيت المقدس عماد الدين عبد الحميد، وذكرت ذلك في صيغة توحي بوجود عناصر أخرى تابعين للجماعة لم يُقتلوا خلال المطاردة، وهو ما يعضده قرار إحالة قضية الواحات الذي شمل 55 متهما من بينهم عدد من الهاربين.
الجدل الذي صاحب بيانات أنصار الإسلام الأخيرة يعيد للأذهان الجدل الذي أثير في 23 يناير الماضي، إثر إعلان الصحف المصرية وقوع حادث تصادم بين سيارتين أعلى الطريق الدائري بوصلة المريوطية مما أسفر عن وفاة ثلاثة أشخاص دون أن تذكر الصحف هوياتهم أو بياناتهم، وهو ما ناقضته حركة حسم التي أصدرت بعد الحادث بأيام بيانها العسكري رقم 17، والذي أعلنت فيه أنها استدرجت قوة أمنية خاصة إلى أعلى الطريق الدائري بالجيزة ثم فجرت فيها سيارة مفخخة مما أسفر عن مقتل وإصابة 10 من أفرادها قائلة أن النظام عمل على إخفاء حقيقة الحادث. وكذلك نشرت حركة حسم رفقة بيانها صورا لانفجار السيارة. وهو ما ردت عليه الصحف المصرية المقربة من النظام قائلة أن بيان تبني حركة حسم للحادث ما هو إلا شائعات إخوانية لا أساس لها من الصحة.
تكرار الأمر مع بيانات جماعة أنصار الإسلام الأخيرة قد يشير ضمنا إلى سياسات جديدة لوزارة الداخلية المصرية في التعامل مع بعض الحوادث عبر تجاهل إصدار بيانات رسمية عن حقيقة تلك الوقائع، والاكتفاء بتصريحات نافية تنشرها مصادر مقربة منها.
وجدير بالذكر أن مصر شهدت خلال الشهور الستة الأخيرة عدة حوادث أمنية لم يتم الكشف عن هوية الجهات المنفذة لها مثل حادث مقتل 3 سياح فيتناميين ورابع مصري عقب استهداف حافلتهم بعبوة ناسفة في الجيزة بتاريخ 28 ديسمبر 2018، وحادث تفجير شاب لنفسه في حي الغورية في قوة أمنية حاولت توقيفه في 18 فبراير 2017 مما أسفر عن مقتل ضابط أمن وطني وأميني شرطة، وحادث مقتل النقيب ماجد عبدالرازق معاون المباحث بقسم شرطة النزهة وسائقة عقب إطلاق النيران على سيارتهما في 7 إبريل 2019. وأخيرا إصابة 17 شخصا على الأقل، بينهم ٧ سياح من جنوب إفريقيا في انفجار استهدف حافلة سياحية قرب الأهرام في الجيزة في 19 مايو 2019.
وتلقي تلك الحوادث بظلال من عدم الاستقرار على الوضع الأمني في مصر، كما أنها تؤشر لوجود تنظيمات وجماعات جديدة غير معروف هوية عناصرها. ويمثل ذلك أحد التداعيات المتوقعة لتبني النظام سياسات تقوم على تأميم العمل السياسي وقمع حرية التعبير، والتوسع في التصفيات الجسدية والإعدامات.