نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية مقال رأي لستيفن كوك بين من خلاله أن عبد الفتاح السيسي أسوأ بكثير من مبارك، فقد شهدت مصر سابقا قمعا فظيعا خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات ومبارك، لكن القسوة التي تعيشها اليوم لم يسبق لها مثيل.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته «عربي21»، إنه لا بد من التساؤل عما إذا كان السيسي يتعرض لضغط استثنائي في ترؤسه لبلد غير قابل للحكم، وعلى الرغم من أنه لا شك في أن السيسي تمكن من فرض بعض السيطرة السياسية منذ وصوله إلى السلطة، إلا أنه لا يمكن الجزم بأنه يحكم فعليا، وبدلا من معالجة القضايا التي اهتمت بها المقرر الخاص للأمم المتحدة مؤخرا حول الحق في السكن، قامت الحكومة بمهاجمتها هي والأشخاص الذين أجرت معهم مقابلات في سياق بحثها.
وذكر الكاتب أن السيسي يعيش أزمة شرعية، حيث يبدو غير قادر على توظيف السلطة التي بين يديه، لكن مؤيديه يسعون الآن لحل هذه الأزمة من خلال منحه المزيد من السلطة عبر تعديل دستور 2014، إما لتمديد فترة ولاية الرئيس أو ربما لإلغاء الشروط الرئاسية بالكامل، وقد تعهد المسؤولون سابقا بتجنب هذه التغييرات، لكن توجد بعض البوادر التي تنبئ بأن السيسي سيبقى في الحكم بما يتجاوز ما ينص عليه الدستور. ولكن حتى في ظل كل الأحداث التي وقعت في الماضي، خلال ما يقارب ثماني سنوات، لم تنحرف مصر عن مسار الحكم الاستبدادي مطلقا.
وأشار الكاتب إلى أن مؤيدي السيسي مصرون على أن تمديد فترة رئاسته أمر ضروري للحفاظ على التغييرات الإيجابية التي أجراها منذ وصوله إلى السلطة في يوليو 2013، على غرار إصلاح الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية، والوضع الدولي المستقر. فهؤلاء الأشخاص على يقين من أن «السلام والازدهار والنمو» سيصبحون حقيقة ما دام السيسي في الحكم.
لكن في الواقع، كشف معارضو السيسي، في مصر وخارجها، أن السبب وراء تغير أوضاع البلاد هو الخوف الذي تنشره الأجهزة الأمنية التي لا تخضع لأي رقابة، في حين أن مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية المغلوطة التي تروج لها الحكومة، تخفي الديون غير المستدامة المتخلدة في ذمة الحكومة.
وأضاف الكاتب أن منتقدي نظام السيسي على حق، فالسياسة المصرية قمعية بطبيعتها، مع غياب أي أثر للمصداقية. لكن في حقيقة الأمر، كلاهما مخطئ إذ لم تتغير مصر بقدر ما يعتقد الكثيرون. ويمكن للمرء أن يجادل بأن الجيش المصري تحت حكم السيسي، أكثر استقلالية وأكثر انخراطا في الحياة الاقتصادية والسياسية. وقد يكون ذلك صحيحا، إذا كان أساس المقارنة هو فترة رئاسة أنور السادات أو حسني مبارك، باستثناء الفترة الممتدة بين سنة 1954 و1967، عندما لعبت القوات المسلحة دورًا كبيرًا في السياسة والاقتصاد.
وأورد الكاتب أن الفرق المهم بين فترة حكم السيسي وما سبقها هو مدى استخدام القوة ضد الشعب. فالسيسي لم يمنح أي رؤية إيجابية ولم يف بوعوده، بل اعتمد بشكل شبه كامل على الاعتقالات وسياسة التخويف والعنف وحتى القتل في محاولة لسلب الشعب إرادته.
وأوضح الكاتب أن جمال عبد الناصر كانت له رؤية واضحة، وكان محبوبا على نطاق واسع، في حين كافح السادات وكان «بطل المعبر» في قضية قناة السويس سنة 1973، بينما لم تكن لمبارك أي رؤية، بل تعلم أسرار الرئاسة مع مرور الوقت. وشهدت مصر بالطبع قمعا فظيعا خلال فترة حكم الناصر والسادات ومبارك، لكنه لم يكن مثل القسوة المستمرة التي ميزت فترة السيسي حتى الآن. ويدافع أنصار الحكومة عن الرئيس، مدعين أن هدفهم هو حماية البلاد من جماعة الإخوان المسلمين والتطرف، لكنهم يستهدفون الجميع في المقابل.
وأفاد الكاتب بأن سياسة الحكومة التي تقمع الطلاب والصحفيين والناشطين والأجانب تؤكد أن مصر السيسي لا تختلف كثيرا عن مصر في بقية الفترات السابقة، بل تتفاوتان في شدة القمع. وفي هذا السياق، صرح أحد المعارضين بأن «السيسي هو مبارك بعد تعاطيه للمنشطات»، وينطبق هذا التشبيه على الفترة التي تسبق الحقبة الحديثة، علما وأن تاريخ مصر قد بدأ في 25 يناير 2011، أي في «يوم الغضب» الذي كان أول أيام الانقلاب ضد رئاسة مبارك.
وأشار الكاتب إلى أن السيسي هو الامتداد المنطقي للنظام الذي كان قائما منذ أن أعلن الضباط الأحرار سنة 1953 عن إلغاء النظام الملكي واستبداله بالنظام الجمهوري. وقد نجح هذا النظام في تجديد نفسه بعد العديد من التحديات الهائلة، إلا أن مصر عادت ثانية إلى الوضع الاستبدادي. فلو كان القادة المصريون يمتلكون نظرية واضحة عن السياسة، لما طالب ناصر بمغادرة الأمم المتحدة من سيناء في مايو 1967، وما خطط السادات لخفض الدعم الدولي في يناير 1977، وما منح مبارك ابنه دورا بارزا في إدارة البلاد.
وفي الختام، نوه الكاتب بأن مصر تتميز بمجموعة من المؤسسات السياسية التي تعزز نفسها وتعكس النظام الاجتماعي السائد. وعلى الرغم من تغير القادة وتذبذب درجة القمع، إلا أن المسار السياسي في مصر بقي على حاله بشكل ملحوظ على مدار 65 عاما.