نشر موقع مجلة “ناشونال إنترست”، مقالا للباحث أوين دانيالز، يتحدث عن أبعاد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والتي وصلت لحد تسميتها بالحرب التجارية، ووصف إدارة ترامب للصين بأنها “منافس استراتيجي يسعى لتقويض القوة والنفوذ الأميركيين”.
وقال الباحث، في التقرير الذي ترجمه موقع “عربي 21″، إن التنافس بين قوتين عظيمتين هما الأكثر قوة عسكرية واقتصادية، ليس محدودا جغرافيا، فهناك مؤشرات إلى أن الصين تسعى لتشكيل تضاريس الشرق الأوسط العسكرية، من خلال العلاقات التجارية مع بلدان المنطقة، ومن خلال عرض قوتها العسكرية، وهناك ثلاث مساحات يجب مراقبتها، حيث تقوم الصين بفرض نفسها في الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى توترات مع أمريكا”.
إيران بؤرة الحرب التجارية
ويلفت دانيالز إلى أن “النفط الخام سلعة استراتيجية تحتاج الصين لاستيرادها، وتأتي دول الشرق الأوسط بعد روسيا في إمداد الصين بالنفط، وكونها أكبر مستهلك للبترول في العالم، ومع تراجع إنتاجها منه، فإن الصين تهدف إلى توسيع عمليات تكرير البترول وسعة تخزيها؛ للتخفيف من تأثير التغيرات في سوق الطاقة الدولية، فيما تهدف أميركا لمنع إيران من تصدير البترول، وهذا يؤثر على استراتيجية الصين في تكرير وتخزين البترول، والمؤشرات كلها تشير إلى أن الصين -أكبر المستوردين من إيران- ستغض الطرف عن العقوبات (الأميركية)، وتستمر في تجارتها كالمعتاد مع إيران، بالإضافة إلى أن إيران تأمل أن تشكل جزءا مهما من مبادرة الحزام والطرق الصينية، حيث وصلت استثمارات الصين في البنية التحتية في إيران 8.5 مليار على شكل قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني مع بدايات عام 2018”.
ويبين الكاتب أنه “مع إعادة فرض العقوبات الثانوية على النفط في شهر نوفمبر، فإن إيران تهدد بأن تصبح بؤرة الحرب التجارية بين أميركا والصين، وهو ما ستكون عواقبه وخيمة، فيحتمل ارتفاع سعر النفط عام 2019، حيث سيخرج النفط الإيراني من السوق، ما سيزيد من ثمن المشتقات البترولية، على الرغم من أنه من الممكن ألا يكون تأثير ذلك على الاقتصاد الأميركي كبيرا”.
ويجد دانيالز أنه “بسبب كون ثمن النفط الذي تصدره إيران يدفع من خلال البنك المركزي الإيراني، فإن بنك الشعب الصيني سيتعرض لعقوبات ثانوية من أميركا، لكن لدى بنك الشعب عدة خيارات أحادية، فيمكنه أن يخفض قيمة الرينمنبي، أو استهداف الشركات الأميركية بقوانين انتقامية أو الخيار النووي، بيع بعض سندات وزارة المالية الأميركية، التي تملك الحكومة الصينية 1.2 تريليون دولار منها، وقد أدت التوترات التجارية وتلويح الصين بفرض تعرفة على النفط الأميركي المستورد إلى تردد المستوردين الصينيين من شراء النفط الخام الأميركي، وبالنظر إلى العوامل السائدة فإنه يتوقع أن يكون موعد العقوبات الثانوية في نوفمبر نقطة اشتعال لمزيد من التوتر”.
التوازنات الصينية في الخليج
وينوه الباحث إلى أن “التفاعل الاقتصادي والعلاقات الأمنية يعدان جوانب رئيسية في التعاملات الصينية مع دول الخليج العربية، وتحاول الصين أن تستخدم التجارة لموازنة التوتر بين السعودية وإيران، فمثلا تجاوزت الصين أمريكا بصفتها أكبر شريك تجاري للسعودية عام 2017، ما جعلها أكبر شريك تجاري لكل من السعودية وإيران، وفي عام 2017، وقع العاهل السعودي الملك سلمان ما قيمته 65 مليار دولار من اتفاقيات التفاهم مع بكين، كما بدأت البلدان بتطبيق اتفاقيات في قطاعات البتروكيماويات والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات، بالإضافة إلى أن السعودية لوحت للصين بمشروع عرض شركة “أرامكو”، لكن الارتفاع في أسعار النفط جعل واردات الصين من النفط الخام السعودي عام 2018 تتراجع”.
ويفيد دانيالز بأن “الصين تحرص على عدم التقرب جدا من السعودية أو من إيران؛ خوفا من تنفير الأخرى، والسؤال المهم هو عما إذا كانت الصين ستركز على استثماراتها العالية في السعودية عندما تبدأ العقوبات الثانوية ضد إيران، وحاول عدد من الدبلوماسيين الصينيين الربط بين مبادرة الحزام والطرق الصينية ورؤية 2030 السعودية، لكن المخاوف بشأن قوانين الحكومة السعودية الغامضة قد تحد من التعاون الصيني السعودي، بالإضافة إلى أنه يمكن اعتبار استعداد إدارة ترامب لمناقشة صفقة نووية مع المملكة نفوذا لصالح أميركا”.
