طالبت صحيفة «نيويورك تايمز»، في مقال للكاتبة كاثرين زيوبف، الدول الغربية الحريصة على حقوق الإنسان، بالعمل على الإفراج عن المعتقلين السياسيين بالسعودية
وقالت الكاتبة في المقال الذي ترجمه موقع «عربي 21»، إن “جريمة مقتل جمال خاشقجي ركزت انتباه العالم على سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وهناك حاجة لتذكر ألاف المعتقلين السعوديين”.
وتشير الكاتبة إلى عملها في جدة عام 2015، حيث قضت عدة أسابيع عمل فيها، وفي الليلة الأخيرة عرض عليها صديقها المستشار في مجال التسويق والناشط في مجال حقوق الإنسان فهد الفهد، القيام بجولة اعتقد أنها قد تساعد على الكشف عن المناخ الجديد، وقاد سيارته باتجاه مسجد الجفالي، حيث يتم في ساحته تنفيذ أحكام الإعدام، وهو المكان الذي جلد فيه الناشط رائف بدوي أمام مئات من الناس.
وتلفت زيوبف إلى أنهما ذهبا بعد ذلك إلى الصحراء باتجاه قرية ذهبان، حيث كانت وزارة الداخلية تبني سجنا ضخما فيها، وقال فهد إن السجن هو لاستيعاب العدد المتزايد من السعوديين الذين يدانون ضمن قوانين مكافحة الإرهاب، وشرح فهد أن هذه القوانين تستخدم في عهد الملك سلمان لسجن الناشطين السلميين، وعلق قائلا: “في كل مرة أسمع فيها صوت جرس الباب أظن أن أحدا جاء لاعتقالي”.
وتذكر الصحيفة أن سجن ذهبان المركزي افتتح بعد أسابيع من زيارة الصحافية له، ونقل بدوي ومحاميه وليد أبو الخير إليه، وبعد أربعة أشهر حصل الاعتقال الذي كان فهد يمقته وسجن في ذهبان، ويقضي فيه خمس سنوات بتهمة “التحريض على العدوان ضد الدولة” من خلال “تويتر”، ويشمل الحكم عليه عشرة أعوام حظرا للسفر، الذي يتبع الإفراج عنه، ومنعا دائما عن الكتابة.
وتنوه الكاتبة إلى أن جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر في قنصلية بلاده سلطت الأضواء على ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان وممارساته القمعية، متحدثة عن موقف الرئيس دونالد ترامب الداعم لولي العهد، ومحاولات الكونغرس منع الدعم الأمريكي لحرب اليمن، واقتناع أعضاء الكونغرس بعد استماعهم لمديرة المخابرات جينا هاسبل، بأن ولي العهد يقف وراء مقتل خاشقجي.
وتجد زيوبف أن “رغم الغضب المستمر بشأن مصير خاشقجي، فإنه لم يتم توجيه سوى قدر ضئيل من الاهتمام لمعاملة ولي العهد للناشطين داخل السعودية ومصيرهم، الذين لا يملكون القدرات المالية للخروج والعيش في المنفى”.
وتفيد الكاتبة بأن هناك 2600 معارض في السجون اليوم، بينهم كتاب وصحافيون ومحامون ونساء ناشطات في مجال حقوق، بحسب منظمة “سجناء الضمير”، وتمت إدانة معظمهم بناء على قوانين مكافحة الإرهاب لأنهم مارسوا نشاطات لاعنفية، مثل “انتقاد الديوان الملكي” أو “التطاول على الشخصيات الدينية”، مشيرة إلى أن قلة من هؤلاء معروفون في العواصم الغربية مثلما كان خاشقجي، إلا أن قصصهم ليست أقل أهمية من حالته.
وتقول زيوبف: “لم تكن السعودية بهذه الصورة، وبالنظر إليها عن بعد فإن الملوك ربما كانوا متشابهين، ولا يمكن تفريقهم عن الحكام الطغاة، إلا أن الطريقة التي تم فيها التسامح مع المعارضة كانت مختلفة من حاكم لآخر، وتعتمد على مزاج الحاكم والضغط الذي يتعرض له”.
وتستدرك الكاتبة بأنه “رغم النقد الذي تعرض له الملك عبدالله من الغرب، والهجوم الذي ناله من المحافطين لتشجيعه على النقاش العام بشأن الإصلاح، إلا أنه بادر في عام 2003 إلى سلسلة من النقاشات العامة والحوارات مع قطاع متنوع من المجتمع السعودي، لمناقشة الحلول الممكنة لمشكلات البلاد، وبعد وصوله إلى الحكم عام 2005 منح مئات الآلاف من السعوديين منحا للدراسة في الجامعات الأوروبية والأمريكية”.
