نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً مطولا وشاملا عن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان تناول الكثير من جوانب شخصيته وسياساته في المنطقة.
وبحسب التقرير الذي ترجمته عربى 21 فإن العديد من الخبراء وصفوا بن زايد بأنه ميكافيلي ويتصرف كموسيليني، في إشارة إلى أنه أصبح يمارس القمع والسلطة على غرار وطريقة ما كان يفعل الزعيم الفاشي موسوليني الذي انتهى الى الإعدام بعد هزيمته مع حليفه النازي هتلر في الحرب العالمية.
كما نقلت الصحيفة عن تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية والباحثة في معهد بروكينغز، قولها إن الأمريكيين صنعوا من محمد بن زايد “فرانكشتاين” صغير، في اشارة الى أن أسطورة “وحش فرانكشتاين” الذي هو “مخلوق هائل الحجم غاية في القبح، خُلق في مختبر جامعي، ثم قام المخلوق المسخ بالانتقام من صاحبه وأصدقائه وقتلهم”، بحسب الرواية الأمريكية، ما يعني أنها تشير الى أن ابن زايد أصبح يهدد السياسات والمصالح الأمريكية في المنطقة على الرغم من أنه يتلقى الدعم من الولايات المتحدة.
وفيما يلي ترجمة الجزء الأول من التقرير:
على الرغم مما كان بينهما من خلافات حادة، ظل الأمير محمد محتفظاً بعلاقة ودية مع السيد أوباما، وكان الرئيس يظن أن الرجلين يتبادلان الاحترام، وذلك طبقاً لما صرح به أربعة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض. ولذلك، حينما طلب الأمير لقاء أخيراً، كما يقول الأصدقاء، وافق السيد أوباما على ترتيب غداء داخل البيت الأبيض في ديسمبر / كانون الأول من عام 2016.
إلا أن الأمير محمد تراجع عن الغداء دون إبداء أسباب، وطار بدلاً من ذلك إلى نيويورك لحضور أول لقاء جمعه وجهاً لوجه مع جاريد كوشنر ومع غيره من مستشاري مرشح الرئاسة دونالد جيه ترامب.
لترتيب تلك اللقاءات، توجه الأمير محمد نحو الممول ريتشارد جيرسون، مؤسس فالكون إدج كابيتال، والذي عمل مع الأمير لسنوات، وكان في نفس الوقت صديقاً لكوشنر.
في رسالة نصية خاصة كتبها بعد الانتخابات ووجهها إلى الأمير، قال جيرسون: “أنا موجود هنا باستمرار لأكون بمثابة قناة خلفية موثوقة لعائلتكم في أي وقت تحتاجون لتمرير شيء بشكل سري.” كانت تلك واحدة من عدة رسائل حصلت عليها نيويورك تايمز من طرف ثالث وأمكن تأكيد صحتها بشكل مستقل. في رسالة أخرى وجهها جيرسون إلى ابن زايد، وقع عليها بعبارة “جنديكم الوفي”.
كان من المفروض أن تظل تلك الرحلة طي الكتمان، إلا أن وكالات المخابرات تمكنت من تحري وصول الأمير، الأمر الذي صعق مستشاري السيد أوباما. إلا أن الأمير محمد كان قد انهمك حينها في جهد يستهدف قلب سياسات الإدارة، وبدأ يتحدث مع مستشاري السيد ترامب حول مخاطر إيران وحول محادثات السلام الفلسطينية، بحسب ما يقوله شخصان اطلعا على تفاصيل الاجتماعات.
كتب السيد جيرسون يقول للأمير بعد الاجتماعات: “لقد أعجبوا جداً بك وباتوا على قناعة بأنك صديقهم الحقيقي وحليفهم المقرب”.
كان الأمير محمد يقدم نفسه أيضاً كوسيط للمحادثات مع روسيا.
وفعلاً، قام أحد أشقاء الأمير محمد الأصغر منه سناً بتعريف السيد جيرسون على رجل أعمال روسي يقوم بدور ضابط الاتصال بين الرئيس فلاديمير بوتين وممالك الخليج الفارسي، بحسب ما ورد في تقرير المحامي الخاص. اجتمع رجل الأعمال الروسي كيريل دميترييف وأسر إليه بشأن “خطة مصالحة” بين الولايات المتحدة وروسيا، وقبل تنصيب ترامب بوقت قصير سلم السيد جيرسون ملخصاً للخطة من صفحتين إلى السيد كوشنر.
