يقول صديقي (حسين أوجور) : لا تصدق كل ما تسمعه هنا ! صدقني ليس الأمر كذلك
(١)
صارت له كذلك عادة ، يقف بعيدا ، صامتا ، ربما يستمع إلى شيء عبر سماعات الأذن أو يتشاغل بقراءة شيء ما
لكنه في كل الأحوال يبقي بعيدا
ينتظر حتى يصعد الجميع إلى الأتوبيس ثم يصعد هو
يخرج بطاقته المميزة ويراقب تلك النظرة في عيني السائق
يبحث بنظره عن مقعد فارغ ثم يجلس هناك .. وحيدا
تماما كما اعتاد طيلة سنوات عمره
لازالت تلك الكوابيس تداهمه كل ليلة ، صوت الصراخ وإطلاق الرصاص
لازال يسمع أنفاس أمه المذعورة وهي تجري ، يتذكر بكاءه يومها ثم استيقاظه ليجد أمه ملقاة تحت شجرة في اعياء رهيب. جعل يصرخ حتي أيقظها فقامت تترنح في اعياء
ثم يسقطان في تلك الهاوية
هاهنا يستيقظ من كابوسه الرهيب اليومي ، يقوم فيتجرع نصف زجاجة الماء التي أعدها لذلك قبل النوم ثم يجلس علي كرسي في حجرته المظلمة وقد غمره العرق
(٢)
لم تنل حق اللجوء بعد
مادة (١٦أ) حق اللجوء
(١) يتمتع الملاحقون سياسيا بحق اللجوء
يبتسم (سو) في سخرية تطفح بالمرارة وهو يتطلع إلي اللوحة التي تملأ شوارع مدن الشمال
في اللوحة تقف فتاة شقراء ألمانية فاتنة تمسك بلوحة كتب عليها النص الدستوري المنظم لحق اللجوء
يطيل النظر إلي لوحة أخري علي باب (مصلحة الأجانب) وقد كتب عليها بقية النصوص الأخري المنظمة لحق اللجوء ، بجوار النصوص يبتسم طفل افريقي وهو يرفع يده ببطاقة الهوية الالكترونية الجديدة
يتفرس (سو) في وجه الطفل الأفريقي جيدا ، يبحث عن السعادة في ابتسامته
كان يجلس في كرسيه ساكنا تتحرك عيناه في اتجاه أهدافها دون أن تتحرك أعضاء جسده
بدا كتمثال أبنوس أفريقي بوجهه الأسمر اللامع ، أنفه المفلطح وشفاهه الغليظة ووجهه المدبب وجبهته العريضة المائلة للخلف
حين يقف فإنه يصبح عملاقا رياضيا يذكرك بأساطير الزولو والقبائل الأفريقية عن ذلك المخلص الذي تنتظره القبيلة
يغرق (سو) في ذكرياته ، يسبح إلي حيث البداية
يتذكر نصائح أمه الصباحية اليومية
"يجب أن تبقي هادئا ، إذا شتمك أحد الأطفال فلاترد عليه ، تذهب من هذا الطريق وترجع بسرعة ولاتتلكع ، لاتتسكع في وسط المدينة ، لاتنظر في تلك الفاترينات ، ثم تضيف دائما في لهجة حاسمة : وإياك أن تغضب أحدا من معلميك يا (سو)”
يسير وحيدا في طريقه نحو المدرسة فهو لايركب (الباص) مع أقرانه ، يجلس في الفصل كذلك وحيدا
من ذا الذي قد يصادق طفلا أسود ؟
يذكر في يومه الأول حين قدمته المعلمة إلي الفصل وطلبت منهم تحيته ، قرأ في عيونهم الفتور والاندهاش من لونه المختلف رغم طرقهم بقبضاتهم الصغيرة علي سطوح مناضدهم تحية له
في اليوم الأول جلس بجوار أحدهم الذي أبدى تأففا واضحا من رائحته ، أخبر أمه بذلك فجعلت تحك جلده وهي تحممه ، في اليوم الثاني اشتكي طفل آخر من رائحته كذلك واستمرت أمه في حك جلده ، بعدها بأسبوع طلب من أمه أن تكف عن حك جلده فقد أجلسته المعلمة في المقعد الأخير .. وحيدا
يومها ضمته أمه إليها وهي تقول : أنت جميل يابني ، أنت حقا جميل
لم يفهم يومها دموع أمه ولم يفهم لماذا تقول أنه جميل ، بعدها بأيام أدرك أنه مختلف حقا ، إنه أسود البشرة بملامح مختلفة
هو كذلك لاجئ !!
*******
"لاتصدقهم ياأخي ، إنهم يكذبون ، لقد جئت هنا وعمري سنتين واستحققت الجنسية الألمانية قانونا بعد ٧ سنوات ، لكن الموظفين الألمان بكل بساطة جعلوني أنالها بعد ثمانية عشر عاما !!! ألم أقل لك ياصديقي إنهم يكذبون ، دع عنك ذلك المكتوب"
(حسين أوجور)