نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا لكل من ديفيد هلبفنغر وإيزابيل كيرشنر، يقولان فيه إنه عندما تم توقيع اتفاقات أوسلو للسلام قبل ربع قرن احتفل سكان أريحا، فقد أعطيت مدينتهم الرملية، التي يصل عمرها إلى 11 ألف سنة، حكما ذاتيا قبل أي منطقة أخرى في الضفة الغربية.
ويشير الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن الفلسطينيين رأوا ذلك على أنه موطئ قدم لما كانوا متأكدين أنه سيصبح دولة جديدة، لكن لم يحصل شيئا مما توقعوا.
ويقول الكاتبان: «افتتح كازينو عام 1998؛ لإغراء المقامرين الإسرائيليين، وأحيط افتتاحه بضجة كبيرة، لكنه فرغ من المقامرين منذ عام 2000، حيث منع الإسرائيليون من دخول المدينة، أما المستشفى العام، الذي أصبح عمره عقدين، فحصل أخيرا على مصعد، بفضل تبرع من اليابان، وربما كانت أكثر مؤسسات الحكم الذاتي شهرة في المدينة هي السجن، الذي يخشى منه باعتباره قبوا للمعتقلين السياسيين».
ويجد الكاتبان أن «المستقبل الباهر للفلسطينيين، الذي صورته أوسلو تحول إلى مصيدة أليمة بدلا من ذلك، وتم الكشف عن اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض، بمصافحة بين اسحق رابين وياسر عرفات، في 13 سبتمبر، وتم تتويجه باعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت أول اتفاقية رسمية لحل مشكلة عمرها مئة عام على مراحل».
ويلفت الكاتبان إلى أنه تمت الدعوة إلى اتفاقية سلام شاملة عام 1999، وهو ما كان يتوقع أن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، بالنسبة للفلسطينيين، وتحقيق السلام للإسرائيليين.
ويستدرك الكاتبان بأن «أوسلو اليوم عملية ميتة، حيث لم تولد سلاما ولا دولة، والشيء الوحيد الملموس الذي بقي من أوسلو هو السلطة الفلسطينية، التي تمت إقامتها بضفتها حكومة مؤقتة، لكنها لا تزال قائمة بعد أن انتهت مدة صلاحيتها بعقدين، وحققت السلطة تقدما في توفير الوظائف لحوالي ربع القوى العاملة، لكنها توجهت نحو الاستبداد، وتتهم أيضا بالفساد المستشري».
وتلفت الصحيفة إلى أن حوالي ثلاثة من كل أربعة فلسطينيين يعتقدون أن الظروف الآن أسوأ مما كانت عليه قبل توقيع اتفاق أوسلو، فيقول أحمد دراغمة (26 عاما)، ويعمل موظف مكتب في طوباس في شمال الضفة الغربية، الذي كان في أريحا لاستقبال صديق سيطلق سراحه من السجن: ليس هناك عمل، أعمل مع السلطة الفلسطينية، مع أنني ضدها.
ويرى الكاتبان أن «كون السلطة الفلسطينية استمرت بالرغم من انهيار العملية السلمية هو بحد ذاته إشارة إلى مدى المكاسب التي حققتها إسرائيل، فأوسلو جعلت الفلسطينيين مسؤولين عن أمنهم في الضفة الغربية، وهو ما حسن أمن إسرائيل بشكل كبير، ودون تكلفة إضافية لها، وأعطت السلطة مسؤولية توفير الخدمات، مثل المجاري والمستشفيات، التي كانت ستكلف إسرائيل، بصفتها دولة احتلال، مئات ملايين الدولارات، بالإضافة إلى أن وجود السلطة سمح لإسرائيل بتأجيل الانسحاب الأشمل من الضفة الغربية إلى أجل غير مسمى».
ويتساءل الكاتبان: «فماذا حقق الفلسطينيون من نتائج ملموسة على مدى الخمس وعشرين سنة الماضية سوى سجل مرتبك من الإخفاقات، ومخاوف من أن تأخير إقامة الدولة سيتحول إلى حرمان من إقامة الدولة؟».
