نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للصحافي الإيراني الذي عمل في أكثر من مؤسسة صحافية إيرانية روح الله فقيهي، يتساءل فيه عن الرجل الذي يقود سياسة إيران الخارجية.
ويتساءل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، عما إذا كان محمد جواد ظريف، وجه السياسة الخارجية الناعم، هو من يقود في الحقيقة السياسة الخارجية، وإن كان يقوم بتشكيل السياسات الخارجية.
ويرى فقيهي أن “الحقيقة ليست كما تظهر، فمن يدير السياسة الخارجية هو رجل ظل مرتبطا بآية الله علي خامنئي، فمع أن ظريف درس في جامعة كولورادو، ويتقن اللغة الإنجليزية جيدا، وأصبح رمزا مهما لدى الإصلاحيين، إلا أنه وخلال العامين الماضيين تراجع من ناحية التأثير، خاصة في الملفات الداخلية، ومع أنه لا يزال يقوم بجولات في الخارج ويتحدث ويتفاوض، إلا أن علي أكبر ولايتي حل محله في الملفات الإقليمية المهمة بالنسبة لطهران أكثر من المسرح الدولي، خاصة في ما يتعلق بسوريا واليمن والعراق”.
ويقول الكاتب إن “أي شخص مهتم بالسياسة الخارجية الإيرانية عليه النظر لما يقوله ولايتي في الداخل، أو من خلال زياراته المنتظمة لعواصم التأثير الإيراني، وعليه فإن التحدي الأكبر للسياسة الغربية هو فهم رؤية ولايتي المحافظة، التي تتناقض مع رؤية ظريف البراغماتية والرؤية الداعية للحرب عند المعسكر المتشدد”.
ويشير فقيهي إلى أنه “مع أن ولايتي غير معروف في الخارج، إلا أنه كان رمزا معروفا في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية، ومثل ظريف فإنه درس في الولايات المتحدة، حيث تخرج من كلية الطب في جامعة جون هوبكنز في الستينيات من القرن الماضي، وعلى خلاف ظريف فإنه رفض الثقافة والعادات الأمريكية بدلا من الاندماج فيها، وبعد الإطاحة بنظام الشاه انضم مباشرة إلى الحكومة، وتولى منصب وزارة الخارجية لمدة 16 عاما، وهي أطول مدة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، التي بدأت في عام 1981 وانتهت عام 1997، بعد وصول محمد خاتمي للسلطة، الذي أراد تعميق العلاقات مع الغرب، وعينه خاتمي مستشاره الخاص للشؤون الدولية”.
ويلفت الكاتب إلى أن “ولايتي خرج في عام 2013 من دور المستشار ورشح نفسه في انتخابات الرئاسة، التي ظهرت فيها معالم مساره السياسي للرأي العام، وكان ولايتي جزءا من تحالف واسع يضم مرشحين محافظين معارضين للمرشح المعتدل حسن روحاني والإصلاحي رضا عارف، ومع تقدم الحملة الانتخابية أصبح ولايتي هدفا لغضب تحالفه، وشن المرشحان المحافظان سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف هجوما على ولايتي، وربطاه في المحادثات الأولى مع الغرب بشأن المشروع النووي الإيراني، وذلك قبل عقد من الزمان، وقرنا سجله في مجال السياسة الخارجية بموقف حسن روحاني، ولهذا أصبح ولايتي وروحاني حليفين مصلحة للدفاع ضد المتشددين الذين عارضوا المحادثات مع الغرب، ولم يف ولايتي بوعده بالانسحاب من السباق لصالح قاليباف، بحيث قسم المعسكر المحافظ بطريقة دعمت حملة روحاني”.
ويفيد فقيهي بأنه “بعد فوز روحاني عام 2013، نبذه المتشددون الذين وصفوه بالخائن، وتبناه المعتدلون والإصلاحيون، وفي ذلك العام اختاره الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا لمركز أبحاث، وهو مركز الأبحاث الاستراتيجية، ودافع ولايتي من هذا المنصب عن محادثات ظريف مع الغرب”.
ويبين الكاتب أن “موقع ولايتي تغير في السنوات الأخيرة مرة أخرى، فبعد وفاة رفسنجاني عام 2017، اختير ولايتي ليحل محله في منصب رئيس مجلس أمناء جامعة أزاد الإسلامية، أكبر المؤسسات الأكاديمية في البلاد ومركز الحركة الإصلاحية، وقام بعد تعيينه مباشرة بحركة تطهير واسعة، فعزل معظم المسؤولين الموالين لرفسنجاني في الجامعة، وبعد ذلك عزل الأساتذة الجامعيين الإصلاحيين رغم الاحتجاجات المتزايدة ضده”.
ويوضح فقيهي أن موقف ولايتي من الاتفاقية النووية، المعروفة بالخطة المشتركة الشاملة للعمل أيضا، تغير بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وبدأ بمقارنتها بالمعاهدات التي أجبرت إيران على توقيعها في القرن التاسع عشر، حيث تخلت عن داغستان وغرب جورجيا وأذربيجان وأرمينيا، وقال ولايتي في أيار/ مايو: “المشكلة في الاتفاقية هي عدم وجود نسخة فارسية، ما يشعر الشخص بالإهانة، وحتى معاهدتي غولستان وتركمانتشي على ما فيهما من إهانة كتبتا بنسخ فارسية”.
