انتقد مركز كارنيجي للسلام، القمع المتواصل الذي تقوم به السلطات الإماراتية، بحق المعارضين السياسيين، مثل الناشط أحمد منصور، والذي اعتبرت أنه يعكس صورة مغايِرة للمحاولات التي تبذلها الإمارات لإظهار نفسها بأنها تعمل على تعزيز التسامح.
ويأتي التقرير، الذي كتبه جو ستورك، رئيس المجلس الاستشاري في مركز الخليج لحقوق الإنسان، قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى للحكم الصادر بحق الناشط، أحمد منصور، والذي قضى بسجنه 10 سنوات وإرغامه على تسديد غرامة تفوق قيمتها ربع مليون دولار، بتهمة الإساءة إلى “سمعة الإمارات ومكانتها“، بما في ذلك حكّامها، ونشر تقارير كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الإضرار بعلاقات البلاد بالدول المجاورة.
وكان منصور، قبل توقيفه في مداهمة لمنزله في منتصف ليل 20 مارس 2017، يردّد متهكّماً أنه “آخر رجل يتكلم” في الإمارات، في إشارة إلى أن السلطات أقدمت، خلال الأعوام السابقة، على زجّ جميع الناشطين الحقوقيين الإماراتيين تقريباً ومحاميهم في السجون. وظلّ مكان منصور مجهولاً طوال أكثر من عام.
وبعدما ثبّتت المحكمة الاتحادية العليا إدانته والحكم عليه في 31 ديسمبر 2018، يقبع في السجن الانفرادي في زنزانة بطول 4 أمتار وعرض 4 أمتار من دون سرير ولا مياه، وفقاً لمصادر مطّلعة على وضعه، وقد دفعت به هذه الظروف إلى تنفيذ إضرابٍ عن الطعام في منتصف مارس 2019.
وقبل أيام، أبدى مقرّر الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعذيب وستة خبراء آخرين من الأمم المتحدة متخصصين في حقوق الإنسان استهجانهم للوضع، لافتين إلى أن “ظروف احتجازه السيّئة في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك وجوده في السجن الانفرادي لفترة طويلة، ربما تندرج في إطار التعذيب“.
وكان منصور قد وجّه، في الأسابيع التي سبقت توقيفه في العام 2017، انتقادات للإجراءات التي أقدمت عليها الإمارات عبر مقاضاة نشطاء آخرين لارتكابهم “جرائم” التعبير عن رأيهم، وغرّد عن انتهاكات الحقوق في مصر واليمن. وقد أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية آنذاك أنه أوقِف بتهمة “التحريض على الكراهية والإضرار بسمعة الدولة على مواقع التواصل الاجتماعي“، ونشر معلومات “كاذبة ومغلوطة“.
وقال التقرير إن هذا البلد هو نفسه الذي أعلن حاكمه، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أن العام 2019 مخصّصٌ لـ“ترسيخ الإمارات عاصمة عالمية للتسامح“. وعندما زار البابا فرنسيس الإمارات في مطلع فبراير الماضي في إطار مسعى لإظهار التواصل بين الأديان، صرّح رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن الإمارات لن تسمح بـ“التعصّب الأيديولوجي والثقافي والديني“. مضيفا أنه من الواضح أن هذا الإعلان لا يشمل تقبُّل المعارضة السلمية.
وأشار التقرير إلى تصاعد وتيرة القمع السياسي في الإمارات بشكل كبير في العام 2011، ففي أعقاب الانتفاضات العربية في المنطقة. لم تندلع تظاهرات في شوارع أبو ظبي أو دبي أو أي إمارة أخرى، على الرغم من أن “المنظومة السياسية في البلاد هي من الأقل إشراكاً للمواطنين في العملية السياسية في العالم“، وفق ما كتب أحد الباحثين في العام 2012.
وقد وجّه أحمد منصور وحفنة من المواطنين الإماراتيين عريضة إلى الشيخ خليفة، وقّعها 132 شخصاً، للمطالبة بالسماح لجميع المواطنين الإماراتيين الراشدين بالمشاركة في انتخاب المجلس الوطني الاتحادي، بدلاً من أن يقتصر الحق في الاقتراع على نحو 7000 شخص، وفق ما كان معمولاً به آنذاك. وطالبوا أيضاً بمنح المجلس صلاحية التشريع بدلاً من الاكتفاء فقط بـ“مناقشة” التشريعات التي يقترحها الحكّام.
