شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

العرب والتسلح في 2019.. هل تتراجع أخيرًا وتيرة «الجنون»؟

صفقات تسليح السعودية

احتلت دول عربية، لسنوات، مواقع متقدمة في قوائم الأكثر استيرادًا للسلاح عالميًا، واستحوذ هذا القطاع على جزء كبير من موازنات حكومات المنطقة، صغرت إيراداتها أم كبرت.

وبطبيعة الحال، شكلت الأزمات الإقليمية المتلاحقة دافعًا أساسيًا لزيادة الإنفاق على التسلح، ولكن مع ازدياد أهميته الاقتصادية للدول المنتجة والمصدرة، وهي في الغالب ذات ثقل على الساحة الدولية؛ بات ذلك الإنفاق يشكل أيضًا ورقة تستخدمها الأنظمة لشراء مواقف سياسية أو دبلوماسية.

ورغم غياب بيانات عدد من الدول، فإن إجمالي الإنفاق العسكري للمنطقة للعربية يقدر بنحو ترليون دولار في السنوات الـ10-15 الأخيرة، وهو رقم هائل بكل المعايير، سيما لمنطقة تفتقر إلى الكثير من مقومات التنمية الأساسية.

وتتصدر السعودية بشكل خاص، والخليج بشكل عام، الدول العربية في هذا القطاع، ومن شأن انخفاض أو ارتفاع وتيرة إنفاقها التأثير على المعدل العام للمنطقة بشكل كبير.

وتاليًا نستشرف مستويات الإنفاق العسكري في عدد من الدول العربية خلال العام الجاري 2019، مقارنة بالأعوام الماضية، مع استعراض أبرز الخلفيات السياسية أو الاقتصادية لمختلف التوجهات، وأهم الشركاء الدوليين في التسليح.

تباطؤ نسبي في الخليج

شهد عام 2018 تعمّق أزمة اليمن الإنسانية بشكل غير مسبوق على خلفية حرب طاحنة تشارك فيها السعودية والإمارات منذ عام 2015 إلى جانب الحكومة الشرعية، ضد جماعة الحوثي المتهمة بتلقي دعم إيراني.

ومنذ أكتوبر/تشرين أول الماضي، تفاقمت ضغوط دولية على الرياض بشكل غير مسبوق، كان أبرز تجلياتها إعلان دول غربية حظر تصدير أسلحة للمملكة، وذلك بعد أن دوّت على الساحة الدولية قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة بشعة داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

ورغم ذلك، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاهدًا التنصّل من اتخاذ موقف مشابه، متذرعًا، وبوضوح، بعزم السعودية شراء أسلحة من بلاده بمئات مليارات الدولارات، محذرًا من أنها قد تحول تلك المبالغ إلى منافسين مثل روسيا أو الصين في حال صعّدت واشنطن.

إلا أن الأمور لم تسر كما أراد ترامب وقادة المملكة إلى حد ما، إذ كانت جريمة القنصلية أبشع من أن يتم تجاهلها بتلك السهولة، ليبدأ الكونغرس الأمريكي المطالبة بممارسة ضغوط على الرياض، تشمل صفقات السلاح.

بدورها، ألمحت الرياض بالفعل إلى إمكانية طلب أسلحة من موسكو حال واجهت عقوبات غربية.

وفي 20 نوفمبر/تشرين ثان الماضي قال وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، لصحيفة “الشرق الأوسط” إن بلاده “تفضل أن يكون تسليحها من خلال الدول الحليفة، ويعد هذا جزءًا من منظومة العلاقات الاستراتيجية معها، لكن التزام المملكة بالدفاع عن أرضها وشعبها يلزمها الحصول على السلاح الذي تحتاجه من أي مصدر كان”.

قد يكون من المستبعد أن تذهب السعودية إلى ذلك الحد في المخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، علمًا أن الكونغرس، وعلى النقيض من موقف ترامب “المتراخي”، بوصف معارضيه، حذر الرياض بشدة من الإقدام على الخطوة، وذلك في قرار تبناه مجلس الشيوخ يحمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية في قضية خاشقجي، منتصف ديسمبر/كانون أول الماضي.

وفي المجمل، فإن تلك المواقف الغربية وتكثيف المجتمع الدولي الجهود لإنهاء الحرب في اليمن وسوريا تشكل أسبابًا لتهدئة تسارع التسلح في المنطقة خلال العام الجاري، سيما أن الأمير بن سلمان قد يلجأ أيضًا إلى التركيز على الدبلوماسية الهادئة لترميم صورته على الساحة الدولية، وعلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية لتعزيز نفوذه داخليًا.

كما أن واشنطن، من جانب آخر، أعادت العمل بعقوبات اقتصادية على إيران بعد إلغاء الاتفاق النووي معها في مايو/أيار 2018، وهو ما أرادته حكومات في المنطقة، ما تسبب بوضع طهران في موقف حرج، إذ إنها تناور منذ ذلك الحين بين التصعيد ضد ما تعتبره تهديدات أمريكية، من جهة، والحفاظ على دعم الأوروبيين للاتفاق من جهة أخرى بعدم الذهاب بعيدًا في تجريب صواريخ باليستية.

