نشرت صحيفة “إندبندنت” مقالا للمعلق روبرت فيسك، يقول فيه إن إسرائيل تقوم ببناء ألف منزل آخر على الأرض الفلسطينية.
ويقول الكاتب إنه “في الأسبوع الذي توفي فيه يوري أفنيري، المعادي للاستعمار، في تل أبيب أعلنت الحكومة الإسرائيلية توسيعا لمشروعها الاستيطاني الكبير في الضفة الغربية المحتلة، وقالت إن الخطة لبناء 1000 (بيت) جديد في (المستوطنات) اليهودية أصبحت في مراحل متقدمة، ولا تزال هذه الكلمات المفروض علينا استخدامها لعمليات سرقة الأرض هذه -كما تمت المصادقة النهائية لبناء 382 بيتا آخر- ويعيش اليوم حوالي 600 ألف يهودي إسرائيلي في حوالي 140 مستعمرة، تم بناؤها على أراض ترجع ملكياتها لشعب آخر، الفلسطينيين في الضفة الغربية أو القدس الشرقية”.
ويشير فيسك في مقاله، الذي ترجمته “عربي21“، إلى أن “هذه أصبحت حالة طبيعية بالنسبة لآخر صراع استعماري، وتعب من الأرقام وردود فعل باهتة على مشاريع البناء الضخمة على الأراضي الفلسطينية، ولم يعد توثيق السطوح الحمراء التي تملأ رؤوس الجبال في الضفة الغربية والمسابح والحدائق والشوارع والمتاجر والبساتين، التي تحاط كلها بمساحات كبيرة من السلك الشائك والآن الجدار الكريه، بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الشرق الأوسط (أخبارا)، لكنها روتين متعب، بل إحصائية أو سجل لسرقة الأراضي، قصة يجب تحديثها بعد كل إعلان عن (مستوطنة) جديدة، وما يتبع ذلك من احتجاج من الفلسطينيين الذين سلبت أرضهم ومن السلطة الفلسطينية البائسة والفاسدة، وهذا ينطبق أيضا على المجموعات الإسرائيلية الناشطة واليسارية، مثلا بيت سليم وكتلة السلام التي ينتمي إليها أفنيري، الذين ناضلوا بشجاعة لقول الحقيقة عن هذا الشكل الفريد من العدوان”.
ويقول الكاتب: “لم يحصل في حقل حقوق الإنسان أن يكون عدد كبير مدين بشكل كبير لعدد قليل، فارتفع عدد المستوطنين من 80 ألفا في وقت اتفاق أوسلو عام 1993 إلى 150 ألف خلال سبع سنوات، فكل واحد من أولئك السبعين ألفا قام (بخطوة أحادية الجانب) ممنوعة، إذا استخدمنا تعابير اتفاق أوسلو، عندما قام بدخول بيته، لكن ذلك لا يهم”.
ويلفت فيسك إلى أن “المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تنص على أنه (لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها)، وقال مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومحكمة العدل الدولية، بأن المادة 49 تنطبق على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ولكن ذلك أيضا لا يهم”.
ويبين الكاتب أنه “أعلن أحيانا عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ليس فقط بصفته عودة إلى الأراضي التواراتية، لكن عقوبة للفلسطينيين، ففي 2012 أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بناء 3000 وحدة استيطانية جديدة؛ ردا على قرار الأمم المتحدة منح فلسطين صفة مراقب، وهذا الأسبوع أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي أخجلت لغته زملاءه من اليمين، بأنه سيقوم ببناء 400 وحدة استيطانية؛ كرد فعل على قتل مدني إسرائيلي على يد فلسطيني في مستوطنة آدم”.
ويعلق فيسك قائلا: “لا أحد يختلف في موضوع عنف المجموعات الفلسطينية، ولا في أن الجدار الكريه، الذي يأخذ المزيد من الأراضي الفلسطينية، منع دخول الانتحاريين إلى ما نسميه (إسرائيل الحقيقية)، أي إن الضفة من المفترض أنها (إسرائيل غير الحقيقية)، وفي الواقع لقد أصبحت المستوطنات والجدار ملازمين للاحتلال”.
ويفيد الكاتب بأن “العالم يوناتان مندل من جامعة كامبريدج أوضح تلك الظاهرة بشكل مبهر للبساطة والأمانة التي ميزت الإيضاح: (مستوطنة واحدة شكلت فقط بداية مشروع التحصين)، ولم تكن كافية بنفسها، فالمنطق يقتضي أن تبنى مستوطنات أخرى حولها، ثم لتأمين التجمعات الاستيطانية الجديدة كان لابد من إقامة طرقات تربط بين تلك المستوطنات، لكن لحماية الطرقات، كان لا بد من بناء المزيد من المستوطنات عليها، وكذلك الجدار الذي يحمي الإسرائيليين من الفلسطينيين، بالإضافة إلى حماية الدوريات التي تحمي الأسيجة المحيطة بالمستوطنات التي تحمي الطرقات التي بمجموعها، وبشكل عجيب تحمي المواطنين الإسرائيليين في حيفا وتل أبيب وبئر السبع”.