وتنقل الصحيفة عن المستشار لدى موقع الشبكة (شبكة السياسات الفلسطينية) علاء الترتير، قوله: «إن كنا نتحدث عن السلطة الفلسطينية باعتبارها خطوة نحو قيام الدولة، فإن هذا يعني أن السلطة فشلت فشلا ذريعا.. وإن كانت خطوة تجاه تحقيق المصير، أو تجاه تحقيق حقوق الفلسطينيين الإنسانية والسياسية، فإنها فشلت أيضا، وإن كنا نتحدث عن توفير الوظائف بصفتها بيروقراطية فإنها تكون قد نجحت».
ويقول الكاتبان: «إن خذلت أوسلو الفلسطينيين فإن الفشل جزئيا من فعلهم، فتزايد (الهجمات الإرهابية) بعد توقيع أوسلو، والانتفاضة الثانية التي اشتعلت عام 2000، غيرا رأي الكثير من الإسرائيليين بخصوص السلام، ما أدى في المحصلة إلى إهمال إسرائيل لعملية السلام».
ويبين الكاتبان أن «الفلسطينيين ترك وافي عالم النسيان: حتى عندما فشلت قيادتهم في إقامة جبهة موحدة للاستقلال، وأصبح بيروقراطيو السلطة أكثر نجاعة في إدارة وضبط حياة سكان الضفة الغربية، ولا يزال مستقبل الفلسطينيين باهتا، وجسدهم السياسي منقسم بين السلطة وفتح في الضفة وحركة حماس في غزة، حيث استمرت جهود المصالحة في الفشل».
وتنوه الصحيفة إلى أن «عباس في الثمانينيات من عمره، ويعاني من الأمراض.،وقد انتخب مرة واحدة عام 2005، فهو في سنته الرابعة عشر من الدورة الرئاسية، التي مدتها 4 سنوات، وبعد أن طرد المعارضين فإنه يزداد قمعا لأي معارضة، حتى على (فيسبوك)، ويحكم حيزه المتناقص بالمراسيم الرئاسية».
ويشير الكاتبان إلى أنه «في إسرائيل، تراجع معسكر السلام، ويناقش اليمين المسيطر إن كان الأفضل إدارة الاحتلال إلى ما لا نهاية، أو إعلان الانتصار وضم الضفة الغربية، حيث زاد عدد المستوطنين فيها ثلاثة أضعاف إلى 400 ألف مستوطن، و200 ألف مستوطن في القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل ويريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم».
ويقول الكاتبان: «بالنظر إلى أن العالم العربي غير مهتم في مساعدة الفلسطينيين، وقيام ترامب بقلب الموازين كلها، التي حاول الجميع استخدامها للتوسط في السلام، ويتفاخر بأنه رفع القدس عن طاولة المفاوضات، من خلال الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وأنه يعمل على رفع قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، بحرمان أبناء اللاجئين من ذلك التصنيف، ويرفض الموافقة على حل الدولتين، وهو الهدف الذي قاد الفلسطينيين إلى أوسلو.. هذا كله يترك الفلسطينيين عالقين بعد متابعة حلم أوسلو إلى غرفة الانتظار، فقط ليستنتجوا أنه ليس للغرفة مخرج».
وتبين الصحيفة أن »ترتيبات أوسلو الأمنية كانت أن تقوم السلطة بمهمة الأمن الداخلي، والتنسيق مع إسرائيل، وهو ما يؤمن المصيدة، فالصفقة قللت الحاجة للجنود الإسرائيليين الذين يحرسون المناطق المعادية في الضفة الغربية، وتحمي قيادة السلطة من حركة حماس».
ويستدرك الكاتبان بأن هذه الترتيبات وضعت أيضا قوات الأمن الفلسطينية والقيادة في موقع العملاء، في نظر الكثير من الفلسطينيين، الذين لا يرون أي فائدة تجنى من مساعدة إسرائيل في حماية نفسها، مشيرين إلى أن استطلاعا حديثا للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية يظهر أن سبعة من كل عشرة فلسطينيين يريدون إيقاف التنسيق الأمني.