وما لبثت الإمارات أن “أصيبت بالتوتر في مسألة الديمقراطية“، وفق ما ورد في عنوان مقال في مجلة “الإيكونوميست“. ففي يناير 2010، أغلقت السلطات رسمياً موقع uaehewar.net الذي أطلقه أحمد منصور في العام 2009. وفي أبريل 2011، ألقت السلطات القبض على منصور – فضلاً عن الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة السوربون في أبو ظبي، ناصر بن غيث، وثلاثة آخرين في ما بات يُعرَف بقضية “الإمارات 5″ – على خلفية مشاركتهم في العريضة.
في الشهر نفسه، أغلقت السلطات جمعية المعلمين وجمعية المحامين والقانونيين، وهما من أقدم مؤسسات المجتمع المدني في البلاد، بعد إصدارهما بياناً مشتركاً “للدعوة إلى مزيد من الديمقراطية“. كانت المحاكمة في قضية “الإمارات 5″ بتهمة “الإساءة علناً” إلى مسؤولين إماراتيين حافلة بانتهاكات مبادئ المحاكمة العادلة، وانتهت بإصدار أحكام بالإدانة في 27 نوفمبر الماضي. فقد حُكِم على منصور بالسجن ثلاث سنوات، وعلى كل واحد من الباقين بالسجن سنتَين.
في اليوم التالي، خفّض الشيخ خليفة عقوباتهم لكنه لم يُلغِ الإدانات الجنائية الصادرة بحقهم، فظلوا عاجزين عن الحصول على “شهادة حسن سلوك“، والتي تُعتبَر ضرورية في التوظيف وغيرها من المتطلبات المدنية مثل الاستحصال على شهادة زواج.
وبحسب الكاتب، فلم يتمكن منصور مطلقاً من استعادة جواز سفره، ما يحول فعلياً دون قدرته على السفر. وقد استمر في نقل معلومات إلى منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان، عن الاعتقالات والمحاكمات التي طالت نشطاء حقوقيين ومعارضين سلميين آخرين، مع قيام الحكومة بتوسيع حملتها وتكثيفها للقضاء على شتّى أشكال المعارضة السياسية.
وفي العام 2014، استهدفه مقرصِنون من خلال هجوم متطوّر بدا أنه تم بتمويل من مبالغ طائلة إلى درجة أن المحققين في “سيتيزن لاب” في جامعة تورونتو وصفوه بـ“المعارِض الذي يساوي مليون دولار“.
في نوفمبر 2012، أصدر الشيخ خليفة مرسوماً بقانون اتحادي رقم 5/2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وقد نصّت المادة 29 – التي استُنِد إليها في إدانة منصور في العام 2018 – على تجريم استعمال تقنية المعلومات “بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أي من مؤسساتها أو رئيسها أو نائبه أو حكام الإمارات أو أولياء عهودهم أو نواب حكام الإمارات أو علَم الدولة أو السلام الوطني أو شعارها أو نشيدها الوطني أو رموزها“.
وعلى الرغم من المضايقات التي تعرّض لها منصور، استمر في التعبير عن آرائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول استفحال الانتهاكات الحقوقية في الإمارات، وغالباً ما كان المصدر الوحيد للمعلومات الموثوقة عن الاعتقالات والمحاكمات. وكانت هناك أخبار كثيرة للحديث عنها: فاعتباراً من أواخر مارس 2012، أوقفت القوى الأمنية أعداداً كبيرة من الإماراتيين لارتباطهم بجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، المعروفة اختصاراً بالإصلاح، وهي منظمة غير حكومية مسجّلة في الإمارات منذ العام 1974. وقد احتُجِز عددٌ كبير من الموقوفين، بينهم المحاميان البارزان في مجال حقوق الإنسان، محمد الركن ومحمد المنصوري، في أماكن لم يُكشَف عنها. (كان الركن من وكلاء الدفاع عن أحمد منصور خلال محاكمته في العام 2011، وغالب الظن أن وجود أعضاء من الإصلاح بين موقّعي عريضة “الإمارات 5″ هو الدافع وراء التوقيفات).
