نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» تقريرا لمراسلها سايمون كير، تحت عنوان «خطة الأمير السعودية الرئيسية تعاني من الشكوك بعد مقتل خاشقجي»، يقول فيه إن المستثمرين أصبحوا مترددين بشأن مشروع مدينة المستقبل التي يخطط محمد بن سلمان لبنائها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن رجال الأعمال الذين التقوا بولي العهد قبل فترة اندهشوا عندما سمعوا كلاما صريحا من محمد بن سلمان حول مدينة «نيوم» بكلفة 500 مليار دولار، حيث قال: «لا أحد سيستثمر فيها ولسنوات قادمة»، وذلك بحسب شخص حضر الاجتماع.
ويرى كير أن تعليقه هو اعتراف بأثر الأزمة التي أعقبت مقتل الصحافي جمال خاشقجي، الذي يهدد بتقويض خططه لتحديث المملكة المحافظة بدعم من الرأسمال والخبرات الأجنبية، مشيرا إلى أن «نيوم»، التي تعد أكبر الخطط الطموحة التي أعلن عنها محمد بن سلمان، كانت مشروعا محفوفا بالمخاطر، حيث أراد أن يقيم المدينة لتكون مركز آخر المبتكرات التكنولوجية والروبوتات والذكاء الصناعي.
وتستدرك الصحيفة بأن الخطة وضعت على الرف بسبب الأزمة التي تسببت بها جريمة مقتل خاشقجي، وأثرت على قدرة المملكة لجذب المستثمرين الخارجيين والخبرات العلمية المطلوبة لتنفيذها وغيرها من المشاريع التي تشمل عليها «رؤية 2030».
وينقل التقرير عن مستشار في القطاع الخاص، قوله إن «(نيوم) مشروع أصبح بالتأكيد محل شك.. وبالتأكيد فإن عملاء الحكومة لا يتطلعون للأمام في هذه اللحظة».
ويلفت الكاتب إلى أن عددا من المستشارين لمشروع «نيوم» مثل نورمان فوستر، أبعدوا أنفسهم عن الخطة منذ مقتل الصحافي في أكتوبر، ما يؤكد الثمن السياسي والخوف على السمعة من الارتباط بولي العهد السعودي، مشيرا إلى أن الأمير محمد وعد رجال الأعمال الذين التقاهم بالاستثمار في الاقتصاد التقليدي، و«هو تراجع كبير في رؤية الأمير، الذي جعل من تنويع الاقتصاد وإبعاده عن النفط مركز رؤيته لتطوير البلاد».
وتورد الصحيفة نقلا عن الخبير في شؤون الخليج في مدرسة لندن للاقتصاد ستيفان هيرتوغ، قوله: «عادت السعودية لما جربته وتعرفه.. عادوا للحم والبطاطا»، أي الأمور الأساسية التي يجب عليهم عملها.
ويذكر التقرير أن القائمين على المشروع والحكومة السعودية لم يردوا على أسئلة الصحيفة، لافتا إلى أن اقتصاد السعودية كان يترنح قبل مقتل خاشقجي والأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بشأن الجريمة مع الغرب، التي تعد الأكبر منذ هجمات سبتمبر 2001.
ويفيد كير بأن ولي العهد، الذي أصبح محل تدقيق ونقد في الخارج، اضطر للتحول إلى رجال الأعمال المحليين المتعثرين، في الوقت الذي تراجعت فيه شهية رجال الأعمال الأجانب لوضع أموالهم لتنفيذ خطط الإصلاح، مشيرا إلى أنه في محاولة لبناء قاعدة دعم محلية دعي رجال الأعمال ومديرو الشركات إلى جلسات خاصة مع ولي العهد؛ ليخبرهم عن الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المملكة، والمشاعر المكتئبة من الوضع الاقتصادي.
وتنقل الصحيفة عن أحد المصرفيين الذين حضروا لقاءات عقدت في الأسابيع القليلة الماضية، قوله إن «العائلات (السعودية) الكبرى تضررت وأخبرت ولي العهد عن الوضع».