وتلفت الصحيفة إلى أنه من الناحية الاقتصادية، فإن الترتيبات الحالية تخدم المصالح الإسرائيلية؛ فالمانحون الدوليون يدعمون الخدمات الحكومية في الضفة الغربية، وهو ما يرفع العبء عن إسرائيل، فيما يعيش الفلسطينيون على سلع وأغذية ووقود وكهرباء إسرائيلية، ويقول الخبراء بأن الديون الاستهلاكية المتراكمة تعزز من بقاء الوضع الراهن.
ويورد الكاتبان نقلا عن مدير المشروع العربي الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية ناثان ثرول، قوله: «هناك مجموعة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتمدون على وظائف السلطة الفلسطينية لتسديد ديون سياراتهم وبيوتهم.. وينظرون بعين الخوف حقا من انهيار أوسلو والسلطة الفلسطينية».
ويعلق الكاتبان قائلين إنه «من الصعب لوم هذا الطرف أو الآخر، وفي الواقع كلا الطرفين فشلا في العودة إلى العملية السلمية عندما حاولت إدارة أوباما إحياءها عام 2014، بالإضافة إلى أن الجانبين قوضا ما كان إنجازا هشا، ففي 1994 قام يميني متطرف بارتكاب مذبحة، ذهب ضحيتها 29 مسلما في الخليل، ما تسبب بأول موجة تفجيرات، ثم قام متطرف آخر باغتيال رابين عام 1995، ما جعل اتفاقية أوسلو في خطر، وكانت إسرائيل هي التي أوقفت انسحابات كان قد تم الاتفاق عليها، ما تركها مسيطرة على 60% من الضفة الغربية، بالإضافة إلى أن الانسحاب كان أحادي الجانب من غزة سريعا، حيث قال المنتقدون بأنه ساعد على سيطرة حركة حماس عليها».
وبحسب الصحيفة، فإن إسرائيل قامت بتوسيع المستوطنات، ما أحبط الفلسطينيين، ويقول السفير الأمريكي السابق لإسرائيل، دانيال كورتزر: «على أحد جوانب الشارع هناك قرية فلسطينية، وعلى الجانب الآخر هناك مستوطنة إسرائيلية جديدة، أسقف بيوتها حمراء، وفيها مسابح وخضرة، وأشجار، وعلى تلة مشرفة».
ويستدرك الكاتبان بأن «هناك ما يندم عليه الفلسطينيون أيضا، فمهما كان التبرير، أدى العنف الفلسطيني إلى شل عملية السلام، وأدى إلى نكسات أخرى، مثل إعادة غزو القوات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية عام 2002، عندما دمر الجيش الإسرائيلي الكثير مما بنته السلطة الفلسطينية، والبدء في بناء الجدار العازل، الذي ولد الاستياء، وثبت بعض المستوطنات».
وتنقل الصحيفة عن بعض المحللين، قولهم إنه «بالنظر إلى الماضي فإن الفلسطينيين أخطأوا عندما سمحوا للإسرائيليين بتأجيل المفاوضات على القضايا الرئيسية في الصراع -الحدود الدائمة، ومستقبل اللاجئين، ومطالبة الفلسطينيين بالقدس عاصمة لدولتهم- لمباحثات الحل النهائي، وكان خطأ عدم الإصرار على بند صريح حول تجميد الاستيطان في الاتفاقيات المؤقتة في الأماكن التي تصور الفلسطينيون أنهم سيقيمون فيها دولتهم، وكان من الخطأ أن وافق الفلسطينيون على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كونها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني».
ويورد الكاتبان عن كورتز، قوله إنه يتذكر الشعور السيئ الذي شعره الفلسطينيون خلال مراسم أوسلو عام 1993، حيث ظهر على وجوههم أن “ما حصلوا عليه لم يتفاوضوا عليه بشكل جيد”.
وتذكر الصحيفة أن هناك آخرين يشككون في تكليف المنظمة بمحاربة الإرهاب منذ البدايات، ويقولون إن عرفات لم يفعل ما يكفي لوقف الإرهاب، بحسب ما قاله ديفيد هاتشام، الذي مثل وزارة الدفاع الإسرائيلية في مفاوضات أوسلو، بالإضافة إلى أن الإسرائيليين أدركوا أن الفلسطينيين غير مستعدين للتخلي عن مبادئهم، وأنهم حتى أنكروا الحقوق التي يدعيها الإسرائيليون في القدس، مشيرة إلى أن المحادثات فشلت في كامب ديفيد عام 2000، في الوقت الذي يرى فيه الإسرائيليون أن أيهود باراك وضع على الطاولة عرضا سخيا للتوصل إلى اتفاق نهائي، لكن المفاوضات فشلت.
