تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن مدى انعكاس ثروات الغاز المكتشفة في مصر، على عموم المصريين، بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في أعماق البحر المتوسط
وأشار تقرير الصحيفة، الذي أعده كل من كليفورد كراوس وديكلان وولش، وترجمه موقع “عربي21″، إلى تباهي عبد الفتاح السيسي المستمر بخططه لتحديث مصر، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التي تبرز في الصحراء خارج القاهرة، مع أن معظم المصريين ينظرون لحكمه على أنه يتسم بشد أحزمة مؤلم، وارتفاع مستمر في الأسعار، وانهيار في سعر العملة المحلية، وقطع الدعم عن المواد الأساسية، الذي زاد من أسعار البنزين والكهرباء والماء.
ويقول الصحفيان إن هناك أملا يشع من البحر على بعد مئات الأميال، حيث تأتي موارد الغاز الطبيعي التي قد تساعد في نمو الاقتصاد المصري المترنح، وتساعد على بناء تحالفات تجارية مع إسرائيل، وربما أسهمت في إحياء الدور الإقليمي لمصر، الذي تلاشى في السنوات الماضية.
وتبين الصحيفة أن التوجه نحو الغاز الطبيعي هو جزء من التحول البنيوي في الطاقة والوضع الجيوسياسي، فالغاز الطبيعي الذي ظل تابعا للنفط يكتسب أهمية ويصبح وسيلة للدول من أجل الحصول على التميز والتأثير، مشيرة إلى أن التكنولوجيا التي صممت لنقل الغاز المسال أسهمت في تقوية الدول التي لم تكن حتى وقت قريب من الدول الكبرى المصدرة للطاقة، مثل الولايات المتحدة ومصر.
ويجد التقرير أن تدفق الغاز الجديد يمثل تهديدا للدول المصدرة تقليديا للغاز، مثل روسيا، التي قامت بتخفيض أسعار الغاز لتستمر ببيعه لأوروبا، لافتا إلى أن الدول الأوروبية تحاول تخفيف اعتمادها على الغاز الروسي، والبحث عن خطوط إمدادات جديدة، حتى لو اقتضى الأمر التعامل مع دول مثل مصر وقطر، التي تعد من مصدري الغاز التقليديين، وتعيش أزمة مع جيرانها في الخليج.
ويلفت الكاتبان إلى أن منطقة شرق المتوسط أصبحت في السنوات الأخيرة من أكثر مناطق العالم التي تنقب فيها الشركات عن الغاز الطبيعي، حيث أعلنت عن اكتشافات في المياه الإقليمية لكل من مصر وإسرائيل وقبرص، واكتشفت مصر حقل ظهر، الذي يعد من أكبر حقول الغاز في الشرق الأوسط، عام 2015، وتحدث عبد الفتاح السيسي في حينه عن تسجيل مصر هدفا، وقال: “أحلم منذ أربعة أعوام بأن نتحول لمركز طاقة إقليمي”.
وتذكر الصحيفة أن مصر تنتج اليوم 6.3 مليار قدم مكعب في اليوم، أي بزيادة 30% عن عام 2016، ما يجعلها أكبر منتج للغاز في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وصدرت مصر في يناير غازا طبيعيا أكثر مما استوردت، مشيرة إلى أن التصدير لا يزال متقطعا، ولم ير المصريون منافع منه بعد.
ويفيد التقرير بأن شركات النفط تخطط لتوسيع إنتاج الغاز المصري إلى نسبة 40% هذا العام، وهي متفائلة حول منظور الغاز في منطقة شرق المتوسط، وأعلنت شركة “إكسون موبيل” في الأسبوع الماضي عن اكتشاف جديد في المياه القبرصية، بحجم ما تم اكتشافه سابقا، مشيرا إلى أن وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية تتوقع اكتشاف كميات من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط كافية لتغطية احتياجات أوروبا والمنطقة لعقود.
وينقل الكاتبان عن المدير التنفيذي لشركة الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني” كلوديو ديسكالزي، قوله: “تعد مصر إلى جانب قبرص وإسرائيل من أفضل الأماكن للتنقيب، ليس بسبب الاكتشافات، لكن لقربها من أوروبا التي باتت تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي”، ويضيف ديسكالزي: “لدى مصر العناصر كلها التي سيجعلها ناجحة”.
وتنوه الصحيفة إلى أن شركات الطاقة العملاقة بدأت بالتدفق نحو مصر منذ عام 2015؛ لأن الحكومة رفعت السعر الذي ستدفعه للشركات بنسبة الثلث، فيما استثمرت شركة النفط البريطانية “بي بي” أكثر من أي شركة، وأضافت استثمارات بقيمة 1.8 مليار دولار هذا العام، مشيرة إلى أن مجموع ما وضعته شركات النفط العالمية في مصر هذا العام يبلغ 10 مليارات دولار.
