بوتيرة متصاعدة، عاد الحديث حول تعديلات «محتملة» للدستور المصري، منها زيادة فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات أو جعلها غير مقيدة بولايتين؛ في ظل وجود ما يقول مقربون من النظام إنها «تخوفات» و«ضرورات».
هذا الحديث، الذي سبق طرحه برلمانيًا وإعلاميًا على نطاق واسع، أطلقه نواب وكتاب بارزون مؤيدون للنظام، في تصريحات صحفية، بالتزامن مع انطلاق دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، مطلع الشهر الجاري.
ويسوق أنصار هذه الدعوات ما يعتبرونها «ضرورات”، منها: منح الرئيس مدة كافية لـ«استكمال مشاريعه وإنجازاته».
لكن خبيران مصريان حذرا، في حديثين للأناضول، من أن احتمال إقبال البرلمان على تعديلات دستورية تتعلق بمدة الرئاسة يمثل خطرًا على «التجربة الديمقراطية» في البلد.
ورأى أحدهما أن هذه الدعوات قد تكون «بالون اختبار»، تمهيدًا لهذا التعديل الدستوري قبيل 2022، وهو عام انتهاء الولاية الثانية لعبد الفتاح السيسي، ومدتها أربع سنوات غير قابلة للتجديد، وفق الدستور.
غير أنه في أكثر من مناسبة أعرب السيسي، الذي يتولى الرئاسة منذ عام 2014، عن التزامه بمدة ولايته الرئاسية، مشددًا في تصريحات صحفية على احترامه نص الدستور، الذي يسمح بفترتين رئاسيتين، وأنه لن يعدل الدستور.
دعوات تعديل الدستور الحالية ليست الأولى، إذ انطلقت سابقًا قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أُجريت في مارس، وفاز بها السيسي.
وركزت أغلب الدعوات على المادة 140 من الدستور، التي تحدد مدة الرئاسة بأربع سنوات، وإعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة فقط.
وينص الدستور على أنه «لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات الديمقراطية».
وخلال الدورة البرلمانية الماضية، تبنى ائتلاف «دعم مصر»، صاحب الأغلبية في البرلمان، ونواب مستقلون وحزبيون دعوات لتعديل مدة الرئاسة.
وأطلق نواب، بينهم محمد فؤاد ومحمد أبو حامد وعلاء عابد، الشهر الماضي، دعوات إلى تعديل مواد الدستور، لـ«يتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية»، و«مواجهة خطر الإرهاب والتحديات الاقتصادية الراهنة».
وحسب الدستور، تلزم موافقة خُمس أعضاء مجلس النواب (120 عضوًا من 596) على مقترحات تعديله، قبل مناقشتها والتصويت عليها. ويجب موافقة ثلثي الأعضاء ثم موافقة الأغلبية في استفتاء شعبي لكي تصبح هذه التعديلات نافذة.
وسبق أن صرح رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، بأن «الدستور يؤكد أنه لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية».
ثمة مؤشرات عدة تربط بين دعوات تعديل الدستور وتخوفات من تفعيل مادة المصالحة الوطنية في الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية، وما قد يتبعه من إجراءات.
وتستهدف العدالة الانتقالية، وفق مراقبين، معالجة ما طرأ على المجتمع، عقب أحداث 30 يونيو 2013، التي مهدت للإطاحة بالرئيس الأسبق، محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وما تلاها من انقسام مجتمعي.
وتنص المادة 241 من الدستور على: «إلزام مجلس النواب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية».
ومن بين تلك المؤشرات ما ذكره الكاتب الصحفي المقرب من النظام، ياسر رزق، الشهر الماضي، في مقال بعنوان «أحاديث المصالحة»، تطرق فيه إلى تخوفات «محتملة» من عودة «الإخوان» حال إنزواء السيسي عن المشهد.
وشدد رزق على «السيسي لن ينزوي عن المشهد السياسي حين تنتهي ولايته الرئاسية الثانية»، دون أن يقدم توضيحات بشأن الآلية التي سيظل عبرها السيسي متواجدًا بالمشهد السياسي.
بدوره، حذَّر النائب البرلماني، أسامة هيكل، في تصريحات صحفية مؤخرًا، من أن «هناك مواد ملغومة في الدستور، بينها المتعلقة بالمرحلة الانتقالية».
وعزا هيكل تحذيره إلى أنه «لا يجرؤ أحد من النواب أو أية جهة أخرى على إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان».
وبينما لا ينص الدستور على إجراء مصالحة مع جماعة بعينها، تعددت مبادرات ودعوات منذ الإطاحة بمرسي، صيف 2013، للمصالحة بين النظام والإخوان، غير أنها بائت بالفشل.
ومؤخرا، صرح السيسي لصحيفة كويتية أنه طالما هو موجود بالسلطة «فلن يكون هناك دور» لجماعة الإخوان.
واستبعد مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، أن تسمح مادة العدالة الانتقالية لجماعة الإخوان بالعودة.
وتساءل المحلل السياسي: «من الذي سيسمح للإخوان بالعودة إلى المشهد عبر مواد دستورية كالعدالة الانتقالية (؟)».
وتابع: «المسألة الآن ليست محسومة بهذا الشكل الدستوري، وإنما إتاحة الفرصة للإخوان بعد أن تواروا من المشهد مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة في ظل الوضع السياسي الحالي».
من جانبه، طرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، سببين محتملين لعودة الدعوات المطالبة بتعديلات دستورية.
الاحتمال الأول، وفق حديث نافعة، هو أن «هناك عددًا كبيرًا (من الشخصيات) يتطوعون لإرضاء السيسي، دون النظر إلى موقفه، سواء كان مؤيدًا أو رافضًا للتعديلات».
أما الاحتمال الثاني، الذي رجحه نافعة فهو «إطلاق بالونات اختبار لإجراء هذا التعديل قبل نهاية ولاية السيسي الحالية (عام 2022)».
وأردف: «أتمنى أن يكون موقف السيسي ثابتًا برفض دعوات تعديل مدته الرئاسية الدستورية، كونها مسألة خطيرة ومحرمة دستوريًا إلا لمزيد من الديمقراطية».
وحذر نافعة من الدخول «في دوامة مفرغة من الثورة والثورة المضادة حال تعديل الدستور».
وشدد على أن «ذلك يدفع الشباب إلى الشعور بأن طريق التحول الديمقراطي قد أُغلق تمامًا».
رسميًا، لم يعلن البرلمان عن إدراج أية مشاريع قوانين متعلقة بمدة الرئاسة لمناقشتها في دور انعقاده الحالي.
ووفق غباشي، فإن «معظم فقهاء الدستور يرفضون دعوات تعديل الدستور، لأنه في الأساس لم يُطبق كاملاً حتى الآن، كما لم يخضع للتجربة لسنوات».
لكن رغم ذلك، توقع إقبال البرلمان على تعديلات دستورية لصالح السيسي.
وأضاف غباشي: «نحن أمام برلمان إلى حد كبير عليه ملاحظات كثيرة، فمسألة إقباله على هذا الأمر لن تكون أمرًا مستغربًا».
وتابع: «نحن أمام واقع تفرض فيه الحكومة ما تريده وتمرره تحت غطاء وعنوان مكافحة الإرهاب»”.
وعادة ما تقول الحكومة إنها ملتزمة بالقانون والدستور وعدم إغلاق المجال العام، رغم ما شهدته مصر من عمليات توصف بالإرهابية، خلال السنوات الماضية.