تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، السبت، العلاقة بين السعودية وغاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره للشرق الأوسط، واصفة إياه بأنه صديق السعوديين وحليفهم في البيت الأبيض، كاشفة عن وثائق تتحدث عن علاقته بولي العهد السعودي.
ولفتت الصحيفة في بداية تقريرها، وفق ما ترجمته “عربي21“، إلى أن كبار المسؤولين الأمريكيين كانوا قلقين لا سيما بعد أنباء بأن كوشنر، ومنذ الأشهر الأولى لإدارة ترامب، أجرى محادثات خاصة غير رسمية مع الأمير محمد بن سلمان، الابن المفضل لملك السعودية، وولي عهده.
وبحسب الصحيفة، فإن افتقار كوشنر إلى الخبرة السياسية، قد جعله عرضة للتلاعب السعودي، وفق ما نقلته عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين، لم تصرح بأسمائهم.
وأوضحت أن ابن سلمان، منذ فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية، يحاول أن يخطب ود الإدارة الأمريكية الجديدة، موضحة عبر وثائق كشفت عنها سبل ذلك، من بينها إسرائيل، باعتبارها بوابة لتحقيق مساعي الرياض بعلاقة ممتازة مع البيت الأبيض.
وفي محاولة لضبط الأمور داخل في البيت الأبيض، حاول رئيس جديد للموظفين، إعادة فرض إجراءات طويلة، تنص على أنه يجب أن يشارك أعضاء من مجلس الأمن القومي في جميع الاتصالات مع أي قادة أجانب.
ولكن حتى مع القيود المفروضة ، ظل كوشنر (37 عاما) والأمير محمد (33 عاما) يدردشان مطولا، وفقا لثلاثة مسؤولين سابقين في البيت الأبيض، الذين أكدوا اتصالات متكررة بين الرجلين عبر مكالمات هاتفية وتواصل في رسائل نصية.
وأكدت الصحيفة أن كوشنر استمر بالتواصل مع ابن سلمان حتى بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، وفق ما أكده اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين.
واعتبرت الصحيفة أنه حين ازدادت الضغوطات الدولية على ابن سلمان بسبب قضية اغتيال خاشقجي، والتقارير الاستخبارية بأنه متورط بشكل مباشر في قتل الصحفي السعودي، “أصبح كوشنر أهم مدافع عن الأمير داخل البيت الأبيض”، وفق أشخاص على دراية بمداولاته الداخلية.
ووصفت الصحيفة علاقة كوشنر بابن سلمان، لا سيما لحظة الأزمة بأنها “رابطة فريدة، ساعدت في جذب الرئيس ترامب إلى أحضان المملكة العربية السعودية، كواحد من أهم حلفائه الدوليين”.
قصة علاقتهما
ووفقا للصحيفة، فإن العلاقات بين كوشنر والأمير محمد لم تحدث من تلقاء نفسها. فالأمير ابن سلمان ومستشاروه، الذين يتوقون إلى حشد التأييد الأمريكي لسياساته المتشددة في المنطقة، ولتقويته من أجل السلطة، أقاموا العلاقة مع كوشنر لأكثر من عامين، وفقا لوثائق ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية التي حصلت عليها “نيويورك تايمز”.
وقام وفد من السعوديين المقربين من ابن سلمان، بزيارة الولايات المتحدة في وقت مبكر من الشهر الذي تم فيه انتخاب ترامب.
وتظهر وثائق الصحيفة، أن الوفد السعودي أعد تقريرا يرى بأن كوشنر يعد النقطة المحورية الحاسمة في مساعي مغازلة الإدارة الجديدة بقيادة ترامب.
وتوصل الوفد السعودي مع كوشنر، إلى أنه غير كاف المعرفة بعقلية التعامل مع الإدارة الجديدة، بل يجب التركيز الشديد على التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يلبي مطالب إسرائيل.