ويجد التقرير أن حوارات كهذه هي شهادة على تراجع حظوظ ولي العهد، لافتا إلى أن «نيوم» تقع على الجانب الشمالي الغربي من البحر الأحمر، وتحتوي على عدد من القصور، حيث قضى الملك إجازته الصيفية فيها، بدلا من رحلته التقليدية إلى المغرب وأوروبا، وفيها منتجع عقد فيه اجتماع لرجال الأعمال والممولين الذين نقلوا إليه، حيث أقيم على جانب الشواطئ المحاطة بالجبال الوعرة والمياه التي يعيش فيها سمك القرش، «إلا أن الأمير محمد لم يعد قادرا على جذب المستثمرين للمكان».
وينوه الكاتب إلى أنه كشف عن الخطة في مؤتمر صاخب نظمه العام الماضي، وجذب إليه المستثمرين والممولين والمصرفيين من أنحاء العالم كله، وأطلق عليه «دافوس في الصحراء»، إلا أن المؤتمر الثاني الذي عقد بعد ثلاثة أسابيع من مقتل خاشقجي قاطعه معظم رجال الأعمال ومديرو الشركات.
وتورد الصحيفة نقلا عن ماسايوشي سون، مدير «سوفت بانك» الذي يعتمد على تمويل 45 مليار دولار لصندوق «فيشين» للتكنولوجيا قوله للأمير محمد، إن مقتل خاشقجي قد وضعه في وضع صعب، وبحسب أشخاص حضروا اللقاء فإن ولي العهد العنيد اعتذر له.
وينقل التقرير عن أشخاص مطلعين على خطط وزارة الطاقة السعودية، قولهم إن مشروعا لتوليد الطاقة الشمسية بكلفة 200 مليار دولار مع «سوفت بانك» ينظر إليه على أنه غريب ولا يمكن تطبيقه، ولهذا قامت الوزارة بتقليصه.
ويشير كير إلى أن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون علق مشاريع مشتركة مع الرياض حول استثمارها في شركات الفضاء التي يملكها، ما دعا المملكة لوقف الخطط الأخرى، مثل «فيرجين هايبرلوب وان» للنقل، لافتا إلى أنه تم تجميد عدد من الصفقات الداخلية للتصنيع وتجارة الجملة، بحسب محامين ومصرفيين.
وتبين الصحيفة أن محمد بن سلمان عانى من نكسة لخططه عندما تم تأجيل وضع أسهم من شركة النفط السعودية «أرامكو»، التي كان يأمل أن تجلب 100 مليار دولار لدعم خططه، حيث جاء التأجيل بسبب الأمور القانونية، وعدم قدرة السعودية على الحصول على التقييم الذي تريده، لافتة إلى أن الصندوق السيادي هيئة الاستثمار السعودية العامة لا يستطيع دون عوائد بيع الأسهم تنفيذ خطط التطوير التي يريدها ولي العهد، بما فيها مشروع نيوم، بالإضافة إلى أن خطط شراء «أرامكو» حصصا في شركة البتروكيماويات «سابك» بحوالي 70 مليار دولار، تواجه معوقات، منها الظروف الصعبة للسوق من أجل إصدار صكوك وقروض.
وبحسب التقرير، فإن المشاعر في القطاع الخاص، الذي عانى من سياسات التقشف، وصلت إلى مرحلة متدنية، خاصة بعد سجن الأمير أعمدة التجارة في المملكة، فيما أطلق عليها حملة مكافحة الفساد، ما أخاف المستثمرين الأجانب.
وتختم «فايننشال تايمز» تقريرها بالإشارة إلى أنه كان من بين المعتقلين وزير الاقتصاد السابق عادل الفقيه، الذي يعد جزءا مهما في خطط محمد بن سلمان ورؤيته 2030، وقد أدى سجنه إلى إبطاء مشروع الإصلاح، خاصة أن عددا من الموظفين عزلوا واستبدلوا بآخرين جدد.