رفض السيد جيرسون التجاوب مع طلب تقدم به كاتب هذا التقرير للتعليق على المسألة.
في الشهر التالي، في يناير، دعا الأمير محمد السيد دميترييف إلى منتجع إماراتي في سيشيلز للالتقاء بشخص آخر كانوا يظنون أنه يمثل فريق ترامب. كان ذلك هو السيد برينس، مؤسس بلاكووتر الذي كان يجند المرتزقة لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة.
مازال موضع جدل لماذا سعى الأمير محمد إلى ربط روسيا بالدائرة المحيطة بالسيد ترامب، ولكنه عمل لسنوات في محاولة لإغراء السيد بوتين بالابتعاد عن إيران، بحسب ما يقوله دبلوماسيون أمريكيون وبحسب ما ورد في رسائل إيميل مسربة من حساب السفير الإماراتي في واشنطن.
إلا أن فريق المدعي العام يحقق أيضاً في نشاطات قامت بها عناصر أخرى ووسطاء كانوا يعملون لصالح الأمير وحاولوا التسلل إلى الدائرة المقربة من السيد ترامب.
ومازال المحققون يبحثون في مسألة الاتصالات التي كانت تقوم بها حملة ترامب مع شخص إسرائيلي مختص في التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي، والذي كان قد عمل مع الأمير محمد، وكذلك مع رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني قام بدور المبعوث. بينما يقوم محققون آخرون بالتحقيق فيما إذا كان أحد كبار المتبرعين الجمهوريين، الذي عملت شركته الأمنية لصالح الأمير، كان يتوجب عليه أن يسجل بشكل قانوني بوصفه كان يعمل وكيلاً عنه.
واستجوب مكتب المحقق الخاص راشد المالك، تاجر العقارات الإماراتي الذي يتخذ من لوس أنجيليس مقراً له والمقرب من الأمير محمد ومن شقيقه رئيس المخابرات الإماراتية. كما أن السيد المالك مقرب من صديق السيد ترامب توم باراك، ويتساءل المحققون ما إذا كان السيد المالك جزءاً من مخطط للنفوذ غير القانوني، بحسب ما صرح به شخصان على اطلاع بالمسألة.
ويقوم تحقيق آخر، بدأ على إثر معلومات قدمها أحد الوشاة، بالبحث في إمكانية أن تكون الإمارات العربية المتحدة قد استخدمت وسائل التجسس على الإنترنيت، والتي حصلت عليها من عملاء أمريكيين سابقين، للتجسس على مواطنين أمريكيين.
ومع ذلك لم تتضرر علاقة الود التي بين إدارة ترامب والأمير، بل لقد حصل الأمير محمد بن زايد خلال العامين والنصف منذ لقائه الأول مع السيد كوشنر على كل ما طلبه من البيت الأبيض.
خطة كوشنر
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، قالت الصحيفة: إن مقترحات ولي عهد أبوظبي لـ”السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي جوهر خطة كوشنر للسلام”، والتي باتت تعرف بصفقة القرن.
وأضافت الصحيفة: “الشيخ محمد بن زايد، أول من قدم رؤية، لتسوية من الخارج للقضية الفلسطينية وتبنتها إدارة ترمب”.
أمير لا يهاب
في كل شتاء، يدعو الأمير محمد الممولين والمسؤولين السابقين إلى أبوظبي للمشاركة في صالون يستدل منه على ما بات يتمتع به من نفوذ عالمي.
تضمنت قائمة الضيوف في ديسمبر الماضي رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، والسيد هادلي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس بوش، والمستثمرين الأمريكيين محمد أ. العريان ودافيد م. روبنستاين وتوماس س. كابلان، وعالم الكومبيوتر والمستثمر الصيني كاي-فو لي.
كما كان من ضمن الحضور السيد دميترييف، رجل الأعمال الروسي وثيق الصلة بالسيد بوتين.
لم تسهم تدخلات الأمير محمد ما بعد ثورات الربيع العربي في تعزيز الاستقرار في المنطقة، بل لقد عاد بخفي حنين وبإحباط شديد مبعوثه إلى القاهرة، والذي أرسله ليساعد في تدوير الاقتصاد المحتضر هناك.