وحتى في ذلك الحين، كان السعوديون يحاولون إبراز أنفسهم كحلفاء أساسيين يمكن أن يساعدوا إدارة ترامب في الوفاء بتعهداتها الانتخابية.
بالإضافة إلى عرض المساعدة في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وعرض السعوديون مئات المليارات من الدولارات في صفقات لشراء الأسلحة الأمريكية والاستثمار في البنية التحتية الأمريكية.
وتاليا نص الترجمة الكامل لتقرير الصحفية الأمريكية
التودد إلى جاريد كوشنر: كيف كسب السعوديون صديقاً داخل البيت الأبيض؟
كان كبار المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق. فمنذ الشهور الأولى لإدارة ترامب، وصهر الرئيس جاريد كوشنر ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط يجري محادثات خاصة وغير رسمية مع الأمير محمد بن سلمان، الابن المفضل لدى عاهل المملكة العربية السعودية.
وذلك أنه بسبب انعدام الخبرة السياسية لدى السيد كوشنر يمكن للمحادثات الخاصة أن تجعله عرضة لتلاعب السياسيين به، كما قال ثلاثة من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين. وفي سعي منه لتقييد الرقابة على الممارسات التي تجري داخل البيت الأبيض، حاول رئيس هيئة الموظفين الجديد إعادة فرض إجراءات قائمة منذ أمد تشترط مشاركة موظفين من مجلس الأمن القومي في جميع المحادثات الهاتفية التي تجري مع الزعماء الأجانب.
ولكن حتى مع وجود هذه القيود، ظل السيد كوشنر البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً والأمير محمد البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً يتهاتفان ويتحدثان، وذلك بحسب ما صرح به ثلاثة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض ومسؤولان آخران غيرهم حصلوا على المعلومات من داخل الديوان الملكي السعودي. وقالوا إن الرجلين، في حقيقة الأمر، كانا قد رفعا التكلف بينهما وصار كل منهما ينادي الآخر باسمه الأول، جاريد ومحمد، في الرسائل النصية المتبادلة وفي المكالمات الهاتفية.
واستمرت المحادثات والمراسلات بين الرجلين إلى ما بعد الثاني من أكتوبر، اليوم الذي قتل فيه جمال خاشقجي، الصحفي السعودي الذي استدرج وقتل ثم قطعت أوصاله من قبل عملاء سعوديين، وذلك بحسب ما صرح به مسؤولان أمريكيان كبيران سابقان وشخصان آخران أطلعهم السعوديون على التفاصيل.
وفي خضم العاصفة التي أثارها قتل خاشقجي حول العالم واستنتاج وكالات الاستخبارات الأمريكية أن عملية القتل تمت بأمر من الأمير محمد، أصبح السيد كوشنر أهم المدافعين عن الأمير داخل البيت الأبيض، بحسب ما يقوله أشخاص على معرفة بما يجري من مداولات ومشاورات.
يكشف الدعم الصارخ الذي يقدمه السيد كوشنر للأمير محمد في هذه الأزمة عن دوره كهمزة وصل ساعدت في أن يصبح الرئيس ترامب واحداً من أهم حلفاء المملكة العربية السعودية الدوليين.
إلا أن الصلات ما بين السيد كوشنر والأمير محمد لم تحدث صدفة. بل تشير الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية التي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز أن الأمير ومستشاريه، وحرصاً منهم على ضمان الدعم الأمريكي للسياسات الصقورية للأمير في المنطقة ولطموحاته في تعزيز سلطانه، عملوا على تعهد العلاقة مع السيد كوشنر وتطويرها لما يزيد عن عامين.
تشير الوثائق إلى أن وفداً من الشخصيات السعودية المقربة من الأمير وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الشهر الذي انتخب فيه السيد ترامب وعاد بتقرير اعتبر السيد كوشنر بؤرة حيوية في السعي لكسب صداقة الإدارة الجديدة.
