وافقت العائلة البريطانية المالكة، على إيفاد مبعوث رسمي من أفرادها لزيارة إسرائيل ولقاء قادتها، بعد 70 سنة من الامتناع المتواصل عن مثل هذه الخطوة، حتى في أوج التنسيق العسكري بين دولة الاحتلال وبريطانيا خلال العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956.
وخلال سنوات حكمها، أجرت الملكة إليزابيث الثانية 271 زيارة رسمية، لأكثر من 100 دولة حول العالم، لكنها امتنعت عن زيارة إسرائيل.
هذا الرفض كان على المستوى الرسمي، أما عن الزيارات الغير رسمية فقد حضر ولي العهد الأمير تشارلز جنازتيّ إسحاق رابين وشيمون بيريز، إلا أنَّ كلتا الزيارتين لم تكونا رسميتين.
فالسياسة التي طالما انتهجها القصر الملكي، و أملتها عليه وزارة الخارجية البريطانية، كانت حتى هذه اللحظة تمنع الزيارات الرسمية إلى الاحتلال الإسرائيلي، ما دام لم يُحرَز تقدمٌ كبير في طريق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كما أن القصر البريطاني أدرج الزيارة المرتقبة اليوم للأمير وليام للبلدة القديمة ضمن فصل زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما أثار حفيظة الاحتلال الإسرائيلي، ودفع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى التشديد على «أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية».
وفي هذا السياق، لفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن نتنياهو لم يعر فصل الزيارة المقررة للأمير وليام إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أهمية كبيرة، ولا للتعبير الدبلوماسي البريطاني الذي استخدم لوصف البلدة القديمة باعتبارها جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما دام هذا الوصف لا يقف عثرة أمام «مرور عربة الأمير» ووصولها إلى القدس المحتلة للقاء رئيس حكومة الاحتلال ورئيس الدولة، بعد مقاطعة دامت 70 سنة.
على الرغم من ذلك كان لافتاً امتناع نتنياهو عن التطرق، ولو بكلمة واحدة، لزيارة وليام للبلدة القديمة من القدس المحتلة، والاكتفاء بالحديث عن البعد التاريخي للزيارة، وعن الأميرة أليس، فيما حاول رئيس الاحتلال، رؤبين ريفلين، الظهور بمظهر الداعي للسلام، عندما أبلغ وليام بأنه يدعوه لحمل رسالة السلام للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال لقائه المقرر له اليوم الأربعاء.
كان لافتاً، كما هو متوقع، حرص دولة الاحتلال على أن تكون المحطة الرسمية الأولى في زيارة وليام إلى متحف «ياد فاشيم»، الذي أقامه الاحتلال لذكرى ضحايا المحرقة «الهولوكوست»، لاسيما جناح خاص لصور أطفال، وابتزاز الأمير البريطاني لتكرار استنكار المحرقة وفظائع النازية، قبل تسليمه في مقر رئيس الحكومة، وثيقة تكريم لجدة والده، الأميرة أليس، لدورها في إنقاذ يهود في اليونان من براثن النازية. علماً بأن قرار إصدار هذه الوثيقة كان صدر منذ تأسيس الاحتلال، لكن أياً من العائلة المالكة البريطانية لم يصل «إسرائيل»، وشكلت زيارة الأمير وليام فرصة أولى لتسليم الوثيقة، واستذكار الدور البريطاني في الحرب ضد النازية والانتصار على ألمانيا النازية.
وتقول المحللة الإسرائيلية نوا لاندو في مقالها: « تبدو دموع التماسيح هذه مثيرة للضحك. فأي شخص، حتى إذا كان مُلمّاً بأقل قدرٍ من المصطلحات الدبلوماسية في بريطانيا، سيعرف أنَّ هذا المصطلح (أي الأراضي الفلسطينية المحتلة) هو ما كانت تلك الأراضي تُوصَف به دائماً. فما هي التسمية التي اعتقد هؤلاء الوزراء أنَّ القصر الملكي سيطلقها عليها، يهودا والسامرة؟ ».
إلا أن ذلك لا يخفف من حقيقة كون الزيارة تحمل أهمية تاريخية للاحتلال الإسرائيلي وتندرج في إطار احتفالات دولة الاحتلال بسبعين عاماً على تأسيسها، من دون أن يوازي ذلك قيام دولة فلسطينية، ولو على جزء من فلسطين.
كما يجب الالتفات إلى أنه مثلما خلا الفصل الإسرائيلي للزيارة من تصريحات سياسية، فإنه من غير المتوقع أن يقدم الأمير البريطاني على إطلاق تصريحات لمصلحة الموقف الفلسطيني، فهو يعلم أنه لا يملك صلاحية الإدلاء بتصريحات سياسية بفعل القيود التي تفرضها القوانين البريطانية على تدخل العائلة المالكة بالسياسة الخارجية لبريطانيا.
ويبدو أن الزيارة لم تأت خالية من دوافع بريطانية ذاتية لتعزيز موقع ومكانة المملكة المتحدة، التي بدأت تتراجع بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، من دون أن يقابل ذلك تعزيز للعلاقات البريطانية ــ الأميركية تحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
فهل لهذه الزيارة علاقة باللقاءات الاخيرة في المنطقة، وما يدور حول غزة؟!