وبحسب التقرير، فإن ما زاد من أهمية مصر بصفتها مصدرا للغاز الطبيعي هو وجود مرفأين كبيرين لتصدير الغاز، اللذين تم إنشاؤهما في وقت سابق لتبريد الغاز وتهيئته للتصدير، لكنها توقفت عن العمل بسبب زيادة استهلاك السوق المصرية منه.
ويشير الكاتبان إلى أن شركة النفط الهولندية و”إيني”، اللتين تملكان مصالح في الميناءين، تعملان لإعادة العمل بشكل كامل هذا العام، وتأملان من استخدامهما لتصدير الغاز من الدول الجارة، التي لا تملك هذه البنية.
وترى الصحيفة أن انتعاش الغاز قد يساعد مصر على المستوى الجيوسياسي، ويسمح للسيسي بتقوية العلاقات مع إسرائيل والأردن، وتصبح بلاده شريكا لا يمكن الاستغناء عنه في أوروبا، ففي لقاء يناير عبرت مصر عن طموحاتها، واتفق ممثلو ست دول في منطقة البحر المتوسط مع السلطة الوطنية الفلسطينية لإنشاء منظمة غاز إقليمية للتنسيق فيما بينها، ووضع التنظيمات على أنابيب الغاز والتجارة، وضم اللقاء وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستنتيز، الذي كان أول مسؤول إسرائيلي يزور مصر منذ الربيع العربي عام 2011.
ويلفت التقرير إلى أن مصر وإسرائيل تتعاونان، وإن سرا، لمكافحة فرع تنظيم الدولة في سيناء، وتقومان بتقوية الشراكة من خلال الطاقة، ووقعت شركة النفط الإسرائيلية “ديليك دريلنغ” وشركة “نوبل إنريجي” في هيوستن في العام الماضي اتفاقا لضخ 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى موانئ الغاز المصرية، مشيرا إلى أن هناك خططا لإعادة فتح خطوط الغاز التي تمر عبر سيناء التي أغلقت عام 2012.
ويورد الكاتبان نقلا عن ستنتيز، قوله إن “حقيقة تصدير الغاز الإسرائيلي تعني أنهم يتحدثون مع بعضهم.. هذا يزيد من فرص السلام”.
وتذكر الصحيفة أن مصر وقعت في يناير عقدا مع الأردن لتقديم نصف الغاز الذي يحتاجه عبر خطوط النفط، لافتة إلى أن حكومة السيسي تتفاوض مع لبنان لاستئناف تصدير الغاز عبر خط أنابيب آخر.
ويستدرك التقرير بأنه “إذا كان الغاز وسيلة للسلام بين الدول، إلا أنه قد يفاقم التوتر بينها، كما هو الحال بين تركيا وقبرص، اللتين تتشاجران ولسنين على حق التنقيب في المياه الإقليمية المتنازع عليها، وتعرض خط أنابيب الغاز العابرة لسيناء لهجمات متعددة قبل وقفها عام 2012، ولن يكون له أهمية لو قامت إسرائيل ببناء خط أنابيب في البحر يمتد إلى أوروبا”.
ويقول الكاتبان إنه يمكن أن يسهم الغاز وموارده المالية في تحقيق استقرار البلاد، ودفع الديون، وتنظيف الهواء من التلوث، مشيرين إلى أن الحكومة تدفع لسائقي السيارات لتحويل وقود السيارات من السولار والبنزين إلى الغاز، حيث لا يتجاوز عدد السيارات العاملة على الغاز 250 ألف سيارة من بين 10 ملايين عربة في مصر.
وتؤكد الصحيفة أنه لا يوجد في الشوارع ما يشير إلى وصول موارد الغاز، ففشلت الحكومة في تخفيض نسبة البطالة، أو تحسين مستوى الخدمات العامة، مشيرة إلى أنه حتى من يريد تحويل وقود سيارته من البنزين للغاز يكتشف أنه لا يوجد فرق، خاصة أن ما يوفره من الوقود سينفقه في أمور أخرى؛ نظرا لزيادة كلفة المعيشة.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن لدى مصر سجلا فقيرا في إدارة مصادرها الطبيعية، ففي بداية القرن الحالي قامت حكومة حسني مبارك بتبذير عوائد الغاز الطبيعي الأولى على الدعم للوقود، وتقديم العقود للمحسوبين على الحكومة.