نشرت صحيفة “فيلت” الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على التقارب الذي يظهره ترامب تجاه روسيا. ومنذ فترة، كشفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن اليد الخفية لروسيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وعلى الرغم من الشكوك حول نتائج الانتخابات، لا زال الرئيس الأمريكي يظهر صداقة لا يمكن فهمها نحو روسيا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21“، إنه منذ تولى دونالد ترامب الحكم، لم يوجه أي خطاب عدائي تجاه روسيا، وكأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد روضه بشكل جيد. وفي الأثناء، تستعد الولايات المتحدة لتوجيه اتهامات لنحو 12 مسؤولا استخباراتيا روسيا، ما قد يؤدي لانفجار الوضع بين البلدين. وتدور هذه الاتهامات حول التلاعب بنتائج الانتخابات الأمريكية.
والجدير بالذكر أن مجموعة من العملاء التابعين لمديرية المخابرات الرئيسية في روسيا باختراق خادم الحاسوب التابع للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، ونشر رسائل خاصة بهيلاري كلينتون على صفحات الإنترنت. في الوقت ذاته، طالب دونالد ترامب من الروسيين مساندته علنا في إحدى خطاباته الانتخابية. ومن جانبها، أنكرت روسيا كافة الادعاءات حول تدخلها، كما نفى ترامب أي مزاعم حول وجود تواطئ بينه وبين الروس.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك ثلاث فرضيات حول تقارب دونالد ترامب الجلي من روسيا. وتحيل الفرضية الأولى إلى أن ترامب وبوتين يتشابهان في سياستهما الخارجية ولديهما مصالح عالمية مشتركة. في الحقيقة، يؤمن ترامب أننا نعيش في غابة، يتصارع فيها الجميع. وبالتالي، يجب التقرب من القوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة، مثل روسيا والصين. كما يميل ترامب عادة إلى الرؤساء الاستبداديين.
وأوضحت الصحيفة أن ترامب يقسم دول العالم إلى قسمين، الدول القوية التي يجب أن يؤسس معها شراكات، والدول الضعيفة، التي يجب إجبارها على إبرام اتفاقيات لا تصب في صالحها. وبالطبع، تتعارض تلك النظرة مع النظام التعددي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ويرى ترامب أن هذا النظام يكبل القيادة الأمريكية، حيث يرغب في ممارسة ضغوط على الدول الضعيفة للحصول على صفقات أفضل، وبالأخص في المجال التجاري. ولذلك، يبغض ترامب الاتحاد الأوروبي لأنه قوي، بينما يرحب بأن تستقل كل دولة عن الأخرى، حتى تصبح ضعيفة.
ويبدو أن كلا من ترامب وبوتين يتفقان في نظرتهما لأوروبا، فشعار “أمريكا أولا”، يعد شبيها بذلك السائد في الكرملين ولكن تحت مسمى “الليبرالية الجديدة”. فمن جانب، يطمح بوتين إلى إعادة تأسيس الإمبراطورية السوفييتية مرة أخرى، وبالطبع، تعتبر تلك الفكرة مستبعدة في ظل اتحاد أوروبي قوي. كما يرى ترامب أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يكون تابعاً لواشنطن. ويطمح الرئيس الأمريكي إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بينه وبين روسيا والصين.
وأبرزت الصحيفة أن ثاني هذه الفرضيات، يشير إلى أن بوتين لديه أدلة مادية قوية تدين ترامب. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، حاول ترامب أن يمد مجال تجارته إلى روسيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقا. وخلال التسعينيات، تعرضت بعض شركات ترامب للإفلاس، ورفضت البنوك الأمريكية منحه أية قروض، ولم يجد ملجأ سوى البنك الألماني، وكذلك، روسيا. ففي أحد المؤتمرات العقارية سنة 2008، قال دونالد ترامب الابن، إن “الروسيين يملكون أسهما كثيرة ضمن استثماراتنا، وهناك الكثير من الأموال التي تتدفق من روسيا”.