ويورد فيسك نقلا عن مندل، قوله إن الخطة التي “تنتهي ببناء طبقة فوق طبقة من الأمن لتأمين الأمن، تهمل حقيقة أن المستوطنين والمستوطنات سببان مركزيان للتهديد الأمني، وتحريض كبير للفلسطينيين، أي إن تلك الضرورة الأمنية هي واحدة من أكبر التهديدات لأمن إسرائيل”.
ويجد الكاتب أنه “إذا كان هذا التحليل الذي يكاد يكون هزليا يمنع الصحافة من مهمتها الأساسية في شرح الحقائق بطريقة يمكن استيعابها -لأن الصيغة الرسمية الإسرائيلية والأمريكية للاحتلال بعيدة البعد كله عن الحقيقة- فرد الحكومة الأمريكية لعملية السلب غير الشرعية أضافت لعدم استعدادنا لمواجهة الحقيقة”.
ويقول فيسك: “خذ مثلا تعليق وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت عندما زارت الشرق الأوسط عام 1997، عندما حثت إسرائيل على (الامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب)، بما في ذلك (ما يراه الفلسطينيون تمددا استفزازيا للمستوطنات واستيلاء على الأراضي وهدما للبيوت ومصادرة للهويات)، فأصبحت المستعمرات ومصادرة الهويات وسرقة الأملاك في قاموس أولبرايت مجرد أمور (ينظر إليها الفلسطينيون على أنها استفزازية)، أفلم تر أن تلك الأفعال مخالفة للقانون الدولي ومخزية أخلاقيا ووحشية، ناهيك عن أنها مستفزة؟ كيف وقد وصف أرييل شارون (المستوطنين) عام 2001 بأنهم (عنصر جيد في المجتمع الإسرائيلي)؟”.
ويرى الكاتب أنه “لذلك واجهنا لغة استعمارية جديدة: (حقائق على الأرض)، وهي عبارة وضعها الإسرائيليون، وقال جورج بوش الابن في رسالته لشارون عام 2004: (الحقائق الجديدة على الأرض) و(الأحياء) و(الضواحي) و(المراكز السكانية)، وكلها في الضفة الغربية التي لم تعد الإشارة إليها على أنها (أراض محتلة)، بحسب منع وزير الخارجية كولين باول، لكنها (أراض متنازع عليها)، وإن لم يكن الإسرائيليون موجودون في أراض (محتلة)، لكن في أراض (متنازع عليها)، فبالتأكيد يعني هذا أن معاهدة جنيف لا تنطبق.. وهكذا دواليك”.
وينوه فيسك إلى أنه “في هذه الأراضي المتنازع عليها هناك (هجمات إرهابية) عندما يقوم الفلسطينيون بمهاجمة الإسرائيليين، لكنها تصبح (اشتباكات قاتلة) عندما يطلق الإسرائيليون النار على الفلسطينيين، والجدار ليس جدارا، لكنه (عازل)، أو (سياج)، أو (عازل أمني)، أو (سياج أمني)، والتوقف عن الاستعمار يصبح (تجميدا)، وما أفضله شخصيا (استراحة)”.
ويقول الكاتب: “يسألنا القارئ البريء -نحن الذين نقلنا هذه الأخبار التي ليس لها معنى- لماذا يستخدم العرب العنف ضد (مستوطنة) بريئة تقوم على أرض (متنازع عليها) وحولها سياج؟ بالتأكيد يمكن حل هذه المشكلة البسيطة على كاسة من الشاي أو باللجوء لمحامين؟ إلى هذه الدرجة سخفنا صراعا رهيبا، وحتى باراك أوباما في خطابه الشهير في القاهرة تحدث عن (تشريد) و(اقتلاع) الفلسطينيين بدلا من السلب والنفي، وكأن الفلسطينيين استيقظوا صباح يوم ورأوا الجو مناسبا فقرروا زيارة الشاطئ في غزة، أو قضاء عطلة في لبنان، ثم لم يستطيعوا العودة لبيوتهم ثانية”.
ويختم فيسك مقاله بالقول: “قال لي أفنيري قبل ستة أعوام إن الأمور تبدو غير مشجعة، وكانت أكثر في الأسبوع الذي توفي فيه للأسف، وكان حانقا من نتنياهو وترامب وجاريد كوشنر وليبرمان، لم يكن يؤيد حركة المقاطعة، لكنه قال في 2012: (أعتقد أنه ستكون هناك نقطة تحول على الطريق، مثل سقوط حائط برلين، الذي لم يتوقعه أحد حتى في اليوم السابق له)”.