مازالت الحكومة المصرية المسنودة من قبل العسكر عالة على مليارات الدولارات من المساعدات التي تأتيها من الإمارات العربية المتحدة ومن حلفائها الخليجيين، وعلى الرغم من المساعدة الإماراتية والضربات الجوية الإسرائيلية لم تتمكن القاهرة حتى الآن من القضاء على التمرد العسكري في شمال سيناء.
لم يُجد عزل قطر نفعاً ولم يحملها على تغيير سياساتها. وأما في ليبيا، فقد علق خليفة حفتر في مستنقع دموي من الصراع الذي بات عاجزاً عن حسمه.
ونجم عن تدخل الأمير محمد في القرن الأفريقي إشعال لهيب التنافس على العبور والنفوذ بين خصومه من مثل تركيا وقطر. وفي الصومال، وعلى إثر مزاعم صدرت عن الحكومة المركزية الهشة بدفع رشاوي، انتقلت القوات الإماراتية إلى منطقة أرض الصومال شبه المستقلة.
وفي العام الماضي لجأت جيبوتي، التي شكت من الإهمال، إلى استبدال الإدارة الإماراتية لمينائها بإدارة صينية منافسة.
يقول بروس ريديل، الباحث في معهد بروكنغز والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: “يظن أنه ميكافيلي ولكنه يتصرف كما لو كان موسوليني”.
وفي المملكة العربية السعودية، أحرج الأمير الإماراتي بما خلصت إليه وكالة المخابرات الأمريكية من أن صديقه ولي العهد السعودي هو الذي أمر بجريمة القتل البشعة التي تعرض لها السيد خاشقجي، المعارض السعودي الذي كان مقيماً في فرجينيا ويكتب عموداً في صحيفة الواشنطن بوست. وفي اليمن، تحول تدخلهم بعد مرور أربعة أعوام إلى ما يشبه المستنقع، مع تصاعد أعداد الضحايا بين المدنيين يوماً بعد آخر.
يقول عضو الكونغرس رو خانا، وهو نائب الحزب الديمقراطي عن كاليفورنيا: “لقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة لطخة في ضمير العالم – فالإمارات العربية المتحدة كما تدار شؤونها اليوم باتت تنتهك كل واحد من أعراف وقيم العالم المتحضر”.
ومع ذلك مازال الأمير يتمتع بوضع قوي داخل إدارة ترامب، وباتت المقترحات الخاصة بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي تجاهلتها إدارة أوباما في الصميم من مخططات السيد كوشنر للسلام.
أعرب السيد ترامب مراراً وتكراراً عن مساندته لمواقف الأمير الإماراتي، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لصديقه السعودي بعد مقتل خاشقجي، ومن خلال إشادته بعزل قطر بالرغم من معارضة كل من وزير خارجيته ووزير دفاعه لذلك، ومن خلال إلغاء صفقة النووي مع إيران، ومن خلال السعي إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ومن خلال الاعتراض على تشريع كان يستهدف قطع الدعم العسكري الأمريكي للقوات السعودية والإماراتية في اليمن.
وفي الشهر الماضي، بارك السيد ترامب زعيم المليشيا المفضل إماراتياً في ليبيا، وذلك بعد يوم واحد من اتصال هاتفي مع الأمير محمد – وذلك على الرغم من أن وزير الخارجية مايك بومبيو كان مسبقاً قد طالب نفس الزعيم بالانسحاب.
ألقى السيد ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي السابق، محاضرة في أبوظبي الشهر الماضي برعاية من الأمير محمد. عندما انضم إلى إدارة ترامب كشف السيد ماتيس عن أنه تلقى 242 ألف دولار أمريكي على شكل رسوم سنوية بالإضافة إلى خيارات أسهم قيمة بوصفه عضو مجلس إدارة في شركة جنرال دايناميكس، والتي لديها مصالح تجارية كبيرة في أبوظبي. كما عمل مستشاراً بلا أجر لدى الأمير محمد.
تساءل السيد ماتيس في محاضرته: “إنه عام التسامح. كم من البلدان في العالم تحتفل الآن بعام التسامح؟ لا أعرف بلداً واحداً يفعل ذلك سواكم، فأنتم النموذج”.