اعتبر مقال بصحيفة “الجارديان” البريطانية، أن محاولات المحيطين بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، في إخفاء الأخبار حول صحته المتدهورة، قد باءت بالفشل، وأن النظام الجزائري الحاكم، على شفا الانهيار.
ووصف كاتب المقال، الصحفي الجزائري كامل داوود، نظام بلاده بـ “المتغطرس”، ورئيسه بـ “الرجل الخفي”، لغيابه عن المشهد بسبب مرضه، وبقائه صامتا رغم كل ما يحدث.
وعلى الرغم من تدهور صحة بوتفليقة، وعجزه عن أداء مهام عمله، فإن ذلك لم يمنع رجاله وشقيقه ورئيس أركان الجيش وزمرة رجال الأعمال الموالين له والوزراء المنحدرين من منطقته، من أن يتطلعوا لعهدة خامسة يصفها داوود بالسريالية.
وقال الصحفي الجزائري، إن هناك الكثير من الأسباب، وراء ما يطلق عليه “غطرسة النظام”، أولها النفط والغاز والعوائد التي يدرها. وحتى لو انخفضت أسعارهما -يضيف داوود- فإن الإعانات الاجتماعية التي يقدمها النظام سوف لن تتأثر.
ويجادل أنصار الرئيس أن الجزائريين الذين يتلقون تلك الإعانات وينعمون بالسكن والحماية سيصوتون لصالح بوتفليقة حتى في غيابه.
وثاني الأسباب -برأي كاتب المقال- أن النظام لا يزال يتحكم في قطاعات كبيرة من الحياة العامة في الجزائر كالشرطة والنقابات ووسائل الإعلام.
والسبب الثالث يتمثل في قبضة النظام على الجيش، “وهذا ما يجعل كبار المفسدين في الجزائر يظنون أن بوتفليقة سيعيش إلى الأبد”. وفي هذا الصدد، أشار الكاتب في مقاله بـ”الجارديان” إلى أن بوتفليقة ظل منذ توليه السلطة ينتهج نوعا من “الابتزاز الخفي” مع كبار الضباط الحاليين من خلال ملفات الحرب الأهلية الدموية في الجزائر وما تحتويه من معلومات عن الأشخاص المختفين الذين تعرضوا للتعذيب.
أما آخر تلك الأسباب فتتمثل في الآثار الناجمة عن عقد من الحرب (1990-2000) من مذابح وقمع واعتداءات خلفت وراءها ندوبا غائرة لدى الجزائريين.
وقد أعادت ثورات الربيع العربي إلى الجزائريين ذكريات الفوضى التي عاشوها إبان الحرب الأهلية، مما دفع رفاق بوتفليقة إلى تحذير المحتجين الجزائريين من أنهم يمضون بالبلاد نحو “سوريا أو ليبيا أخرى”، على حد تعبير كامل داوود.
غير أن الكاتب يؤكد أن المحتجين الجزائريين لن ينسوا هذا النوع من الابتزاز ورفضوه عبر العشرات من الشعارات التي يرفعونها في مظاهراتهم.
ويراهن النظام على أن معظم الذين نزلوا إلى الشوارع سيستسلمون للخوف والإرهاق. فإذا لم يجد هذا الرهان نفعا، فإن الزمرة الحاكمة حجة أخرى وهي غياب البديل للنظام الراهن.
غير أن المتظاهرين في الشوارع متقدون حماسة لم تشهد الجزائر مثلها من قبل، وهي أشبه ما تكون بكبرياء أُعيد اكتشافه وصوت أخذ العالم على حين غرة، حسب وصف المقال.
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن كل ذلك لا يعدو أن يكون شعارات وتعبيرا عن حالة غضب “بلا ملامح ويفتقر للبدائل”. وليس هناك وسطاء يفصلون بين الطرفين.
والحالة هذه، فإن المعارضة قد تركن في نهاية المطاف إلى القبول بتنحي بوتفليقة لكن دون انهيار المنظومة برمتها. فالنظام -وفقا للكاتب- لا يزال موجودا وليس ذلك بسبب قوته بل لأن المعارضة لم يقو عودها بعد.
وتساءل داوود هل من الممكن أن ينهار النظام؟ ويجيب “نعم وسريعا جدا”، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب ظهور وسطاء أو محكمين يضمنون لسدنته وعائلاتهم وأموالهم خروجا آمنا.
واعتبر الكاتب أن اعتلال صحة بوتفليقة سبب آخر سيعجِّل بسقوط نظامه. ورغم محاولات النظام إخفاء تلك الحقيقة فإن تفاصيل حالة الرئيس الصحية منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك وغيره.
ويمضي إلى القول إن الجيل الحالي لم يشهد حرب الاستقلال ولا الحرب الأهلية الجزائرية، لكنه ينعم بحرية توفرها له وسائل الإعلام الاجتماعي. واليوم، فإن هذه الحرية انطلقت من شاشات الحاسوب إلى شوارع الجزائر، وباتت شبكة الإنترنت المانحة لحرية التعبير في البلاد لكن النظام لم يدرك ذلك إلا مؤخرا جدا فحاول إبطاء سرعتها في الأيام الأولى من الاحتجاجات دون جدوى.
واكتشف الجزائريون -المرتبطون ببعضهم عبر تلك الوسائل- أنهم لا يمتلكون حسابات على فيسبوك فحسب بل وطنا أيضا.
ويختم كامل داوود بالقول إن مستقبل الجزائر سيتحدد هذا الأسبوع، إذ لم يعد الوضع الراهن مقبولا لدى طرفي الصراع، النظام والمحتجون على حد سواء.
ويعاني الرئيس بوتفليقة من أزمة صحية، ولم يظهر علنا إلا نادرًا منذ الإعلان عن إصابته بسكتة دماغية في 2013.
وكان بوتفليقة قد وجّه أول تحذير للمتظاهرين يوم الخميس الماضي، من أن هذه التظاهرات قد تزعزع استقرار البلاد.
وتدخل المظاهرات التي يشارك بها عشرات الآلاف في الجزائر أسبوعها الثالث، تنديدًا بترشح بوتفليقة في الانتخابات المقررة في 18 أبريل المقبل.
مظاهرة مهيبة بالعاصمة الجزائرية رفضًا للعهدة الخامسة
Publiée par شبكة رصد sur Vendredi 8 mars 2019