حذر مقال لكاتب مصري في «واشنطن بوست» مما أسماه انقلاب عبد الفتاح السيسي الدستوري.
وكتب عز الدين شكري فشير في صحيفة «واشنطن بوست» محذرا من أن تعديل السيسي للدستور يهدد استقرار مصر.. حيث قال إن البرلمان المصري اقترح «التعديلات الدستورية» وناقشها ووافق عليها في أقل من أسبوعين، وهي التي تسمح للسيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2034، وجعله رئيسا للقضاء، وجعل مصر تحت «حماية» الجيش.
ويشير فشير في مقاله، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن «هذه التعديلات ستكون محلا للاستفتاء بعد 30 يوما من المناقشات العامة، في بلد قد تودي بك تغريدة للسجن مدة خمسة أعوام».
ويناقش الكاتب أن «المادة 226 من الدستور، التي تحدد عملية التعديل تحظر وبشكل واضح تعديل المدة المحددة للرئيس بولايتين أو الاحترازات المتعلقة بالحرية، إلا في حالة (قدم التعديل ضمانات) لهذه الحريات، وبعبارة أخرى فإن التعديلات التي يقترحها السيسي غير دستورية، ويقوم بدفعها من خلال (انقلاب دستوري)».
ويقول فشير إن «الكثيرين عندما يقرأون هذا الكلام لن يأبهوا به؛ لأنه ليس جديدا أو مهما، وسيقولون (ألا تعيش مصر في ظل ديكتاتورية عسكرية؟) و(هل يتعامل أي شخص مع الانتخابات الرئاسية بجدية حيث يتم اعتقال المرشحين الرئاسيين كلهم، أو يجبرون على الانسحاب؟)، و(هل يهتم أحد بدستور صيغ في ظل الجيش وإهمال الدولة المنظم؟)، و(هل هناك من يدعم، أو يتسامح حقيقة مع حكم السيسي العسكري على أمل أنه سيحول مصر إلى ديمقراطية؟)».
ويلفت الكاتب إلى أن «الجواب لهذه الأسئلة كلها هو (لا)، والسبب الذي يجعل أي شخص يتحمل حكام مصر الديكتاتوريين هو أنهم يوفرون الاستقرار لبلدهم وجيرانهم، وفعل المصريون هذا عندما اختاروا عام 2013 الأمن والاستقرار على وعد الديمقراطية المخادع، وتنفس بقية العالم الصعداء، ونظر الجميع للمعيار غير المريح: مقابل الاستقرار دعونا نحرف النظر عن الديكتاتورية، وكل ما يمكن للشخص عمله هو إصدار تصريح حول انتهاكات حقوق الإنسان وطرحها في اللقاءات أو المؤتمرات الصحافية، ومن ثم مواصلة العمل كما هو معتاد، فتم التخلي عن فكرة الديمقراطية بعد 11/ 9، وهي أنها قرينة للاستقرار، وما يهم اليوم هو الاستقرار».
ويجد فيشر أن «المشكلة في هذا الانقلاب الدستوري أنه يربط الأمرين معا من جديد، فمن خلال تمديد مدة حكم الرئيس، ومحو ما تبقى من استقلال قضائي، ومنح الجيش سلطة الرقابة على الدستور، فإن هذا يحول مصر إلى ديكتاتورية عارية، ودون أي مظهر من مظاهر الديمقراطية، وهذا يصدم المصريين وتوقعاتهم وتصورهم عن أنفسهم».
ويقول الكاتب إن «المصريين تعبوا من الاستفتاءات التي أجراها حسني مبارك، وعندما استسلم أخيرا للضغوط ووافق على عقد انتخابات تنافسية عام 2005، رأى المصريون أن هذه الخطوة متأخرة جدا، وحتى لو قبل المصريون بسيطرة السيسي على الحكم، فإنهم نظروا إليه على أنه خطوة مؤقتة، وربما ضرورية، لإخراج مصر من الفوضى، ومرحلة انتقالية نحو عقد دولة فاعلة، لا عودة للحكم الديكتاتوري على نمط الستينيات من القرن الماضي، وما تقوله هذه التعديلات للمصريين هو أنهم سيظلون تحت الحكم العسكري وللأبد، وهذا أبعد مما تستطيع غالبية المصريين تحمله أو استيعابه».