واعتُقِل محامٍ آخر يدعى سالم الشحي لدى توجّهه إلى مكتب مدّعي عام أمن الدولة بقصد التوكّل عن الركن. وقد عمدت السلطات إلى توقيف وترحيل محامين غير إماراتيين يعملون لحساب عبد الحميد الكميتي، محامي الدفاع المتبقّي الوحيد الذي يُبدي استعداداً للتوكّل عن الموقوفين في حملة القمع التي تستهدف جمعية الإصلاح – وقد غادر هؤلاء البلاد.
وعكست المساعي التي تُبذَل للقضاء على جمعية الإصلاح المخاوف التي راودت الحكّام الإماراتيين من صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، مع العلم بأن بعض أعضاء الإصلاح أيّدوا في العلن أيضاً عريضة “الإمارات 5″ في العام 2011. وعندما مثُل المدّعى عليهم من جمعية الإصلاح أمام المحكمة في مطلع مارس 2013، كانت أعدادهم قدارتفعت إلى 94، وقد حوكِم ثمانية منهم غيابياً. ووُجِّهت إليهم، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية، تهمة “معارضة الدستور والمبادئ الأساسية للمنظومة الحاكمة في الإمارات” فضلاً عن “الانتماء إلى تنظيمات ذات أجندات خارجية” – أي الإخوان المسلمين الذين صنّفتهم السلطات رسمياً، في مارس 2014، في خانة التنظيمات الإرهابية، إلى جانب الدولة الإسلامية والقاعدة ومجموعات أخرى.
وأكد التقرير على أن الدليل الأساسي عن الأعمال التخريبية التي نُسِبت إلى الإصلاح والذي قدّمته جهة الادعاء، تمثّلَ في اعترافات أحمد بن غيث السويدي التي أصرّ خلال المحاكمة على أنها انتُزِعَت منه تحت وطأة التعذيب. وفي يونيو 2013، اختُتِمت المحاكمة التي خلصت لجنة القانونيين الدولية إلى أنها كانت حافلة بالانتهاكات، لا سيما التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة، وقد انتهت بإصدار أحكام بالسجن من سبعة إلى خمسة عشر عاماً بحق 69 مدّعى عليهم، وتبرئة 25 آخرين.
وبحسب الكاتب، كانت محاكمة مجموعة “الإمارات 94″ القضية الأكبر التي هدفت إلى سحق مختلف أشكال المعارضة السلمية. وفي واقعة أخرى، قضت محكمةٌ، في نوفمبر 2014، بسجن أسامة النجار ثلاث سنوات على خلفية انتقاده للإدانات الصادرة بحق مجموعة “الإمارات 94″ (لا يزال قابعاً في السجن على الرغم من انتهاء مدّة محكوميته).
وفي مايو 2015، حُكِم على أحمد عبدالله الواحدي بالسجن عشر سنوات لإدارته حساباً “يسيء إلى القيادة الإماراتية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي أغسطس 2015، اعتقلت السلطات الخبير الاقتصادي ناصر بن غيث الذي كان قد أوقِف سابقاً مع أحمد منصور في قضية “الإمارات 5″، وقضت إحدى المحاكم بسجنه عشر سنوات في مارس 2017. ومن التهم التي وُجِّهت إليه “السعي إلى الإضرار بسمعة الإمارات” من خلال “الزعم بأنه تعرّض للتعذيب“. وقد احتجزته السلطات في الحبس الانفرادي وعزلته عن العالم الخارجي طوال تسعة عشر شهراً قبل محاكمته، وبعد صدور الإدانة بحقه، نُقِل، وفق ما كشفت بعض التقارير، إلى سجن الرزين ذي الإجراءات الأمنية المشددة جداً في صحراء أبو ظبي.
وختم الكاتب كلامه بالحديث عن التزام واشنطن الصمت حيال القمع المتفشّي في الإمارات، وذلك قبل وقت طويل من وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة. مضيفا “عبثاً نبحث عن انتقاد علني واحد صادر عن واشنطن أو وزارة الخارجية الأميركية، على امتداد الأعوام العشرة الماضية، لسجل الإمارات في حقوق الإنسان”. نقع في الكونجرس الأميركي، لا سيما منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، على انتقادات للمشاركة الإماراتية في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، إنما لا نسمع أي انتقادات للقمع الداخلي في الإمارات. والفصل المتعلق بالإمارات في تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان للعام 2018 لا يأتي مطلقاً على ذكر أحمد منصور أو حتى التلميح إلى قضيته.