ويصف هاتشام تلك المباحثات بـ«حوار الطرشان»، وقال إن «عرفات لم يكن مستعدا لتجاوز النهر المحرم».
ويفيد الكاتبان بأن بعض الإسرائيليين لم يطوعوا معتقداتهم بعد بما يكفي لإقناعهم بأن الدولة الفلسطينية لا تشكل خطرا على الهوية الإسرائيلية، ويتساءل المحلل لدى مجموعة الأزمات أوفر زلزبيرغ: «ما السبب الذي يجعل نتنياهو ينظر إلى الدولة الفلسطينية على أنها تهديد أمني؟»، ويجيب على سؤاله، قائلا: «إنه يعتقد أن الفلسطينيين سيستمرون في تعليم أبنائهم بأن الصهيونية ظالمة، وأن الدولة المجاورة يجب ألا تكون موجودة بصفتها دولة للشعب اليهودي».
وتستدرك الصحيفة بأنه «بالرغم من فشل القيادة الفلسطينية، إلا أن كثيرا من الفلسطينيين يرون السلطة أقل الخيارات سوءا، مع أن عمرها يساوي تقريبا 26 سنة من الاحتلال قبل أوسلو، فإن كثيرا منهم لا يعرف واقعا غير واقع السلطة، وكونها تدعم بحوالي 500 مليون دولار في العام كمساعدات خارجية، وهو ما يشكل 12% من ميزانيتها، فإن السلطة هي الموظف الأكبر للفلسطينيين، ويعتمد عليها 150 ألف موظف ومن يعولون للقمة عيشهم (حوالي ربع الشعب)، وبعد فوضى انتفاضتين، يعد البعض أنه يعود الفضل لها في إعادة الأمن».
وينوه الكاتبان إلى أن سلام فياض تسلم في عام 2002 وزارة المالية أولا، ثم رئاسة الوزراء، وأدخل الشفافية والمساءلة إلى السلطة، ومع حلول 2011 أعلنت الأمم المتحدة بأن حكومة السلطة تعمل ومستعدة لقيام الدولة، لكن دون نتيجة.
وتفيد الصحيفة بأن المسؤولين في السلطة الفلسطينية يلومون إسرائيل لمشكلاتهم العديدة، بما في ذلك غياب الديمقراطية والتقدم الاقتصادي، ويقول نائب محافظ أريحا جمال الرجوب: يتحكم الاحتلال الإسرائيلي بالهواء الذي نتنفسه في الضفة الغربية وغزة.. السلطة تريد تحسين ظروف الناس، لكن كل شيء مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي، الفلسطينيون ليسوا أحرارا، لا نستطيع أن نمد أجنحتنا ونطير، إلا إن كنا لا نرى الواقع.
ويذهب الكاتبان إلى أنه في الوقت الذي كان فيه مؤيدو السلطة يرون أنها حسنت الحياة لمعظم الفلسطينيين، بالرغم من عيوبها، إلا أن الكثير يبغضونها ويشتكون من المحسوبية والفساد بالمقدار ذاته الذي يعترفون به بنجاحها في هذا الجانب أو ذاك.
وتنقل الصحيفة عن مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي، قوله بأن نصف الفلسطينيين يرون في السلطة عبئا، والشباب من سن 18 – 22 عاما لا يميلون للثقة في النخبة، بل يميلون لحل الدولة الواحدة بدلا من حل الدولتين، حيث يحتجون بأن دولة فاسدة ومستبدة «لا تستحق الانتظار».
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إنه في الوقت الذي يركز فيه عباس ومعاونوه على النجاة من إدارة ترامب، فإن الآخرين خارج دائرته يحثون الفلسطينيين على أن يعيدوا النظر في نظامهم السياسي البعيد عن الديمقراطية، وأن يقوموا بإعادة تشغيله أو تحطيمه لبنائه من جديد.