ويرى فيشر أنه «في الوقت الذي تعتمد فيه الأنظمة الديكتاتورية، كما هو الحال في مصر، على الإكراه، إلا أنها تحتاج للشرعية، وكلما قلت شرعية النظام ازدادت حاجته إلى العنف والإكراه، وكلما زادت القطاعات التي ينفرها انحدر المجتمع إلى حلقة مفرغة، وقد نفرت الإصلاحات الاقتصادية الطبقة المتوسطة، فيما يعاني الإسلاميون من ضغط الاعتقالات والمنفى، وتعيش سيناء حصار تحد إرهابي مصمم، ويعيش الملايين من الشباب في حالة من الغضب بعدما سحقت أحلامهم بعد عام 2011 بديمقراطية وحياة أفضل، ولهذا فإن السيسي يقف فوق برميل من البارود».
ويفيد الكاتب بأن «إحدى مشكلات الأنظمة الديكتاتورية هي غموضها وافتقادها للشفافية، وسيطرتها على الإعلام، وغياب ما يشبه النقاش العام، وممارسة القمع الوحشي ضد المعارضة، بالإضافة إلى أنه يصعب فيها مقياس مواقف الرأي العام، ورغم جهود أجهزة الاستخبارات، إلا أن الحكام لا يحصلون على الصورة الشاملة عن توجه الرأي العام، ومع مرور الوقت يتم حتى تكميم إشارات التحذير الأولية عندما تتناقض مع رأي الحاكم، وفي النهاية لا يستطيع الحاكم الشمولي التعرف على حدود سلطته بسبب القمع، وبهذه الطريقة يجتاز نقطة التحول دون أن يعرف هذا الأمر، وهكذا قام أنور السادات بسجن المعارضين له كلهم عام 1981، وقبل شهر من اغتياله، وهكذا زور حسني مبارك وابنه الطامح بوراثته الانتخابات التي فازا فيها بالمقاعد كلها قبل أشهر من ثورة ميدان التحرير عام 2011، وهكذا أعلن محمد مرسي نفسه فوق القانون في (الصلاحيات الدستورية) قبل سبعة أشهر من التفاف المعارضة عليه والإطاحة به».
ويقول فيشر إن «المفارقة هي أن الجميع يشعر بالمفاجأة عندما ينهار النظام، وفي العالم المثالي كان على السيسي التعلم من أخطاء الرجال الذين أطاح بهم، وفي العالم المثالي كان على الجيش أن يمنع السيسي من التحول لنسخة جديدة عن مبارك الذي أطاح به، وفي العالم المثالي كان على شركاء مصر ممن يدفعون مليارات الدولارات من أجل استقراره، أو يستفيدون مليارات الدولارات منه، القيام بمنع السيسي من الوقوع في الوادي السحيق، وتشجيعه على القيام بإصلاحات حقيقية تخفف من حدة الغضب والمعارضة».
ويختم الكاتب مقاله بالقول: «لأننا لا نعيش في عالم مثالي فلن يحدث شيء مما ذكر أعلاه، وما سيحدث هو استمرار مصر في تدهورها بقيادة يسكنها الخوف والطموح، واستخدام الإكراه لتعزيز الانقسام السياسي، وستواصل الأمة المعاناة من الوضع الاقتصادي وفساد المؤسسات، فيما تواصل تناحرها وجماهيرها تغلي حتى يحدث شيء خطأ يفجر برميل البارود، وعندما يحصل هذا فلا تندهش».