ويقول الكاتب إنه “خارج السعودية، فإن الصين وعدت بمبلغ 23 مليار مساعدات لتنمية المنطقة خلال منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، وزار الرئيس الصيني الإمارات الشهر الماضي؛ لمناقشة التعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي؛ وذلك لأن 60% من التجارة الصينية مع أوروبا وأفريقيا تمر عبر الإمارات، بالإضافة إلى كون العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول الخليج تبدو واعدة وهناك مؤشرات بقبول متزايد للنفوذ الصيني”.
ويشير دانيالز إلى أنه “من ناحية عسكرية فإن الصين قامت مؤخرا بزيادة الدوريات البحرية بالقرب من خليجي عمان وعدن، كما أن الصين أنشأت قاعدة في جيبوتي؛ بهدف حماية التجارة والمصالح التجارية في المنطقة، وقد يكون ذلك بهدف بناء وجود عسكري طويل الأمد، بالإضافة إلى أن بإمكان الصين أداء دور بناء في العمليات البحرية، مثل مكافحة القراصنة والتهريب، إلا أن أميركا وقواتها البحرية ستراقب التطورات عن كثب”.
ويستدرك الباحث بأن “استعداد بكين للتعامل مع طهران قد يكون إشكاليا للتعاون في المجال الأمني، حتى في الوقت الذي تعزز فيه الصين من وجودها العسكري، بالإضافة إلى أن علاقات الصين بايران تمنعها من التقرب من الدول العربية، لدرجة تجعلها تشكل تهديدا لأميركا بصفتها قوة أمنية مهيمنة في المنطقة، وما دامت بكين قريبة من طهران، فإنه لا يتوقع أن تذهب السعودية للصين إلا لشراء بعض الطائرات المسيرة وبعض المعدات اللازمة للعمليات الخاصة، وغير ذلك من المعدات العسكرية على المدى القصير”.
روسيا والصين: تنافس أم تعاون؟
ويرى دانيالز أن “دور روسيا، بصفتها قوة خارجية أخرى في المنطقة، تجاه الصين، يستحق أن يدرس، فقد استولت روسيا على مقعد قيادة جيد في سوريا، حيث حاولت التخفيف من التوتر بين إسرائيل وإيران ووكلائها ونظام الأسد على الحدود الجنوبية الغربية، وإن كان نجاحها في تحقيق ذلك مشكوكا فيه، لكن وساطة بوتين بين الإيرانيين وإسرائيل أصبحت حديث الكرملين”.
ويلفت الكاتب إلى أن “الصين عملت بالتعاون مع روسيا في سوريا، واستمرت في دعمها لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وفي إعاقة أي محاولة للأمم المتحدة للتدخل في سوريا منذ بدايات الحرب الأهلية، وفي الوقت الذي يمكن فيه للصين أن تؤدي دورا مهما في إعادة بناء سوريا فإنه يبقى من غير الواضح إن كانت بكين مستعدة لفعل ذلك”.
ويقول دانيالز: “يتوقع أن يبقى دعم روسيا والصين لإيران محدودا، وليس واضحا إن كان أي من البلدين قد يدعم حقيقة إدخال إيران إلى منظمة تعاون شنغهاي، مثلا، لكن السياسة تجاه طهران ستبقى ورقة ضغط في يد كلاهما يمكن استخدامها لمضايقة أمريكا”.
ويذهب الباحث إلى أن “مبادرة الحزام والطرق الصينية ستكون مجالا جيدا لمراقبة ديناميكية العلاقة بين روسيا والصين، بالإضافة إلى أن استثمار الصين في البنية التحتية في إيران قد يعزز إمكانية إيران لتصدير الغاز الطبيعي المسال مع خروج الشركات الأوروبية، إلا أن العقوبات الثانوية ستحرم إيران من الأسواق الأوروبية، وبالنسبة لروسيا فهذه نتيجة مرضية، وستحاول إبقاء الغاز الإيراني يتدفق ناحية الشرق؛ لتشدد هي من خناقها على الأسواق الأوروبية، وواضح أن هذا الوضع يناسب كلا من الصين وروسيا، لكن الصين تستخدم إيران لتطوير الطرق التي تتجنب الأراضي الروسية، تاركة روسيا خارج الاستفادة من مشروع الحزام والطرق”.
وينوه دانيالز إلى أن “هناك سلبيات عدة بالنسبة لأميركا، ففي ظل الهجمات المالية والخطابية لإدارة ترامب، فإن الدعم المستمر من الصين قد يؤدي إلى اتحاد الفصائل السياسية الإيرانية، وتقويض أهداف السياسة الأميركية من احتواء جهود إيران لبسط نفوذها في المنطقة، ومع أن السياسة الأميركية تجاه إيران قد تحظى بتأييد شركاء أميركا في المنطقة، إلا أن أميركا تخاطر في تصعيد الصراع مع الصين بصفته ثمنا لفرض العقوبات الثانوية، ومن وجهة نظر استراتيجية فإنه يجب على أميركا أن تأخذ في عين الاعتبار إن كان من الحكمة تحييد إيران كونها مصدرا بديلا للغاز الطبيعي لأوروبا، وإن كان ذلك سيصب في مصلحة روسيا ويعرقل هدف توحيد الحلفاء الأوروبيين ضد الكرملين”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه “بالنظر إلى أن واشنطن تركز على منطقة المحيط الهندي والهادئ، كونها مسرحا للفرص الاقتصادية وصراعات القوى العظمى المستقبلية، فإن على إدارة ترامب أن تسأل نفسها إن كانت هذه هي المعركة مع الصين التي تريد أن تخوضها”.