ولاحظ الوفد أن كوشنر يأتي بحظ قليل من المعرفة حول المنطقة، وذهنية تعاملية وتركيز شديد على التوصل إلى صفقة مع الفلسطينيين تتمشى مع المطالب الإسرائيلية.
وحتى في ذلك الوقت، وقبل حفل التنصيب الرسمي، كان السعوديون يسعون إلى طرح أنفسهم كحلفاء أساسيين بإمكانهم مساعدة إدارة ترامب إنجاز وعودها الانتخابية. فبالإضافة إلى عرض المساعدة في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، عرض السعوديون إبرام صفقات بمليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية والاستثمار في البنية التحتية الأمريكية. فيما بعد أعلن السيد ترامب عن نماذج من تلك المشاريع في احتفالية عظيمة عندما قام بأول زيارة خارجية له: إلى القمة العربية الإسلامية في الرياض، العاصمة السعودية. وكان السعوديون قد أوصلوا إليه الدعوة خلال زيارة الوفد إياه في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2016.
ورد في عرض أعده الوفد السعودي الزائر، حصلت على نسخة منه صحيفة الأخبار اللبنانية التي زودت صحيفة النيويورك تايمز بها، ما يلي عن الإدارة الأمريكية الجديدة: “تتكون الدائرة الداخلية بشكل أساسي من مبرمي صفقات تنقصهم الدراية بالأعراف السياسية والمؤسسات الراسخة، وهؤلاء يؤيدون جاريدكوشنر.” ولقد أكد عدد من الأمريكيين الذين تحدثوا مع أعضاء الوفد بأن ما ورد في العرض ينسجم مع ما جرى من نقاشات أثناء الزيارة.
يبدو أن مساعي التودد للسيد كوشنر لكسبه قد آتت أكلها
بعد شهور قليلة من انتقال السيد ترامب إلى البيت الأبيض، كان السيد كوشنر يستفسر عن عملية الخلافة على الملك في السعودية وما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة التأثير فيها، الأمر الذي أثار المخاوف لدى بعض كبار المسؤولين من أنه كان يسعى لمساعدة الأمير محمد، الذي لم يكن بعد قد نصب ولياً للعهد، لتخطي الرقاب وصولاً إلى العرش، بحسب ما صرح به مسؤولان كبيران سابقان في البيت الأبيض. انتابت الدبلوماسيين ومسؤولي المخابرات الأمريكيين مخاوف من أن إدارة ترامب قد تسعى إلى تعزيز مواقع العناصر المفضلة لديها في العملية السياسية بالغة الحساسية داخل الأسرة السعودية الحاكمة، كما صرح بذلك المسؤولون.
وبحلول شهر مارس/آذار، ساعد السيد كوشنر في ترتيب لقاء رسمي على الغداء للأمير محمد مع السيد ترامب في غرفة الطعام الرسمية التي يستضاف بها زعماء الدول داخل البيت الأبيض، مستغلاً فرصة سنحت بفضل إلغاء موعد سابق مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بسبب عاصفة ثلجية.
وفي تجاوز للأعراف المعمول بها، رتب السيد كوشنر للأمير محمد حتى يحظى بنفس المعاملة التي يحتفظ بها في العادة لرؤساء الدول، بما في ذلك التقاط الصور والتغطية الإعلامية، وذلك بحسب ما صرح به شخص شارك في عمل تلك الترتيبات. ويبدو أن ذلك كان أول لقاء وجهاً لوجه بين السيد كوشنر والأمير، إلا أن السيد كوشنر أثار فضول المسؤولين داخل البيت الأبيض حينما قال إنه سبق له والأمير محمد أن تحدثا عدة مرات، وذلك طبقاً لما يذكره شخصان كانا حاضرين في تلك المناسبة.
إلا أن ناطقاً باسم البيت الأبيض صرح بأن “جاريد كان دوماً شديد الالتزام بالأعراف والإرشادات المعمول بها فيما يخص العلاقة مع محمد بن سلمان وجميع المسؤولين الأجانب الآخرين الذين يتعامل معهم.”