وتبين زيزبف أنه “بحلول عام 2010 كان السعوديون من أكثر المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي مثل (تويتر) و(فيسبوك)، التي استخدموها للدعوة إلى حقوق أكثر وحريات أوسع، خاصة حقوق المرأة، وشعر الحاكم العجوز ومن حوله من المستشارين بالقلق عندما شاهدوا الحكام العرب يتساقطون، وتساءلوا إن ذهبوا بعيدا في فتح باب الحرية، وحاولت الحكومة شراء ولاء المواطنين بإنفاق المليارات على الإسكان وزيادة الرواتب”.
وتذكر الكاتبة أنه تم سجن أكثر الناقدين للحكومة، مثل محمد فهد القحطاني، وعبدالله الحامد، ومحمد صالح البجادي، الذين أنشأوا جمعية الحقوق السياسية والمدنية السعودية، مشيرة إلى أنه بعد وصول الملك سلمان إلى الحكم زادت معدلات القمع والإعدامات التي وصلت إلى مستويات لم تر منذ عقدين.
وتبين زيوبف أن “هذا التغير جاء نتيجة لتحول مقصود في الخطاب بقيادة الأمير محمد، الذي أصبح بعد أشهر من تولي والده الحكم مسؤولا عن النفط والسياسة الاقتصادية والقوات المسلحة، وتم التقليل من النقاش العام على وسائل التواصل الاجتماعي، وانخفض النقاش الوطني العام عن التقدم، وتحول إلى الحديث عن التكنولوجيا، واعتبر عدد من المثقفين هذا التحول بأنه عملية لخدمة أهداف خاصة لنيل إعجاب الزوار الغربيين، الذين كانوا يخرجون من اللقاءات مع الأمير مادحين له”.
وتشير الكاتبة إلى أنه “بعد أن تقدم ولي العهد بخطته المعروفة (رؤية 2030)، التي أعلن عنها في نيسان/ أبريل 2016، التي تهدف لتنويع الاقتصاد السعودي، أصبح الضغط من أجل إجبار المواطنين والمثقفين على تبني الخط الرسمي أكثر شراسة، وأصبح القمع ضد الناشطين أكثر قسوة، ولم يطل القمع السعوديين الذين لم يوافقوا على خطة ولي العهد فقط، بل إن الأمير قاد حملة لمكافحة الفساد، وقاد بعد ذلك حملة لسجن الناشطين، مثل فهد، الذين انتقدوا حملة الفساد، وفي الوقت الذي سمحت فيه الحكومة للمرأة بقيادة السيارة فإن الأمير شن حملة ضد الناشطات اللاتي طالبن بحق القيادة، وذكرت منظمة (أمنستي) أن بعضهن تعرضن للتعذيب”.
وتقول زيوبف إنه “خلال عام ونصف من حكم ولي العهد كانت الرسالة واضحة، وهي: الأمير يريد السيطرة على الخطاب في البلاد، وهو مستعد ليقمع بوحشية من يعارضه ومن يتفق معه أيضا، لو حاولوا التعبير عن آرائهم في العلن، وكانت الرسالة التي أراد توصيلها للخارج هي أن الأمير هو الأمل الوحيد ومخلص البلاد، وصاحب الرؤية المصر على إجبار مواطنيه على المشي إلى المستقبل”.
وتجد الكاتبة أنه “كشف عن زيف الخطاب الآن، فقد عرى مقتل خاشقجي، الناقد اللطيف للحكومة، عدم تسامح ابن سلمان مع المعارضة، ويجب أن يكون السجناء السياسيون ضمن الحوار حتى لو لم يكتبوا مقالات رأي في صحيفة غربية مؤثرة، وحتى لو لم يكونوا ضيوفا على حفلات عشاء في واشنطن ولندن”.
وتقول زيوبف إن “على حلفاء السعودية، خاصة الدول الغربية والكونغرس، التأكيد على إفراج المملكة عن السجناء السياسيين، وأدت جريمة مقتل خاشقجي إلى إمساك السعودية متلبسة، ما سيزيد من مطالب الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، وعلى القادة الغربيين الذين يطالبون بالانتقام لدم خاشقجي المطالبة بحرية زملاء خاشقجي من المعارضين”.
وتختم الكاتبة محذرة ولي العهد، قائلة إن “محمد بن سلمان قد لا يعلم أن هوسه بالسيطرة على السعودية، والاحتفاظ بصورة المخلص للبلاد، سيعرقلان من جهوده الإصلاحية، ومن خلال إطلاق سراح المعتقلين، وتخفيف القيود على حرية التعبير، فلن يحصل ولي العهد على حسن نية وإسكات الدعوات الداعية لمعاقبة المملكة فقط، بل إنه سيعيد الرقابة المحلية على السلطة التي ستزيد من فرص نجاح إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية التي يزعم أنه يريد تحقيقها، وصديقي فهد وزملاؤه المعارضون وطنيون مثل خاشقجي، لا يريدون غير تكريس طاقاتهم ومواهبهم لتقدم بلدهم”.