نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرا حول استعداد علماء الآثار والمنظمات غير الحكومية لإرجاع ما ضاع من تاريخ مدينة الرقة بعد سنوات من الدمار تحت حكم تنظيم الدولة، وبعد انسحاب الجيش النظامي من المدينة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21“، إن بعض الجماعات المعارضة في الذاكرة الحديثة جعلت من التدمير الوحشي للتراث الثقافي جزءا مركزيا من أيديولوجيتها، وكان تنظيم الدولة من أبرز هذه الجماعات.
وذكر الموقع أنه في وسط المدينة، التي كانت يوما ما مركز الخلافة التي أعلنها التنظيم بشكل أحادي، يقع متحف الرقة الذي يحمل رمزية ماضي المدينة ويحفظ بين جدرانه الحجرية آلاف السنين من التاريخ. وفي الوقت الحالي، ينتصب هذا المتحف، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى الحقبة العثمانية، وسط الخراب وقد بعثرت مجموعته الثمينة في شتى أنحاء العالم على أيدي جامعي القطع الخاصة ومنظمات التهريب غير المشروعة في حين لا يزال يقبع بعضها في مخازن دول العبور.
كانت الحملة التي دعمتها الولايات المتحدة بهدف دحر تنظيم الدولة وطرده من الرقة خلال السنة الماضية، واحدة من أكثر الحملات المدمرة في تاريخ الحروب الحديثة؛ نظرا لأن عدد القنابل التي سقطت على المدينة يفوق أي معركة أخرى منذ حرب فيتنام. لم يسلم متحف الرقة من التفجيرات ومن الاشتباكات العنيفة على أرض المعركة بين قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة ومقاتلي تنظيم الدولة.
ونقل الموقع عن الباحث في جامعة همبولت من معهد الآثار الآسيوي في جامعة فراي في برلين، أوليفييه نيوفينهوس، أنه “قبل تحرير الرقة، انفجرت قنبلة في الساحة الموجودة أمام المتحف، وقد ألحقت أضرارا جسيمة بالمبنى وبما يوجد داخله”. كما عمل الباحث على توثيق مجموعة الآثار التي كانت موجودة قبل الحرب في متحف الرقة.
وأورد الموقع أن منظمة “فوكوس رقة”، التي ينتمي إليها نيوفينهوس، قد وضعت فهرسا مفصلا لكل عنصر موجود في مجموعة المتحف الموسعة، بما في ذلك القطع الأثرية التي تم نقلها إلى قبو بنك قريب. لقد دمرت الحرب النسيج الثقافي في الرقة، ولكن يؤكد نيوفينهويس أن هناك بوادر أمل. ففي أوائل شهر حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت هيئة المجلس المدني للسياحة وحماية الآثار عن قيادتها لجهود إعادة إعمار هذا المتحف.
وفي حوار له مع الصحفي باريت ليموغس التابع لمنظمة “سوريا على طول”، ناقش عالم الآثار أوليفييه نيوفينهوس الجهود المحلية لاستعادة التاريخ المفقود بعد سنوات من حكم تنظيم الدولة الذي دمر الآثار ونهبها. وفي هذا السياق، قال عالم الآثار “لقد كان المتحف بمثابة كنز من المعلومات عن ماضي سوريا، التي كانت تكفي لإجراء البحث العلمي على مدى قرون”.
وردا على سؤال الصحفي بشأن التوقيت الذي سيطر فيه تنظيم الدولة لأول مرة على متحف الرقة، أجاب نيوفينهويس قائلا إنه من الخطأ تسليط الضوء بشكل حصري على تنظيم الدولة. فقد سقطت الرقة، أو بمعنى أصح خرجت عن سيطرة الحكومة بشكل تدريجي. ففي البداية، سقطت المدينة بيد قوات المعارضة، لتصبح بعد ذلك تحت إشراف تنظيم الدولة. وبالنسبة للمتحف، إن هذا التفصيل مهم لأن النهب وقع أيضا خلال فترة تواجد المعارضة.
وأضاف عالم الآثار أنه “قبل مغادرة الحكومة، شحن الموظفون في المديرية العامة للآثار والمتاحف بعناية ما استطاعوا من قطع وأعدوا قوائم جرد بكل القطع الموجودة. كما تم حفظ بعض القطع في البنك المركزي في الرقة، واحتفظ بقطع أخرى في غرفة آمنة داخل المتحف. وقد تم تخزين الجزء الأكبر، بما يقدر بعشرات الآلاف من القطع، في مستودع منفصل على مشارف الرقة، في بلدة هرقلة”.
وأوضح عالم الآثار أنه “عندما جاء تنظيم الدولة في الأخير، بعد سنة 2013، ساء الوضع بشكل مأساوي. فقد دمر مقاتلوه عمدا القطع الأثرية في جميع أنحاء المدينة. وحولوا المتحف إلى قاعدة عسكرية متقدمة. ثم اتضح بعد تحرير المدينة، أنه لم يتبق شيء من المجموعات الموجودة في المبنى”.
وفي سؤال الصحفي عن الجهود المبذولة لتعقب القطع الأثرية واستعادة القطع المسروقة، أكد نيوفينهويس “لا يستطيع علماء الآثار فعل الكثير لتعقب القطع المنهوبة. لكن هذا لا يمنعنا من المحاولة”. وأضاف نيوفينهويس أن “علماء الآثار في جميع أنحاء أوروبا واليابان والولايات المتحدة قد كونوا شبكات لتحديد القطع التي يحتمل أنها قد نهبت في سوق الفن، أي في دور المزادات وعلى مواقع الإنترنت المختصة والمتاحف”.
وبين نيوفينهويس أن عملية تعقب الآثار من شأنها أن تساعدهم على تحديد مكان القطع التي يُحتمل أنها نهبت من العراق أو سوريا، ومن المتوقع أن يساعد عناصر الشرطة على مصادرة القطع المسروقة. وحسب ما أفاد به نيوفينهويس “تعقد اجتماعات مع منظمات تمثل تجار الفن لتحسين مدونات قواعد السلوك. وفي الوقت الحالي، يتم العمل على تغيير هياكل القانون الوطني لتعزيز قوة الشرطة للتدخل والمصادرة”.