رفض مسؤولو البيت الأبيض شرح هذه الأعراف والإرشادات، بل ورفضوا التعليق على التواصل المنفرد للسيد كوشنر مع الأمير محمد منذ مقتل السيد خاشقجي.
ومع ذلك كانت الصلة بينهما محورية منذ اللحظة التي بدأت فيها إدارة ترامب.
يقول مارتن إنديك، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية والمبعوث السابق إلى الشرق الأوسط: “تشكل العلاقة بين جاريد كوشنر ومحمد بن سلمان الأساس الذي تقوم عليه سياسة ترامب ليس فقط تجاه المملكة العربية السعودية، بل وتجاه المنطقة بأسرها.” ويضيف إن اعتماد الإدارة على السعوديين في عملية السلام، ودعمها للمملكة في نزاعها مع قطر، والتي هي الأخرى حليف أمريكي، ومساندتها للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، كل ذلك نما من “تلك الرومانسية الأخوية.”
“سوف تعشقه”
قبل المنافسة على الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2016، كان أوسع انفتاح للسيد كوشنر على منطقة الشرق الأوسط يأتي من خلال إسرائيل. حيث أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو صديق لعائلة كوشنر، ولطالما ساهم آل كوشنر بسخاء في التبرع للمنظمات الإسرائيلية غير الربحية التي تدعم المستوطنات اليهودية المقامة داخل الأراضي الفلسطيني في الضفة الغربية.
أما الحكام العرب في الدول الخليجية الثرية بالنفط فقد كانوا اهتمامهم بالسيد كوشنر يأتي من منطلق كونهم مستثمرين في سوق العقارات الأمريكية، وهو المجال الذي تعمل فيها عائلة كوشنر.
ومن هنا جاء سعي توم باراك، الأمريكي اللبناني المستثمر في سوق العقارات والذي تربطه علاقات وثيقة بالسيد ترامب وفي نفس الوقت بحكام الخليج، لتعريف السيد كوشنر خلال الحملة الانتخابية على شركائه على اعتبار أنه حليف مفيد.
في رسالة بريد إلكتروني في مايو / أيار من عام 2016، كتب السيد باراك إلى سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة يقول له: “سوف تعشقه، فهو يتفق معك تماماً في أجندتك.”
ثم سريعاً ما نصب السيد العتيبة نفسه مستشاراً غير رسمي للسيد كوشنر حول شؤون المنطقة.
ففي الشهور الأولى التي تلت استلام السيد ترامب لمهام عمله رئيساً للولايات المتحدة، كتب السيد العتيبة إلى السيد باراك قائلاً: “بفضل جهودك بت الأن على تواصل مستمر مع جاريد وهذا أمر مفيد للغاية.”
في نفس الوقت كان السفير الإماراتي يعمل بجد للترويج للأمير محمد بن سلمان. فمنذ أن استلم الوالد المسن للأمير العرش في المملكة في عام 2015، راح الإماراتيون يراهنون بشدة على الأمير الذي بات رجلهم المفضل في المنافسة المحتدمة على خلافة الملك داخل العائلة السعودية الحاكمة.
في شهر يونيو / حزيران من عام 2016، وبينما كانا يسعيان لترتيب لقاءات بين الأمير والمسؤولين في حملة ترامب، كتب السيد العتيبة إلى السيد باراك يقول: “محمد بن سلمان رجل مبهر فوق التصور”.
وفي الشهر الذي تلا الانتخابات الأمريكية، بادر الحاكم الفعلي في دولة الإمارات العربية المتحدة – ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد – بتوصيل رسالة مماثلة عندما قام بزيارة غير معلنة إلى نيويورك للاجتماع بالسيد كوشنر وبآخرين بخصوص عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
فبينما كان يتحدث مع السيد كوشنر، أوصى الأمير الإماراتي خيراً بالأمير السعودي محمد بن سلمان واصفاً إياه بالزعيم الشاب الواعد، وذلك بحسب ما صرح به شخص على اطلاع وثيق بالمحادثات التي تمت في ذلك الحين.
