نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمدير مكتبها في القاهرة ديكلان وولش، يقول فيه إن البرلمان المصري صادق يوم الخميس على إجراءات يمكن أن تسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يمدد حكمه حتى عام 2034، ما يعزز من حكمه الاستبدادي وتشريع سيطرة المؤسسة العسكرية على البلاد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن التصويت في البرلمان، الذي تدير مخابرات السيسي كيفية عمله بصمت، يبدا عملية سريعة لتعديل الدستور، التي قد تتوج باستفتاء خلال ثلاثة أشهر، فيما ينظر إلى نجاح الاستفتاء على أنه مضمون.
ويقول وولش إن هذه التغييرات أكدت رسميا ما أصبح واضحا للكثير من المصريين لسنوات، حيث تحولت نشوة الإطاحة بحسني مبارك عام 2011 لكابوس صيغة أشد من حكم الفرد الواحد تحت قيادة زعيم يسعى للحكم لعقود وربما مدى الحياة.
وتجد الصحيفة أن احتضان واشنطن المطلق للسيسي، الذي وصفه الرئيس ترامب “بالرجل الرائع”، شجع الزعيم المصري ليتصرف دون خوف من معارضة أمريكا، مشيرة إلى أن محمد البرادعي غرد الأسبوع الماضي قائلا: “مشروع تعديل الدستور المصري يتكشف وبسرعة قصوى.. ربيع عربي معاكس”.
ويستدرك التقرير بأن كل ما يستطيع أن يفعله مصريون آخرون هو التذمر، فمثلا يقول دانيال، وهو صاحب دكان في القاهرة، ورفض ذكر اسمه الكامل خشية الانتقام: “لا يهمني في الواقع.. فالسيسي باق في السلطة على أي حال، بتعديلات وبغير تعديلات”.
ويفيد الكاتب بأن التغييرات المقترحة ستسمح للسيسي، الذي يفترض أن تنتهي فترة رئاسته الثانية في 2022، بالترشح لفترتين إضافيتين كل منهما لست سنوات، وهو ما سيهدم ضمانات دستورية تم إدخالها في الدستور عام 2014، بعد سنة من صعود السيسي إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري، بالإضافة إلى أنه ستكون للسيسي سلطة تعيين القضاة والمدعي العام، في الوقت الذي ستسحب من كبار القضاة إمكانية مراجعة مسودات القوانين، فيما سيتحكم الجيش، الذي ستعلنه التعديلات “وصيا وحاميا” للدستور، في تعيين وزير الدفاع.
وتذكر الصحيفة أن 484 عضو برلمان من 596 وافقوا على التعديلات، وهو ما سيبدأ عملية حوار يتوقع أن تقود إلى تصويت ثان خلال شهرين من الآن، مشيرة إلى أنه إذا تم تمريره فإنه سيتم إجراء استفتاء خلال شهر، ربما قبل بداية شهر رمضان في آيار/ مايو.
ويلفت التقرير إلى أن 10 منظمات حقوقية مصرية حذرت في رسالة من أن التعديلات ستسمح للسيسي بأن “يحتفظ بالسلطة مدى الحياة، ويمارس حكما فرديا غير مسبوق”.
وينوه وولش إلى أن السيسي أعلن قبل فترة قصيرة بأنه لن يسعى لتمديد رئاسته، وقال لتلفزيون “سي أن بي سي” في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: “لن نتدخل”، في إشارة إلى الدستور، وأضاف أنه ينوي “الإبقاء على دورتين مدة الواحدة أربع سنوات”.
وتستدرك الصحيفة بأنه خلال أشهر من انتخابات رئاسية معيبة في آذار/ مارس، التي فاز السيسي فيها بـ97% من الأصوات، فإن مؤيديه بدأوا بتقديم فكرة تعديل الدستور، ويقول المؤيدون بأن السيسي يحتاج لتمديد حكمه لتطبيق إصلاحاته الاقتصادية، وجلب الاستقرار إلى مصر بعد الفوضى التي جاء بها الربيع العربي عام 2011، وعادة ما يشير السيسي في خطاباته إلى الفوضى في ليبيا وسوريا واليمن، كونها أمثلة على ما يمكن أن يؤول إليه حال مصر.
ويبين التقرير أن كثيرا من المصريين يخشون من أن يحصل هذا الأمر، فيقول دانيال، صاحب الدكان، الذي يؤيد السيسي: “صحيح لقد ارتفعت أسعار الأشياء.. لكن على الأقل أستطيع أن أغادر بيتي وأذهب للعمل”.
ويقول الكاتب إن الاستقرار كان ثمنه كبيرا من ناحية الحريات المدنية وحقوق الإنسان، فهناك عشرات الآلاف من المعارضين يرزحون في السجون، ومئات مواقع الإنترنت المحظورة، فيما هناك سيطرة قوية على المحاكم، لافتا إلى أن الإعلام يقع بكامله تقريبا تحت سيطرة الحكومة، والتعذيب سائد في السجون المصرية، بحسب المجموعات الحقوقية.