ويذكر فقيهي أن ولايتي عبر في الخطاب ذاته عن شعارات المتشددين، ووجه صفعة لروحاني واستعداده للتفاوض من موضع ضعف وسط العقوبات المفروضة على إيران “في موضوع الخطة المشتركة الشاملة للعمل، فقد ربطوا بين ماء الناس وخبزهم والاتفاقية، وحاصروا البلد، وحقنوا المجتمع باليأس والخيبة، وقالوا إن علينا التفاوض لحل المشكلات”.
ويقول الكاتب إن ولايتي لو أراد العودة إلى الأيام الجميلة من التشدد فإنه قد نجح، وينقل عن المتشدد المعروف ومدير وكالة أنباء “فارس” حامد رضا مقدم فار، قوله في 19 آب/ أغسطس، إنه يجب عدم التشكيك في مصداقية ولايتي، “وبخلاف ما نسب لولايتي في انتخابات عام 2013، فإنه رمز ثوري.. لا افترض أنه متحمس للثورة الإسلامية على الرغم من الاعتراف به بصفته دبلوماسيا”.
وتشير المجلة إلى أن ولايتي قرر التخلي عن روحاني في وقت كانت فيه حكومته تفقد الدعم بين النخبة الإيرانية والرأي العام بشكل أوسع، لافتة إلى أنه منذ خروج ترامب من الاتفاقية النووية في أيار/ مايو، أصبحت هذه الاتفاقية على حافة الانهيار، وفقد نهج روحاني وظريف للسياسة الخارجية مصداقيته، وبحسب دراسة مسحية لجامعة ميريلاند، فإن شعبية ظريف تراجعت من 78% عام 2016 إلى 43% في عام 2017، وفي الوقت الذي قالت فيه نسبة 61% من الإيرانيين إنها تحمل موقفا إيجابيا من قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
ويلفت فقيهي إلى أنه بعد أن طهر اسم ولايتي من علاقته مع روحاني، فإنه منح دورا بارزا في تشكيل السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط، وتم إرساله بشكل منتظم لمناطق النزاع في المنطقة، حتى لو كان ذلك يتعارض مع سياسة روحاني في سوريا واليمن، مشيرا إلى أنه على خلاف ظريف، فإن ولايتي لم يقدم إشارة إلى اهتمام بالتفاوض مع أعداء إيران ولا حلفائها الظاهرين، فقال لقناة “روسيا اليوم”: “لن تغادر إيران دمشق إلا بطلب من سوريا.. لن تغير إيران استراتيجيتها وسياستها في المنطقة، فهي كما ساعدت سوريا والعراق فإنها ستساعد اليمن لو طلب”.
ويفيد الكاتب بأن “أولويات ولايتي الجيوسياسية الأوسع نطاقاً تختلف اختلافا كبيرا عن ظريف، وبرزت من خلال زيارته لكل من الصين وروسيا لتعميق العلاقة معهما، وهي الزيارات التي انتقدها الإعلام الإصلاحي؛ لأنها غطت على جهود ظريف لتعميق العلاقة مع أوروبا، وجوهر استراتيجية ولايتي هو الشك العميق بالغرب؛ ليس لأنه أظهر عدم مصداقيته، لكن لأن القوة الغربية في تراجع، ولأن إيران يجب أن تبحث عن أصدقاء أيا وجدتهم، دون أن تتخلى عن استقلالية سياستها الخارجية، وهذا واضح من شك ولايتي من قدرة أوروبا على الوفاء بوعدها والحفاظ على الاتفاقية النووية، وقال في 20 أيار/ مايو: (تناقض حديث المسؤولين الأوروبيين يجعلنا نشك فيهم)”.
ويورد فقيهي أن ولايتي يصف هذا من خلال الحاجة لأن تدير إيران وجهها نحو الشرق لا الغرب، وقال إن “نظرة استراتيجية هي أسهل من لعبة الغموض مع الغربيين”، وقال في خطاب ألقاه شهر أيار/ مايو: “يجب ألا نتأثر بالغرب مثل باريس أكثر من موسكو”، حيث هاجم ولايتي الصحافة الإصلاحية، التي اتهمت موسكو بطعن إيران في الظهر فيما يتعلق بمستقبل سوريا، وقال في الخطاب ذاته: “مصالحنا مع روسيا والصين متداخلة في الكثير من القضايا، ويمكن أن نعمل معا”، وأضاف: “روسيا لا تستطيع ولا تخطط لطرد إيران بالقوة، ونعمل مع هذا البلد في مجالات الدفاع، وقدموا لنا كل شيء طلبناه منهم أكثر أو أقل”.
ويجد الكاتب أن ولايتي لم يعد يزعم أنه يعمل من خلف الأضواء، فقد حصل على السلطة من خلال التقرب من المتشددين، والتخلي عن حليفيه روحاني وظريف، وهو ما سمح لهما بالبحث عن نهج براغماتي للسياسة الخارجية، والعمل معا لإنقاذ الاتفاقية النووية.
ويختم فقيهي مقاله بالقول إن على الغرب القرار مع من سيتحدثون في طهران على المدى البعيد، وإن كان ولايتي سيصعد في قمة السلطة في أي وقت.