وأردفت الصحيفة أن الروس يستثمرون بالفعل في شركات ترامب الموجودة في فلوريدا ونيويورك، وتحوم حول تلك الشركات شبهات غسيل أموال. ويربط ترامب وأصدقاء بوتين المقربين، على غرار أراس أغالاروف وفيلكس سيتر، علاقات تجارية وطيدة. وعند إجراء تحقيقات مع ترامب حول مصدر أمواله، أعلن بشكل صريح أن الوضع المالي له ولعائلته “خط أحمر”.
وفي الوقت الحالي، يخشى ترامب أن يبوح محاميه الخاص، مايكل كوهين، بكافة أسرار تعاملاته القذرة مع الروس، وخاصة في ظل ضغط مكتب التحقيقات الفدرالي عليه. وفي حال كان هناك تعاملات قذرة، فمن المؤكد أن بوتين على دراية بها.
وأضافت الصحيفة أنه من المرجح أن يكون الكرملين قد قام بجمع بعض الأدلة التي تدين ترامب خلال زياراته التجارية السابقة لروسيا. ففي الغالب، يعد ذلك دأب أجهزة المخابرات الروسية، عند زيارة أي شخصية أجنبية لها، حيث تعمل على جمع الأدلة حوله، لتبتزه في وقت لاحق. وتعتبر التسجيلات الجنسية أشهر تلك الأدلة التي يجمعها الروس حول ضيوفهم. وبالطبع، يجب على ترامب أن يدفع مبالغ طائلة من أجل إخفاء تلك التسجيلات. ومن أشهر ما عرف عن النشاطات الجنسية لترامب، “الدش الذهبي” في أحد غرف فندق ريتز كارلتون في موسكو.
وذكرت الصحيفة أن الفرضيات الأولى والثانية قد تكونان أقرب للواقع من الفرضية الثالثة، التي تفيد بأن ترامب يعتبر أحد مصادر المخابرات الروسية. في الواقع، لا توجد أدلة مادية ملموسة على تلك النظرية. ولكن في ثمانينات القرن الماضي، أقنع السفير السوفييتي ترامب بالسفر إلى الاتحاد السوفييتي وإقامة مشاريع تجارية، وفي ذلك الوقت، لم يكن لترامب أي طموحات سياسية.
وبعد عودته بشهرين من الاتحاد السوفييتي، أنفق ترامب نحو 100 ألف دولار لنشر بيان سياسي في كافة الصحف الأمريكية، يطالب فيه الإدارة الأمريكية بالتوقف عن تقديم المساعدات لدول أخرى. ومنذ فترة طويلة، تسعى روسيا لفك الروابط بين الولايات المتحدة وحلفائها بهدف إضعافها. ويبدو أن ترامب أحد المؤيدين لخطة روسيا، وهو ما أكدته مصادر استخباراتية مطلعة.
وأوردت الصحيفة أن هناك مصادر غربية حذرت الأمريكيين أثناء الانتخابات الرئاسية من أن ترامب وقع تمويله من قبل روسيا. في هذا الشأن، قال الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مايكل موريل، إن ترامب هو “العميل الخفي” لموسكو. والجدير بالذكر أنه حسب تقارير نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت”، بعد تولي ترامب الرئاسة، حصل الموساد على توصيات من المخابرات الأمريكية بعدم مشاركة أي معلومات حساسة مع الرئيس الأمريكي.
إلا أن عملاء الموساد لم يأخذوا بالنصيحة، وأطلعوا ترامب على معلومات حساسة للغاية، قام الرئيس الأمريكي مباشرة بنقلها إلى وزير الخارجية الروسي في أول لقاء جمع بينهما في البيت الأبيض، ليثبت ولاءه لروسيا، ويخبرهم أنه استحق الأموال التي أنفقوها عليه.
وفي الختام، شددت الصحيفة على أن فرضية المؤامرة الأخيرة تعد الأقل ترجيحا من بين الفرضيات الثلاثة، ولكنها الأقرب لتفسير التقارب الروسي الأمريكي. كما تبرر اللقاء الخاص الذي جمع بين الرئيسين في هلسنكي، دون وجود مستشارين.