توصف العلاقات المصرية الأمريكية، بالوثيقة والاستراتيجية؛ خاصة على المستوى العسكري، حيث تُقدم واشنطن لمصر نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.
وفى الأسبوع الماضى أفرجت واشنطن عن مساعدات عسكرية للقاهرة، بقيمة 195 مليون دولار، كانت قد علّقتها لأسباب تتعلّق بـ”انتهاكات حقوقية”، وقوانين تخص الجمعيات الأهلية في مصر، وعَزت الخارجية الأمريكي ذلك إلى “استجابة” مصر لمخاوف أمريكية (لم تحددها)، خلال عام من التواصل بين البلدين، وهو ما رحبت به نظيرتها المصرية، وفق تصريحات لمتحدثها أحمد أبو زيد.
لكنَّ ثلاثة خبراء؛ أحدهما عسكري والآخر سياسي والثالث حقوقي، استبعدوا ارتباط القرار بالوضع الحقوقي في مصر.
وطرح الخبيران السياسي والعسكري ثلاثة أسباب وراء القرار الأمريكي، مرتبطة بمتأخرات تمويل على الحكومة الأمريكية بالنسبة لصفقات سلاح تم توريدها للجيش المصري في فترات سابقة، وتعهد مصري بقطع العلاقات مع كوريا الشمالية، والتعقيدات الأمريكية الأخيرة في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
واستبعد الخبراء، وجود علاقة بين الإفراج عن المساعدات العسكرية، والأوضاع الحقوقية بمصر.
وأشار العميد المصري المتقاعد بالجيش المصري، صفوت الزيات، لعقد الكونغرس الأمريكي، لجنة استماع عن مخالفات لحقوق الإنسان بمصر، بالتزامن مع الإعلان عن إعادة الجانب المستقطع من المعونات العسكرية.
بدوره، قال الحقوقي المصري البارز، نجاد البرعي، في سلسلة تغريدات بموقع “تويتر”، الخميس، إن “العلاقات العسكرية الأمريكية المصرية غير قابلة للمساومة والاهتزاز لأنها تحقق مصالح الدولتين، ولا علاقة لحقوق الإنسان بالموضوع“.
وأضاف، أن من الأسباب الجزئية لعودة المساعدات “توصل الحكومة المصرية ومنظمات أمريكية (لم يسمها) إلى اتفاق أدى لإلغاء أحكام بحبس عدد من العاملين بها بمصر، وتحديد ميادين عمل تلك المنظمات والجهات التي ستتعاون معها“.
وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب بشأنه من السلطات المصرية.
كما استبعد المحلل المصري، مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، البعد الحقوقي في عودة المساعدات.
وأوضح غباشي، أن واشنطن غير غاضبة من القاهرة، حيث الوضع الحقوقي المصري لم يتغير، بخلاف تعليقات كثيرة من منظمات حقوقية دولية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بشأنه.
وذكر بعض الخبراء وجود 3 أسباب أدت لعودة المعونات الأميركية لمصر وهى:
فيما يتعلق بالسبب الأول، قال العميد الزيات، إن عودة المساعدات “مسألة تخص الولايات الأمريكية ذاتها، حيث هناك عقود مسبقة لصفقات سلاح، الحكومة الأمريكية تقوم بدفع أثمانها للجهات الأمريكية المصنعة“.
وأضاف: “هناك دافع رئيسي يتمثل في المسألة المادية، ومتأخرات التمويل بحق الحكومة الأمريكية بالنسبة لصفقات تسليحية، تم توريدها للجيش المصري في فترات سابقة“.
والسبب الثاني كوريا الشمالية ففي أغسطس 2017، ألمحت الخارجية الأمريكية، إلى أن قرار حجب جزء من المساعدات الممنوحة لمصر، ربما يكون بسبب تعاون القاهرة مع بيونغ يانغ.