وتجد الصحيفة أنه بالرغم من هذه الانتهاكات، إلا أن الرئيس السيسي يتقوى بالدعم القوي من الزعماء العرب والغربيين، الذين يرونه حصنا ضد التطرف الإسلامي، في الوقت الذي تحارب فيه قواته تمردا في سيناء، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أشاد كثيرا بالرئيس المصري خلال زيارته للقاهرة في كانون الثاني/ يناير.
ويشير التقرير إلى أن ترامب وقف في 2017 مع السيسي والملك السعودي حول كرة متوهجة في صورة أصبحت مثارا للسخرية، لكنها أبرزت ما تفضله أمريكا في العالم العربي، لافتا إلى أن الرئيس الفرنسي قام مؤخرا بزيارة القاهرة لتوقيع صفقات أسلحة، كآخر دولة أوروبية تستغل شهية مصر لشراء أسلحة بمليارات الدولارات، وفي الوقت الذي صوت فيه المشرعون يوم الخميس كان السيسي في ميونيخ لحضور منتدى أمني.
ويكشف وولش عن أن المخابرات العامة تقوم في الأشهر الأخيرة بعقد اجتماعات يومية لتنسيق خطط التمديد للسيسي، بحسب موقع مدى مصر، وهو أحد مصادر الأخبار القليلة المستقلة في مصر، مشيرا إلى أن تلك الاجتماعات يقودها ابن الرئيس، محمود السيسي، وهو ضابط كبير في المخابرات العامة، بحسب المصدر الإخباري.
وتنقل الصحيفة عن رئيس البرلمان علي عبد العال، قوله يوم الأربعاء بأنه سيتم نقاش “الآراء والتوجهات كلها” بشأن التعديلات، لكن الدبلوماسيين الغربيين في القاهرة يقولون إن الحكومة تبدو مصرة على تمرير التعديلات بالسرعة والهدوء الممكنين.
ويلفت التقرير إلى أن تغطية الإعلام للتعديلات الدستورية عابرة، فيما توقف البث الحي لجلسات البرلمان منذ عام 2017، مشيرا إلى قول الدبلوماسيين إنه تم تحذير نواب المعارضة بأن يخففوا من انتقادهم العلني للتعديلات.
ويقول الكاتب إن من يتجاهل تلك التحذيرات فإنه يضع نفسه موضع مساءلة، خاصة أن ثلاثة من منافسي السيسي في انتخابات العام الماضي لا يزالون في السجن، وحكمت المحكمة الأسبوع الماضي بالسجن على 26 عضوا في حملة شعبية عارضت إعادة انتخاب السيسي.
وتنقل الصحيفة عن هيثم الحريري، وهو أحد المشرعين القليلين الذين يعارضون علنا تلك التعديلات، قوله أمام البرلمان يوم الأربعاء: “إنكم (بهذه التعديلات) تنتهكون جوهر الدستور وتنتهكون كرامة المصريين”، وأضاف: “معظم الناس يحترمون القوات المسلحة ويحبونها.. لكنني أرفض أن يدخلوا المجال السياسي”.
ويورد التقرير نقلا عن المحللين قولهم إن رغبة السيسي في إجراء التعديلات الآن تتعلق باقتصاد مصر المترنح، فالتعديلات الاقتصادية الجذرية التي أدخلها السيسي أكسبته مدحا و12 مليار دولار دينا من صندوق النقد الدولي، لكنها تسببت باستياء صامت بين المصريين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار، وتخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء.
وينقل وولش عن أندرو ميلر من المشروع المتعلق بالديمقراطية في الشرق الأوسط، وهو منظمة غير حزبية في واشنطن، قوله إن هذا التسرع قد يكون متأثرا بتقلبات السياسة الأمريكية، مشيرا إلى أنه مع التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص التي تفرض ثقلها على إدارة ترامب، فإن اللحظة مناسبة للقيام بهذا التحرك المثير للخلاف بدعم كامل وغير مقيد من ترامب.
وتبين الصحيفة أنه مع أن التعديلات صادق عليها البرلمان يوم الخميس، إلا أن هذه مصادقة أولية وقد تتغير قبل التصويت النهائي، مستدركة بأن منظمات حقوق الإنسان تحذر من أن التعديلات بشكلها الحالي ستؤثر بشكل خطير على الاستقلال القضائي في مصر.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول مايكل بيج من “هيومان رايتس ووتش”: “يشجع حكومة السيسي استمرار صمت حلفائها.. وإن كانت أمريكا وبريطانيا وفرنسا تريد تجنب نتائج مزعزعة للاستقرار وتعزيز الحكم الاستبدادي في مصر، فإنه يجب عليها التصرف الآن”.