ويبدو أن الكلام نال إعجاب السيد كوشنر. ويذكر أن ذلك اللقاء كان قد ساهم في ترتيبه جزئيا ريك غيرسون، مدير صندوق وقائي (محفظة وقائية)، هو الآخر مقرب من السيد كوشنر ومن ولي العهد الإماراتي في نفس الوقت. وبعد اللقاء، بعث السيد غيرسون برسالة إلى ولي العهد الإماراتي حول نجاحه في كسب ود السيد كوشنر.
كتب السيد غيرسون في رسالة نصية يقول: “أعدك بأن ذلك سيكون بداية علاقة خاصة وتاريخية.”
وفي الليلة التي سبقت التنصيب، كتب السيد غيرسون تارة أخرى إلى ولي العهد الإماراتي.
وقال السيد غيرسون في معرض تقييمه للقاء مع السيد كوشنر قبل أن يغادر السيد كوشنر واشنطن: “بات لديك الآن صديق حقيقي داخل البيت الأبيض.”
حصلت صحيفة نيويورك تايمز على رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة مع السفير العتيبة وعلى الرسائل النصية المتبادلة مع السيد غيرسون من أشخاص منتقدين للسياسات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتم التأكد من صحتها وتوثيقها عبر أشخاص آخرين لديهم اطلاع مباشر على محتوياتها. رفض السيد غيرسون التعليق ولم ترد السفارة الإماراتية على طلبات وجهت إليها للتعليق.
“نقص الدراية” بالتاريخ
كما اجتمع بعض كبار مساعدي الأمير السعودي محمد بن سلمان مع السيد كوشنر أثناء رحلة إلى نيويورك في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2016، بعد الانتخابات مباشرة.
وضم الفريق مساعد العيبان، وهو وزير في الحكومة مكلف بالتخطيط الاقتصادي والأمن الوطني، وخالد الفالح، الذي عينه الأمير وزيراً للطاقة ورئيساً لشركة النفط المملوكة للدولة، وذلك بحسب ما صرح به مسؤولون التقوا بالرجلين وكذلك طبقاً لما قاله شخص أحيط علماً بتفاصيل اللقاءات التي تمت. لم يجب السيد العيبان على طلب للتعليق، ولم يتسن الوصول إلى السيد الفالح للحصول على تعليق منه.
دون الوفد ملاحظة خاصة عبر فيها عما شخص بأنه جهل السيد كوشنر بالمملكة العربية السعودية.
فقد لاحظ أعضاء الوفد في عرض السلايدات الذي أعدوه للرياض بأن “السيد كوشنر كشف عن عدم درايته بتاريخ العلاقات السعودية الأمريكية وسأل عن دعم المملكة للإرهاب. وبعد النقاش عبر عن رضاه بما قدم له من شرح حول الدور السعودي في مكافحة الإرهاب” وما قال السعوديون إنه تزعمهم للحرب ضد التطرف الإسلامي.
وقال التقرير السعودي إن السيد كوشنر تساءل حول دوافع الوفد، وسأل عما إذا كانت المجموعة دائماً مهتمة بالعمل مع السيد ترامب. وذلك أن السيد ترامب كان قد تعهد حينما كان مرشحاً للرئاسة بفرض حظر على المهاجرين المسلمين ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، وخص المملكة العربية السعودية بالذكر مشيراً إلى ما تمارسه من نفوذ خطير.
جاء في إحدى الشرائح التي تضمنها العرض، بجانب صورة للسيد كوشنر: “تساءل كوشنر عن رغبة المملكة العربية السعودية في الشراكة وما إذا كان ذلك ناجماً عن فرصة سانحة أم عن شعور بالقلق، وتساءل كذلك عما إذا كان ذلك خاصاً بهذه الإدارة الأمريكية أم أنها قدمت لهيلاري كلينتون (على سبيل المثال: قيادة النساء للسيارات).”