وفي هذا الصدد، قال الزيات، إن “زيارة وزير الدفاع السابق صدقي صبحي إلى كوريا الجنوبية، في أعقاب الانتقادات الأمريكية، وتعهد مصر بقطع علاقاتها العسكرية مع بيونغ يانغ، ربما كانت عاملًا مؤثرًا في استئناف المساعدات“.
وفي سبتمبر من العام ذاته، نقل بيان لوزارة دفاع كوريا الجنوبية (لم تُعلّق عليه السلطات المصرية)، أعلن فيه وزير الدفاع المصري السابق، قطع العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية.
ولاحق ذلك إدانة مصرية لتجارب صاروخية لكوريا الشمالية، دعت فيها القاهرة، إلى وقف التصعيد والامتثال إلى قرارات مجلس الأمن الدولي.
لكنَّ المحلل السياسي غباشي، ابتعد عن الطرح السابق، لافتًا إلى تقارب أمريكي كوري شمالي مؤخرًا.
وفي يونيو الماضي، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ في سنغافورة، اتفاقًا لتفكيك البرنامج النووي الكوري الشمالي، وسط ترحيب دولي كبير.
وتم ايعاز السبب الثالث لطبيعة التعقيدات الأمريكية الحاصلة بالشرق الأوسط، رآها غباشي، دافعًا لفتح باب جديد مع مصر عبر الإفراج عن مساعداتها العسكرية للقاهرة.
وعزا ذلك، إلى وجود توتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، بجانب حراك خليجي يبحر بعيدًا عن واشنطن.
وضرب مثالًا بإطلاق الصين اتفاقيات عسكرية وسياسية مع الكويت والإمارات مؤخرًا، معتبرًا لغة واشنطن تجاه الخليجيين باتت “مزعجة“.
وتعتقد واشنطن، أن الصين من أهم المنافسين الاستراتيجيين لها على المدى البعيد، وتواجه علاقات البلدين أزمات متكررة ومشكلات عدة متراكمة.
وهناك توجه صيني ملحوظ، لتعميق وجوده في المنطقة العربية في سياق التنافس مع واشنطن.
وبناءً على ذلك، رأى غباشي، دوافع أمريكية للإفراج عن مساعداتها العسكرية المجمدة مع مصر.
كما أشار إلى تعقيدات كثيرة تعرّضت لها واشنطن بالمنطقة، كالقضية الفلسطينية واستهداف مضيق باب المندب (جنوبي البحر الأحمر)، والتغلغل الإيراني في المنطقة، بحاجة إلى دور مصري فعَّال.
وبخلاف عدة أزمات بارزة، وصلت لحد الصراع العسكري، خاصة في سوريا وليبيا واليمن، شهد مضيق باب المندب توترات عسكرية، الأسبوع الماضي؛ إثر إعلان السعودية تعرض ناقلتين لهجوم حوثي قرب سواحل اليمن.
لكنَّ الزيات، قال إن قدرة تأمين باب المندب لا يملكها في العالم إلا دولة بقوة الولايات المتحدة، مستبعدًا دورًا مصريًا في هذا الصدد.
وذكر غباشي أن التهدئة مع مصر في هذه المرحلة مقابلًا إزاء التراجع عن تجميد المساعدات العسكرية.
بينما رأى الزيات، أن الحديث عن حاجة الولايات المتحدة إلى مصر في المسائل العسكرية والسياسية، واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (1979)، بات ليس بالدرجة الأولى حيث تملك من التسهيلات في منطقة الخليج ما يستبعد حاجتها لدور مصري.
الأمر الآخر، وفق الزيات يتمثل في أن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، أصبح الجانبين أشد التزامًا بها من واشنطن.
وإزاء تهديدات تجميد المساعدات لمصر، شدد غباشي على ضرورة تغلّب مصر على قرارات مشابهة مستقبلًا، على أن تكون الرسالة المصرية: نحن دولة كبيرة، ودولة التزام في المنطقة علينا عن أن نستغني عن تلك المعونة.