بات شبح تراجع الاستثمار الأجنبي في مصر يهدد خطط الحكومة المصرية في زيادة حجم الاستثمار؛ لتوفير فرص عمل، وكسب ثقة المستثمرين، ورفع نسب النمو الاقتصادي، وسط توقعات باستمرار هذا التراجع، وفق تقديرات دولية، وآراء خبراء اقتصاد.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري، مؤخرا، تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي (2017-2018)، بنسبة 8.31%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام المالي السابق له بقيمة نصف مليار دولار، لتسجل 6 مليار دولار، مقارنة بنحو 6.5 مليار دولار.
وخفض صندوق النقد الدولي تقديراته لحجم الاستثمارات الأجنبية لمصر، حيث توقع أن يبلغ خلال العام المالي (2017-2018) نحو 7.8 مليار دولار، مقابل تقديرات سابقة عند 8.4 مليار دولار، كما عدّل توقعاته لصافي الاستثمارات الأجنبية خلال العام المالي 2018- 2019، إلى 9.5 مليار دولار، مقابل توقعات سابقة بنحو 9.9 مليار دولار.
لماذا غابت الاستثمارات؟
وعلق خبير أسواق المال، وائل النحاس، بالقول: “لا توجد في مصر استثمارات أجنبية حقيقية، والاستثمارات التي يتحدث عنها البنك المركزي المصري هي عبارة عن سداد أجزاء من مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مصر من دفعات قرض صندوق النقد الدولي، وفق أحد شروط الصندوق، والتي قامت الشركات بإعادة ضخها في السوق مجددا لاستمرار عملها”.
وأوضح في تصريحات لصحيفة “عربي21” أن “الدولة تحاول حتى الآن جذب استثمارات من الخارج وحتى الآن لم تنجح في ذلك”، مشيرا إلى أن “الاستثمارات الأجنبية عبارة عن شقين، الأول، استثمارات مباشرة وتتمثل في إقامة مشروعات ومصانع، وأخرى غير مباشرة، وهي عبارة عن أموال ساخنة، وتستخدم في السندات أ الخزانة بغرض التربح السريع، وهذا كلف الدولة المصرية أموالا باهظة”.
وعزا عدم قدرة مصر على جذب استثمارات أجنبية مباشرة رغم شهادة صندوق النقد الدولي، ومؤسسات التصنيف الدولي، إلى “وجود خطر كبير وداهم يتمثل في الدين العام من ناحية، وفي معدل الفقر من ناحية أخرى، وهما كفيلان بعدم جذب استثمارات أجنبية”.
واعتبر أن فكر حكومة مدبولي “لا يقوم على الاستثمار من الخارج؛ لأن اهتمامه كله منصب على قطاع الإسكان، ومجيئه على رأس الحكومة كان الغرض منه إنهاء مشروعات الإسكان الموجودة خلال الفترة الماضية، سواء كانت عاصمة إدارية، أو بنية تحتية، أو غيرها من المشروعات القائمة، وهي لا تقوم على فكرة الاستثمار من الخارج”.
بيئة طاردة للاستثمار
وقال الباحث الاقتصادي، عبدالحافظ الصاوي، لصحيفة “عربي21”: إن “الوضع في مصر فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يمثل حالة تنافسية للمستثمرين الأجانب؛ لأنها فقدت مقومين أساسيين من الحوافز التي كانت تقدمها لتلك الاستثمارات”.
وتابع: “الحافز الأول، كان يتمثل في دعم الطاقة، حيث كانت تأتي للاستثمار في صناعات كثيفة الطاقة، ولكن بعد تحرير أسعار الوقود وتوفيرها بالأسعار العالمية لم تعد السوق مغرية، والحافز الثاني، المزايا الضريبية التي كانت تقدمها مصر للأماكن الصناعية والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، والأماكن العمرانية الجديدة”.
وأردف قائلا: “تاريخ الاستثمارات الأجنبية في مصر يشير إلى أن قطاع النفط كان يستحوذ على 70% من تدفقات الاستثمار، والجزء الآخر كان يأتي في مشروعات الخصخصة، والثالث في الاستثمارات العقارية، وهي الآن تشهد حالة من التشبع خلال السنوات الأربع الماضية، وهناك توقعات بوجود فقاعة عقارية خلال الفترة القادمة”.
واختتم حديثه بالقول: “وبالتالي، فإن التعويل على الاستثمارات المباشرة هو تعويل لا يعتمد على الواقع، خاصة أن مصر تتمتع بمناخ استثماري سيئ؛ بسبب الفساد والوضع السياسي والقمع الأمني، وضيق مساحات المنافسة، في ظل هيمنة الجيش على الاقتصاد، وإزاحة القطاع الخاص”.
هروب الاستثمار
فيما حمّل الخبير الاقتصادي، حسام الشاذلي، الحكومة المصرية مسؤولية عزوف المستثمرين الأجانب؛ نتيجة سياساتها الاقتصادية الخاطئة، وقال لـ”عربي21″: “الحكومة المصرية باتت على أعتاب مواجهة حتمية مع نتائج السياسات المالية غير الحكيمة في بعض الأحيان، والمخادعة والمتلاعبة بقوة المواطن ومقادير حياته في كثير من الأحيان”.
موضحا أن “تراجع الاستثمارات الأجنبية بما يقرب من نصف مليار جنيه على الأقل في الشهور التسعة الأولى من هذا العام يوسع الفجوة بين المستهدف، حسب تقارير الحكومة، والمقدر بـ10 مليارات دولار إلى 6 مليارات فقط في ظل مظلة القروض التي لا تتوقف والدعم المستمر من حكومات الخليج وإعادة هيكلة ديونها المستحقة من جديد ولأمد بعيد”.
واعتبر أن ما يجري “مؤشر جديد وهام يضاف إلى مؤشرات منظومة الاقتصاد المسموم، والتي يمكن قياس أهم أخطارها بالفشل المباشر والمحسوس لمحاولات الإصلاحات الاقتصادية في مصر”، متوقعا أن “يتراجع الاستثمار الخارجي أكثر؛ وذلك لأن الصورة الوهمية لمنظومة النمو وتحسن معدلات التضخم والبطالة المصنوعة ورقيا بضخ أموال القروض وإعادة هيكلتها، لا تخدع أي مستثمر عالم ببواطن الأمور في مصر، ولا منطقة الشرق الأوسط”.
وفند “غياب الوعي الاستثماري المحلي للمنظومة الحاكمة، وانشغالها بمشروعات شراء الرأي العام مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والذي يضمن موازنة حكومية مدينة لعشرات الأعوام”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن أن نتوقع أن يخاطر المستثمرون الحقيقيون وغير المسيسين بأموالهم في سوق لا يعرف مصيره ولا يمكن ضمان أبعاد متغيراته”.