إلا أن السيد كوشنر كان واضحاً بشأن أولوياته هو، حسبما جاء في التقرير. فقد نص تقرير الوفد علىأن “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان من بين أهم القضايا التي جذبت انتباه السيد كوشنر”، ولذلك خلص التقرير إلى أن تلك القضية ستكون أفضل السبل لكسب وده.
كتب الوفد يقول: “القضية الفلسطينية أولاً: مازال لا يوجد لدى الإدارة الأمريكية خطة واضحة تجاه الشرق الأوسط، فيما عدا أن الاهتمام المركزي ينصب على إيجاد حل تاريخي لدعم استقرار إسرائيل وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.”
ولتعهد العلاقات مع فريق ترامب وتنميتها، أعد السعوديون قائمة طويلة بالمبادرات التي قالوا إنها كفيلة بمساعدة السيد ترامب على الوفاء بوعوده لمؤيديه.
واغتناماً لتعهدات ترامب الانتخابية بتطبيق غربلة شديدة بحق المهاجرين، اقترح الوفد السعودي “إقامة قاعدة بيانات معلوماتية واستخباراتية لمساعدة الإدارة الأمريكية في تنفيذ استراتيجيتها للتحقيق في شؤون من يتقدمون بطلبات للإقامة في أمريكا (الغربلة الشديد)” وذلك بحسب ما ورد في النسخة العربية من عرض تم تقديمه لفريق ترامب.
وتعهد الوفد “بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة على أعلى المستويات” للمساعدة في “إلحاق الهزيمة بالفكر المتطرف.”
وفعلاً، قوبل العديد من المقترحات السعوديةبالترحاب.
وكان من بينها “مركز مشترك لمحاربة عقيدة التطرف والإرهاب.” وقد ساعد الرئيس ترامب في تدشين النسخة السعودية من المركز أثناء رحلته إلى الرياض في شهر مايو / أيار من العام التالي.
وفي اقتراح سعودي آخر، عرض السعوديون ما أطلقت عليه إدارة ترامب لاحقاً عبارة “ناتو عربي”. وهذا ما وصفه السعوديون في عرض السلايدات بالتحالف الإسلامي العسكري الذي يتكون من عشرات الآلاف من المقاتلين “على أهبة الاستعداد للانتشار متى ما رغب الرئيس المنتخب في ذلك.”
وبدت بعض المبادرات الأخرى كما لو كانت مصممة لتغطية الفترة الأولى من رئاسة السيد ترامب، مثل مقترحات بإنفاق خمسين مليار دولار على مدى أربعة أعوام على عقود دفاعية أمريكية، وزيادة الاستثمار السعودي داخل الولايات المتحدة إلى مائتي مليار دولار على مدى أربعة أعوام، والاستثمار بالاشتراك مع دول خليجية أخرى، بما يصل إلى مائة مليار دولار في البنية التحتية الأمريكية.
وحث الوفد السيد ترامب على القدوم إلى المملكة العربية السعودية بنفسه من أجل “إطلاق المبادرات كجزء من احتفالية ترحيبية تاريخية.”
ليس واضحاً كيف حصلت صحيفة الأخبار على نسخة من العرض الذي قدمه السعوديون إلى ترامب وعنه، علماً بأن الصحيفة متعاطفة مع حركة حزب الله المدعومة من قبل إيران ومع إيران ذاتها، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية.
أقر عدد من الأمريكيين الذين تم التعرف عليهم من خلال العرض بأن الاجتماع مع الوفد قد وقع فعلاً وأكدوا الإطار العام للمباحثات. وقامت نيويورك تايمز بعرض الوثائق وأسماء أعضاء الوفد على مسؤول في السفارة السعودية في واشنطن ولكنه رفض التعليق على الموضوع.
