أكدت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن عمالقة النفط في العالم يزودون دولا إفريقية بمحروقات مختلطة بمواد كيميائية خطيرة على الصحة.
وتستورد منطقة غرب أفريقيا ما يطلق عليه سماسرة تجارة النفط “بالجودة الأفريقية”، أي منتجات نفطية رديئة الجودة ممزوجة بمواد كيميائية عالية يتم نقلها في صهاريج ناقلات متهالكة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21”، إنه على الأرجح أنه في القريب العاجل، سيتم إيقاف عمليات تسميم غرب أفريقيا بالبنزين والديزل، الذي يحتوي على جسيمات دقيقة، والذي تستورده بكميات كبيرة من عمالقة تجار المحروقات.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الصادرات من المحروقات تحتوي على كمية من الكبريت أكثر بنحو 200 إلى ألف مرة من الكمية التي أقرتها المعايير الأوروبية، الأمر الذي له عواقب وخيمة على الصحة، في حين أنه ذو فوائد جمة بالنسبة لأصحاب ناقلات النفط.
وأضافت الصحيفة: “تم إزاحة الستار عن هذه الفضيحة عبر تحقيق دقيق أجرته المنظمة السويسرية “بوبليك آي” خلال شهر أيلول / سبتمبر من سنة 2016″.
وأفادت الصحيفة أنه هذه المرة، لا يتعلق الأمر “بدعاية” تروج لها المنظمات غير الحكومية ولا نشطاء متعاطفون مع البيئة، كما يحاول التجار التابعون للشركات الكبرى، المتخصصة في تصدير هذا “الديزل القذر” غير القابل للبيع لا في أفريقيا ولا في مكان آخر، التسويق له.
وفي تقرير رسمي نشر يوم الاثنين 9 يوليو/ تموز، أكدت تفقدية البيئة البشرية والنقل في هولندا أن “الوقود المصدر نحو غرب أفريقيا مختلط إلى حد كبير”.
وأحالت الصحيفة إلى أنه بعد إجراء تفتيش لأربع وأربعين ناقلة متجهة إلى غرب أفريقيا، اكتشفت الشرطة البيئية الهولندية استخداما “على مستوى عال” لمادة “المنغنيز والبنزين”، وهي مواد مسرطنة بشكل كبير.
واتضح للشرطة البيئية الهولندية أن الوقود المخصص للتصدير نحو هذا الجزء من العالم يحتوي على “300 مرة ضعف كمية الكبريت التي تسمح بها المعايير الأوروبية”، وذلك حسب ما كشفته منظمة بوبليك آي.
وفي الوقت الذي تجري فيه هولندا هذا التحقيق ليتم عرضه بعد ذلك على أنظار البرلمان في تاريخ غير محدد، حيث سيتم تقديم بعض الحالات غير القانونية للعدالة، يتم تصدير ما يقارب 50 بالمائة من المنتجات البترولية نحو غرب أفريقيا عبر موانئ أمستردام وروتردام بالإضافة إلى مدينة أنتويرب البلجيكية، وفقا لما أكدته الأمم المتحدة.
وقالت الصحيفة إن التحقيق الهولندي ذكر أسماء عشرات الشركات العملاقة المتخصصة في الوساطة في مجال النفط، لعل من أبرزها شركات سويسرية على غرار شركة “ويتول” وشركة “غانفور”، بالإضافة إلى الشركة الإنجليزية السويسرية “غلنكور”، وفروعها المختصة في تقديم الدعم في مجالات التكرير والتوزيع والتجارة.
وذكر التقرير الهولندي أيضا أسماء شركات نفطية عملاقة على اعتبارها من بين أبرز المتورطين ضمن هذه السلسلة من الشركات المصدرة للوقود السام.
وأضافت الصحيفة أن هذه العمليات تنفذ أحيانا في البحر حفاظا على السرية، أي على بعد أميال من الساحل الأفريقي والمدن الكبرى التي يعيش فيها 7 ملايين نسمة والتي يموت فيها، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، العديد من الأشخاص كل سنة نتيجة تعرضهم للأمراض الناجمة عن التلوث الذي تسببه الجسيمات.
وتسجل المدن الرئيسية في الغرب الأفريقي على غرار داكار ولاغوس أعلى معدلات التعرض للجسيمات الدقيقة مقارنة بالمدن الآسيوية الأكثر تلوثا في العالم.
ونقلت الصحيفة على لسان المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، النرويجي إريك سولهايم، أن “تزويد غرب أفريقيا بالوقود السام لا يمكن وصفه بأقل من فضيحة بيئية وصحية شاملة”.
وأضاف سولهايم، أن “الفكرة التي تحيل إلى أن بعض المناطق من هذا العالم لا تستحق الحماية نفسها التي تتمتع بها بقية المناطق، تعد رؤية صادمة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأمور بدأت تتغير بشكل تدريجي في غرب أفريقيا. فقد فتحت غانا، التي تعد من البلدان المنتجة للنفط، الطريق أمام اتباع التوصيات التي جاء بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ومنذ غرة شهر يوليو/ تموز سنة 2017، أضحت هذه الدولة تمتلك أكبر قدر من الوقود منخفض الكبريت، فقد بلغ الحد الأقصى 50 جزءًا في المليون مقابل 3000 جزء في المليون في السابق.
وأوردت الصحيفة، وفقا لمارك غينيا، أحد الممثلين عن منظمة بوبليك آي، أن “غانا قررت تبني تغيير جذري للبحث عن حل لمصفاتها التي لا تنتج وقودا يتوافق مع التوصيات الجديدة. وبدلا من إجبارها على إغلاق مصفاتها، يسمح لها بدمج إنتاجها من المحرقات بوقود مورد لكي يتطابق مع المعايير المتوافق عليها، الأمر الذي يجعل من غانا مثالا يحتذى به بالنسبة لباقي دول المنطقة”.
وذكرت الصحيفة أن دول كل من البنين وساحل العاج ونيجيريا وتوغو قد تعهدت بالحدّ بشكل كبير من نسبة الكبريت في الوقود المرخص وتطوير منشآتها القديمة بحلول شهر يوليو/ تموز من سنة 2017. لكن هذه الدول لم تحقق الأهداف المرسومة إلى الآن.
يشار إلى أن تنفيذ مثل هذه الخطط يختلف من بلد إلى آخر، حيث يرتبط الأمر بالضغوط التي تسلطها اللوبيات النفطية ومدى ارتفاع أسعار الوقود المستورد الذي يتم بيعه للمستهلك.
وقالت الصحيفة إن نيجيريا تنوي تركيز مصافي إلى موفى سنة 2021، للتكيف مع المعايير الجديدة. ومن المرتقب أن تستخدم 150 جزءا في المليون بعد أن كانت تعتمد 3000 جزء في المليون للديزل، في حين سيتم تطبيق هذه التغييرات خلال شهر تشرين الأول / أكتوبر سنة 2019 للبنزين. لكن هذه العملية ستكون مكلفة للغاية، حسب ما أدلى به أنيبور كراغا، المشرف على مصافي النفط في شركة البترول الوطنية النيجيرية.