تلقّى الأردن عروضًا سخيّة من دول الخليج لقبول «صفقة القرن»، وهو ما حدث مع الغزاويين أيضًا؛ إذ عرضتْ عليهم دول خليجية، أبرزها السعودية، أموالًا طائلة وحوافز اقتصادية وتحسين البنى التحتية مقابل القبول بالصفقة، التي تقضي على أحلام الفلسطينيين وطموحاتهم.
وفي هذا الأسبوع، أعلن الأردن و«إسرائيل» أنّهما سيجتمعان في عمان، بعد عام واحد فقط من الأزمة التي اندلعت بين البلدين بسبب أجهزة الكشف عن المعادن التي أرادت «إسرائيل» وضعها على مدخل المسجد الأفصى، وحادثة مقتل حارس أمن احتلالي وأردنيين اثنين في عمان.
وبعدها أُصلحت العلاقات بين البلدين، وتواصل التنسيق الأمني طوال الوقت؛ لكنّ قرار الملك عبد الله باستضافة نتنياهو في عمان ليس أمرًا بسيطًا، خاصة في وجود مزاج معادٍ لـ«إسرائيل» لدى الشعب الأردني، وأيضًا التظاهرات هناك ضد الحكومة الأردنية بسبب التدهور الاقتصادي.
هذا ما رصده الكاتب «عاموس هاريل» في مقاله بصحيفة «هآرتس» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ الأردن و«إسرائيل»، وبصرف النظر عن رغبة الشعب الأردني، لديهما مصالح مشتركة؛ تتعلق بإخراج الإيرانيين من جنوب سوريا، والاستعداد المكثّف لاستيعاب تداعيات خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن السلام.
ونظّم المبعوث الأميركي الخاص «جيسون جرنبلات» وصهر ترامب «جاريد كوشنر» حملات مكثّفة في العواصم الإقليمية هذا الأسبوع، بالرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن، التي بدأت معالمها في الاتضاح.
ويخطط الأميركيون لإقناع العرب والفلسطينين بقبول عاصمتهم في «أبو ديس» بدلًا من «القدس الشرقية»، وفي المقابل تنسحب «إسرائيل» من ثلاث قرى إلى خمس، وأحياء عربية في شرق القدس وشمالها؛ لكنّ المدينة القديمة ستبقى للإسرائيليين.
لكنّ اقتراح ترامب لم يشمل الحديث عن المستوطنات الإسرائيلية المعزولة، فيما ستبقى «وادي الأردن» تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وتصبح الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح دون جيش أو أسلحة ثقيلة.
والعرض الأميركي ناقص لا يقبل به الفلسطينيون. وبعيدًا جدًا عن مطالبهم، وتنظر رام الله إلى الصفقة بعين الريبة؛ خاصة وأنّ الحوافز المقدمة إليها لقبول الصفقة اقتصادية من أميركا ودول عربية مثل السعودية.
بينما يشعر الأردنيون بالقلق لأنّ الصفقة من المحتمل أن تمنح السعوديين موطئ قدم في جبل «هيكل»؛ لأنّها تقضي بأن تدير مداخل الجبل، وهو بمثابة ضربة لمكانة الأردن الوصيّ على الأماكن المقدسة في القدس، وهذا أحد الأركان الرئيسة التي تعتمد عليها شرعية الملك عبد الله في الداخل الأردني.
وأثناء وجوده في الخليج، ناقش جرينبلات وكوشنر تمويل مشاريع تحسين البنى التحتية في قطاع غزة؛ خاصة وأن القطاع في حاجة ماسة إلى تعزيز إمدادات الطاقة لديه. وأخطأت حماس في تقييم الاعتبارات الإسرائيلية؛ وأبدى نتنياهو قدرًا من الحذر في الشهور الأخيرة، وامتنع عن إطلاق أيّ عمل حربي ضد القطاع؛ لأنّه لا يفضّل أن تتصاعد الأمور في غزة في الوقت الذي تواجه في «إسرائيل» إيران.
غير أنّ الاحتكاك المستمر على طول الحدود والتظاهرات التي وقعت فيها خسائر بشرية جماعية، والطائرات الورقية التي أحدثت حرائق، والقصف الصاروخي على «إسرائيل»، أحد من المناورات السياسية لنتنياهو، وبدأت نغمة مسؤوليه تتغير وتتحدث صراحة عن إمكانية إطلاق عمل عسكري على القطاع.
وهناك إشارات أخرى على أنّ صبر جيش الدفاع بدأ في النفاد، رغم اعتراضات نتنياهو؛ خاصة وأنّ هناك اعتقادات داخل جيش الاحتلال بأنّ الطائرات الورقية التي تسببت في اندلاع حرائق داخل «إسرائيل» نظّمها الجناح العسكري لحماس وليس المتظاهرين؛ خاصة مع وجود دلائل بإنتاج أشخاص تابعين لهم هذه الطائرات الورقية.
ولدى زعيم الحركة في غزة «يحيى السنوار» ما يعتبره ورقة تفاوض جديدة مع «إسرائيل»؛ فهو يمتلك حاليًا مدنيين إسرائيليين وجثتين لجنديين احتلاليين، ويحاول حاليًا استغلال هذه الميزة للحصول على مطالب في الصفقة وتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة.
وعلى مستوى التعامل الإسرائيلي مع المدنيين الفلسطينيين، أكّدت محكمة إسرائيلية هذا الأسبوع أنّ قتل ثلاثة من عائلة الدبش الفلسطينية «كان له مبرر»؛ واعتبرت اعترافات المتهمين الإسرائيليين المنفّذين للجريمة اُنتزعت تحت تعذيب، وأنّ أحدهما قاصر؛ وهو ما لا تقبله فلسطين بالتأكيد.