دور سعودي في سلام الشرق الأوسط
طالما قالت إسرائيل للدبلوماسيين الأمريكيين بأن نفوذ المملكة العربية السعودية في المنطقة يجعلها أساسية في أي صفقة سلام، وكان الإسرائيليون يعلقون آمالاً عراضاً على الأمير محمد بن سلمان بسبب آرائه المتشددة تجاه إيران وبسبب توجهه بشكل عام (ما لبث الأمير بعد ذلك أن أصدر عدة تصريحات أكد فيها “حق” إسرائيل في الأرض. كانت تلك التصريحات بوضوح أكثر تعاطفاً مع الموقف الإسرائيلي من أي تصريحات صدرت أدلى بها أي من الزعماء السعوديين الآخرين.
بعد أسابيع قليلة من انتقال السيد ترامب إلى البيت الأبيض، تبنى السيد كوشنر مقترح الوفد السعودي بأن يقوم الرئيس بزيارة إلى الرياض، وقد تشكلت لديه القناعة حينذاك بأن التحالف مع المملكة العربية السعودية بات في غاية الأهمية لخططه في المنطقة، وذلك بحسب ما صرح به شخص ناقش الأمر مع السيد كوشنر وشخص آخر لديه اطلاع على خططه.
عارض تلك الفكرة ريكس تيلرسون، الذي كان حينها وزيراً للخارجية، وذلك لأنها، كما قال أولئك الناس، ستربط الإدارة بشكل وثيق بالرياض، مما سيفقدها المرونة والقدرة على التأثير. وبحسب ما صرح به شخص شارك في النقاشات، كان السيد ترامب في بداية الأمر لا يرى كثيراً من الفائدة في مثل تلك الزيارة.
ولكن بحلول وقت التنصيب، كان السيد كوشنر يقول بأن المملكة العربية السعودية بإمكانها بفضل نفوذ الأمير محمد بن سلمان لعب دور محوري في الدفع قدماً بصفقة سلام في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بحسب ما يقوله ثلاثة أشخاص لديهم اطلاع على ما يفكر به. وكانت حجة السيد كوشنر بأن ذلك سيشكل إرث الرئيس، بحسب ما صرح به شخص شارك في النقاش.
وبحلول وقت زيارة البيت الأبيض في شهر مارس / أذار من عام 2017 بدأ كبار المسؤولين في الخارجية الأمريكية وداخل البنتاغون (وزارة الدفاع) يقلقون من الاتصالات الفردية التي كانت تجري بين الأمير محمد – الذي كان يفضل استخدام الرسائل عبر تطبيق واتساب – والسيد كوشنر.
وقال أحد المسؤولين السابقين في البيت الأبيض مشترطاً مقابل الحديث عما كان يجري من نقاشات بهذا الشأن بقاء هويته طي الكتمان: “كانوا يخشون من أن يتلاعب به السعوديون.”
جرى لقاءان وجهاً لوجه فيما بعد مع السيد كوشنر، وكان اللقاءان قد سبقا حدوث نقاط تحول أساسية في تعزيز قبضة الأمير محمد بن سلمان على السلطة.
بعد فترة قصيرة من قيام السيد كوشنر بزيارة الرياض بصحبة الرئيس في مايو/أيار من عام 2017، رتب الأمير محمد بن سلمان عملية خلع ابن عمه الذي يكبره سناً، الأمير محمد بن نايف، حيث انتزع منه وزارة الداخلية وحل محله في منصب ولي العهد. كما أعلن الأمير محمد بن سلمان فرض حصار تقوده السعودية على الجارة المنافسة قطر، والتي تستضيف قاعدة جوية أمريكية كبرى.
وبعد أيام قليلة من قيام السيد كوشنر بزيارة غير معلنة إلى الرياض في خريف عام 2017، قام ولي العهد بإلقاء القبض على ما يقرب من مائتين من أثرياء السعودية، بما في ذلك العشرات من أبناء عمه الأمراء، واعتقلهم في فندق الريتز كارلتون بالرياض.
وبعد كل إجراء يتخذه الأمير محمد بن سلمان لإحكام قبضتهعلى السلطة كان الرئيس ترامب يشيد به ويكيل له المديح.