عامل آخر قد يلعب دورًا في الدفع بهذا الاتجاه يتمثل في توجه السعودية نحو رفع نسبة مساهمة الإنتاج المحلي في التسليح من 2% عام 2017 إلى 50% عام 2030، من خلال “الشركة السعودية للصناعة العسكرية” التي أسستها الرياض حديثًا.

وتنسحب العديد من تلك المعطيات على أبو ظبي، شريكة الرياض في حرب اليمن ومساعي “مواجهة إيران”، كما يتوقع أن يقود البلدان أيضًا قطار التهدئة في عموم المنطقة.

وبالأرقام؛ بلغ المعدل السنوي للإنفاق العسكري السعودي في السنوات العشر الماضية نحو 26% من إجمالي الإنفاق الحكومي، بواقع نحو 70 مليار دولار عام 2017، وهو ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، آنذاك، حسب بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

بدورها خصصت سلطنة عمان لجيشها نحو 26.3% من الإنفاق الحكومي عام 2017، والكويت 11.3% والبحرين 11.8%، بمجموع 16.9 مليار دولار للدول الثلاث، وهو ما يتوقع أن يقارب حجم إنفاق قطر والإمارات، وسط غياب بيانات بشأنهما؛ ليتجاوز مجموع إنفاق دول المنطقة 100 مليار دولار في عام واحد، تشمل التسليح والتدريب والإنفاق على العمليات العسكرية.

وتعد الولايات المتحدة أكبر مصدر للسلاح إلى دول المنطقة (أكثر من 60%)، تليها بريطانيا (23%) وبفارق كبير عن دول غربية أخرى، أبرزها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا (15%).

وحسب موقع شبكة سي إن إن الأمريكية، فقد حصلت واشنطن بالفعل على نحو 14.5 مليار دولار من صفقة مع الرياض تنفق بموجبها الأخيرة 110 مليارات خلال 10 سنوات للحصول على أسلحة أمريكية، توصل إليها الجانبان عام 2017.

وخلال 2019، يتوقع أن يشهد تنفيذ الصفقة تباطؤًا، وكذلك توقيع عقود تسليح جديدة، إلى حين انتهاء عاصفة الغضب من السياسات السعودية والإماراتية على الساحة الدولية.

العراق والنظام السوري نحو زيادة الإنفاق

رغم تردي الأوضاع المعيشية وما شهدته البلاد من احتجاجات شعبية تطالب بتوفير خدمات أساسية؛ بلغ معدل إنفاق بغداد العسكري خلال السنوات الخمس الماضية نحو 7.5 مليار دولار سنويًا، وهو ما يتوقع أن يرتفع في ظل مساعي البلاد إعادة بناء قوات جيشها، الذي أنهكته حرب استمرت 3 سنوات مع تنظيم “داعش” الإرهابي (2014-2017).

وحسب بيانات الكونغرس، فإن واشنطن تعد شريكًا قويًا لبغداد في المجال العسكري، ويقدر أن الأخيرة اشترت أسلحة أمريكية بأكثر من 30 مليار دولار منذ عام 2011.

إلا أن العراق أبدى اهتمامًا بتنويع مصادر التسليح، إذ لم يمنعه تحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من شراء أسلحة من روسيا والصين بمجموع 7 مليارات دولار خلال السنوات الأخيرة، فضلًا عن صفقات مع شركاء آخرين في التحالف الدولي ضد “داعش”، أبرزهم كوريا الجنوبية وتشيكيا.

ويتوقع أن تلجأ واشنطن ولندن إلى استثمار إقبال بغداد على التسليح خلال العام الجاري لتعويض أي تراجع محتمل في الخليج.

وبالمثل، يبدو أن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد توقيع روسيا والنظام السوري اتفاقات تسليح في ضوء سيطرة الحليفين على جل الأراضي السورية العام الماضي، على غرار تسليم موسكو دمشق منظومة إس-300 الدفاعية في أكتوبر/تشرين أول الماضي.

وإن كانت دمشق عاجزة عن دفع مبالغ كبيرة، فإن موسكو قد تعرض الحصول على امتيازات في إعادة الإعمار واستثمار الموارد الطبيعية مقابل أسلحتها وخدماتها العسكرية، كما أن طهران معنية كذلك بالمنافسة سعيًا للحفاظ على موطئ قدم في سوريا، التي استثمرت فيها الكثير خلال السنوات الماضية.

وبطبيعة الحال، تغيب بيانات لإنفاق النظام السوري على السلاح خلال السنوات الأخيرة، باستثناء حديث معهد ستوكهولم عن دفع دمشق عشرات ملايين الدولارات لموسكو وطهران، آخرها 22 مليونًا مقابل أسلحة روسية عام 2017.

مصر تواصل إنفاقها الكبير

لا يبدو أن تراكم الديون الدولية والأزمات الاقتصادية ستثني القاهرة من مواصلة الإنفاق على التسليح خلال الأشهر المقبلة، مع احتفاظ الجيش بقبضة قوية على مفاصل إدارة البلاد، سيما في المجال الاقتصادي.

