نشرت صحيفة «لو فيف» الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن نجاح الشباب الجزائري في كسر حاجز الخوف، خاصة بعد ما عرفته البلاد خلال العشرية السوداء.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته «عربي21»، إن الرحيل المعلن لعبد العزيز بوتفليقة يرسخ انتصار حركة عفوية وسلمية. فبفضل تصميمهم وبرودة أعصابهم، أحيا شباب الجزائر أمل آبائهم في تحسين الأوضاع. وصرحت الأستاذة غاية (50 عاما) من ولاية تيزي وزو: «لم أشارك في أول مظاهرة ضخمة نُظمت يوم 22 فبراير. كنت خائفة، لكن حين لاحظنا حجم المسيرات، قررنا الانضمام إليها في الأسبوع التالي. وقد خرجت مع زوجي وابني إلى الشوارع».
وعلى غرار هذه المواطنة الجزائرية، تردد الكثير من الآباء والأمهات قبل الانضمام إلى الاحتجاجات الرافضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. وفي هذا البلد الذي يمثل فيه السكان الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة واحدا من أصل أربعة أشخاص، فإن جرأة الشباب الذين كانوا أول من خرجوا إلى الشوارع هي التي شجعت كبار السن على النسج على منوالهم.
وذكرت الصحيفة أنه على امتداد ثلاثة أسابيع، شارك ملايين الجزائريين من مختلف الفئات العمرية في مسيرات جابت جميع مدن البلاد. وخلافا لكل التوقعات، انتصرت هذه الحركة العفوية والسلمية يوم 11 مارس. ففي رسالة موجهة إلى الأمة، أعلن بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر عقدها بتاريخ 18 أبريل، وتعهد بعدم السعي للحصول على ولاية رئاسية خامسة.
وأشارت الصحيفة إلى أن سنوات رعب العشرية الدموية التي عرفها تاريخ الجزائر مازالت تسكن أذهان الذين شهدوا هذه الفترة. وتنضاف ذكرى قمع انتفاضة ربيع 2001 في القبايل إلى هذا العنف الذي مس كامل البلاد. وفي إجابتها عن السؤال المتعلق بسبب ترددها في النزول إلى الشارع يوم 22 فبراير، أجابت غاية بصوت متأثر أن «الخوف مترسخ فينا. نحن نعلم إلى أي مدى يعد هذا النظام قادرا على القيام بأي شيء. وخلال أولى التجمعات، انتابتنا شكوك حول استعماله سلاحه المفضل وهو العنف».
في شهر ديسمبر من سنة 1991، أوقف الجيش أولى الانتخابات الحرة التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الأولى. وهكذا، غرقت البلاد في حلقة من الهجمات والكمائن والمجازر، متسببة في مقتل ما بين 100 ألف و200 ألف شخص. وقبل أيام من الإعلان المفاجئ لعبد العزيز بوتفليقة، أثارت السلطة مرة أخرى شبح عودة الفوضى إلى البلاد.
وأوردت الصحيفة أنه في الخامس من الشهر الجاري، حذر قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح من أن الجيش سيكون «ضامنا» للأمن في مواجهة أولئك الذين يريدون إعادة «الجزائر» إلى «سنوات الجمر». وقبل أسبوع، حذر رئيس الوزراء أحمد أويحيى «المتظاهرين السعداء» الذين قدموا الورود لرجال الشرطة قائلا: «أتذكر أن الأمر بدأ في سوريا على هذا النحو، بتقديم الورود».
وبينت الصحيفة أن هذه التهديدات لم تعد تجدي نفعا الآن. ويذكر قادر، صاحب متجر صغير في مدينة تيارت، التي تقع على بعد 250 كيلومترًا جنوب غرب الجزائر العاصمة، أن «جدار الخوف قد انهار يوم 22 فبراير. فطوال سنوات، كان النظام يراهن على هذا الخوف لإسكاتنا، لكننا لم نعد قادرين على تحمله، لقد سئمنا من زمرة اللصوص هذه ومن الفاسدين».
لقد خرج أبناء قادر الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و23 سنة إلى الشارع، قبل قيام والدهما بذلك، للاحتجاج يوم 22 فبراير. ويتحمس هذا الخمسيني قائلا «أنا فخور جدًا بهذا الجيل. سيكون من الأفضل لهم المطالبة بحقوقهم في الجزائر بدلا من المجازفة بحياتهم في قارب من «الحراقة»، مع العلم أن قادر خاض هذه المغامرة مرتين سنة 2011، قبل أن يتم اعتراضه من قبل الشرطة البحرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإحباط من الفساد والبيروقراطية والتعسف يدفع العديد من الجزائريين إلى مغادرة البلاد. ويقول المحاسب المتقاعد غلام بوها، إنه «في عمر 23 سنة، لا يحلم ابني جواد سوى بأن يركب قاربا ويهاجر، وعادة ما يردد مقطعا من موسيقى الراب مفاده التالي: «أفضل أن تلتهمني الجيتان عوضا عن ديدان الأرض». وأورد والد جواد أن ابنه يشعر بالغضب بسبب عدم تمكنه من المشاركة في المظاهرات، لكن شقيقه كريم البالغ من العمر 18 سنة يشارك في جميع التجمعات.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أنه منذ بداية التمرد ضد الفترة الخامسة، تدور المظاهرات الأسبوعية الضخمة فضلا عن المسيرات اليومية البسيطة في هدوء. وبعد سنوات من السبات في الجزائر، حان الآن وقت التفاؤل. وتشير الأستاذة غاية إلى أن «بلدنا لا يفتقر للإطارات والأدمغة. وقد قتل الكثيرون، وأجبر آخرون على الصمت أو تعرضوا للنفي من طرف دائرة السلطة، والآن بعد تبدد الخوف، بت أثق في المستقبل».