قال مسؤول سابق في البيت الأبيض إن علاقات كوشنر الشخصية مع الأمير محمد بن سلمان كانت مفيدة في بعض الأوقات. فعلى سبيل المثال، عندما قام التحالف الذي تقوده السعودية في القتال داخل اليمن ذات مرة بفرض حصار على أحد الموانئ الحيوية مما أدى إلى توقف توريد المواد الغذائية والطبية، اقترح مستشار الأمن القومي آنذاك الجنرال إتش آر مكماستر بأن يتصل كوشنر بالأمير محمد بن سلمان للتحدث معه في الأمر، كما يقول أحد المسؤولين الذي أضاف بأن الجنرال مكماستر يعتقد بأن تدخل كوشنر ساعد في إقناع السعوديين بتخفيف القيود التي كانوا قد فرضوها على الميناء.
كما يقول المسؤولون في البيت الأبيض بأن السيد كوشنر يجري محادثات رسمية مع العديد من الزعماء الآخرين في المنطقة، وأن الإدارات السابقة أيضاً كانت لها علاقات وثيقة بالحكومة السعودية.
تقر إدارة ترامب بأنه منذ موجة السخط التي فجرها مقتل السيد خاشقجي، جرت محادثة واحدة فقط بين السيد كوشنر والأمير محمد بن سلمان، وكانت عبارة عن مكالمة هاتفية، شارك فيها مستشار الأمن القومي جون بولتون يوم العاشر من أكتوبر وأضاف البيت الأبيض في تصريح بهذا الشأن بأن الأمريكيين “طلبوا مزيداً من التفصيلات وطالبوا الحكومة السعودية بالشفافية في عملية التحقيق.”
إلا أن بعض المسؤولين الأمريكيين وشخص سعودي واحد لديه اطلاع على المحادثات بين الرجلين قالوا إن السيد كوشنر والأمير محمد بن سلمان استمرا في التحدث مع بعضهما البعض بشكل غير رسمي. وبحسب ما يقوله الشخص السعودي، تقدم السيد كوشنر من ولي العهد بنصائح حول كيفية النجاة من العاصفة، حاثاً إياه على حل نزاعاته في المنطقة وتجنب الوقوع في المزيد من الإحراجات.
حتى الآن، لم ينجز السعوديون إلا النزر اليسير مما كانوا قد وعدوا به. ماتزال فعالية مركز مكافحة الإرهاب في الرياض محل شك. وبعد عرض ما قيمته 50 مليار دولار من عقود التسليح لم يوقع السعوديون إلا على خطابات نوايا دون إبرام أي صفقات حقيقية. وبعد اقتراح إنفاق ما يصل إلى مائة مليار دولار على شكل استثمارات في البنية التحتية الأمريكية، أعلن السعوديون عن استثمار عشرين مليار دولار فقط.
داخل البيت الأبيض، يستمر السيد كوشنر في القول بأن الرئيس بحاجة إلى الوقوف إلى جانب الأمير محمد بن سلمان لأنه ما يزال بالغ الأهمية بالنسبة لاستراتيجية الإدارة في الشرق الأوسط بشكل عام، وذلك بحسب ما صرح به أشخاص على اطلاع بما يجرى من نقاشات.
إلا أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان الأمير محمد قادراً على إنجاز ذلك الدور. فمقارباته المبدئية تجاه الفلسطينيين قوبلت بالرفض من قبل زعمائهم، كما صعد الفلسطينيون مقاومتهم بعد اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل دون انتظار التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض على وضع المدينة.
والآن، يبدو أن والد الأمير، الملك سلمان البالغ من العمر اثنين وثمانين عاماً، والذي ما يزال رسمياً رئيس الدولة، يعارض أيضاً خطة السيد كوشنر للسلام في الشرق الأوسط.
فقد أعلن الملك في خطاب له الشهر الماضي: “سوف تبقى القضية الفلسطينية هي القضية الأولى إلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة.”