ومع نهاية عام 2018 بعثت مصر إشارة قوية بهذا الاتجاه بتنظيمها معرضًا دوليًا للمنتجات العسكرية، في ديسمبر/كانون أول، هو الأول من نوعه على أراضيها، بمشاركة أكثر من 373 شركة من 41 دولة.

وبالفعل شهد المعرض توقيع القاهرة 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع دول أبرزها فرنسا، إضافة إلى الصين وإيطاليا وبلغاريا والبرتغال والبوسنة وصربيا، حسب بيان للجيش، دون الإشارة إلى قيمتها.

وفي السنوات العشر الماضية، حافظت البلاد على مستوى يزيد عن 5% سنويًا لصالح الجيش من الإنفاق الحكومي، بمعدل 4.5 مليار دولار سنويًا، حسب بيانات معهد ستوكهولم؛ أكثر من نصفها لواردات السلاح، ما جعلها ثالث أكبر مستورد للسلاح في العالم عام 2017، بعد السعودية والهند.

وتدنى نصيب الولايات المتحدة من واردات مصر في السنوات الأخيرة بشكل كبير، إذ بات لا يتجاوز 20% مقارنة بنحو 76% قبل عام 2011؛ وذلك لحساب فرنسا بالدرجة الأولى، التي استأثرت بنحو نصف “الكعكة” في السنوات الأربعة الأخيرة، تليها روسيا بنحو 25%، وهو مشهد يتوقع أن يستمر في 2019، ما لم يرغب البيت الأبيض بالعودة إلى المنافسة.

سباق متواصل في شمال إفريقيا

تشهد منطقة شمال إفريقيا منذ عقود سباق تسلح بين المغرب والجزائر، يسعره خلافٌ حاد على مصير إقليم الصحراء، وملفات إقليمية واعتبارات محلية، وذلك بوتيرة ترتفع أحيانًا وتتراجع أخرى.

وبعد مصر المحسوبة على منطقة الشرق الأوسط لدى معهد ستوكهولم؛ تحافظ الجزائر على الصدارة في الإنفاق العسكري إفريقيًا عند حدود 10 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2012؛ 10% منها لصالح استيراد السلاح.

ويأتي المغرب ثانيًا على مستوى القارة السمراء بمعدل إنفاق يتجاوز 3.5 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2012.

وفي حين تعد روسيا الشريك الأهم للجزائر بنحو 65% من واردات السلاح، تحظى الولايات المتحدة بنسبة مشابهة في حالة المغرب، وهو ما يعكس عمق اختلاف توجهات البلدين على الساحة الدولية.

ورغم صدور رسائل لردم الهوة بين البلدين في النصف الثاني من العام الماضي، سيما من الجانب المغربي، إلا أن وتيرة العسكرة في البلدين لا يتوقع أن تتراجع، بل قد تشهد تزايدًا في 2019، مع رغبة أكيدة لدى الرباط التفاوض مع “البوليساريو” حول الصحراء من منطلق قوة، ومخاوف الجزائر الأمنية في المناطق المحاذية لكل من مالي والنيجر وليبيا.

ومما يستحق الرصد في المنطقة خلال الأشهر القليلة المقبلة، مصير ضغوط الولايات المتحدة على الجزائر للمشاركة في عمليات عسكرية لمحاربة “الإرهاب” في الجوار، وهو ما ترفضه الجزائر متذرعة بمنع دستورها إجراء عمليات عسكرية خارج الحدود، ليذهب مراقبون إلى التحذير من مساعي واشنطن توريط جيش البلاد واستنزاف قوته.

ويتوقع في 2019 كذلك أن تواصل تونس اهتمامها المتصاعد بالجيش، في محاولة لتعزيز قدرات مجابهة الإرهاب، وذلك بعد أحداث جبل الشعانبي غربي البلاد (بدأت عام 2012) وهجمات متحف باردو وسوسة ضد سياح أجانب عام 2015، وغيرها.

ومنذ عام 2014 بدأت تونس زيادة مخصصات الدفاع من الإنفاق الحكومي، وبلغت ذروتها عام 2016، عندما قدرت بنحو 8.2%، وهي الأكبر للبلاد على الإطلاق.

وفي السنوات الخمس الأخيرة، تجاوز معدل الإنفاق العسكري 7% من الإنفاق الحكومي، بواقع نحو 900 مليون دولار سنويًا؛ 46 مليونًا منها (متوسط) لصالح صفقات تسليح دولية، حظيت الولايات المتحدة منها بنحو 80-85%.

من جانب آخر، قد تؤثر ضغوط اقتصادية على الإنفاق العسكري لتونس في 2019، إلا أن البلاد معنية بتعزيز قدراتها الأمنية لإعادة الثقة في قطاع السياحة، الذي يشكل العمود الفقري لاقتصادها.

وبالجملة، يُتوقع أن يشهد عام 2019 تراجع وتيرة الإنفاق العسكري والتسلح بشكل نسبي في المنطقة العربية، جراء هدوء متوقع في أكثر دولها إنفاقًا- السعودية-، رغم استمرار مستوياته المرتفعة في دول أخرى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023