حمّلت أحزاب مصرية «عبد الفتاح السيسي» مسؤولية عواقب رفع أسعار المحروقات وما سيفضي إليه من موجة غلاء تشمل جميع السلع، وتفاقم أزمة الركود التضخمي واستفحال المديونية؛ ما يهدّد برهن الاقتصاد المصري واستنزاف عوائده.
وطالب حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» الحكومة بالتراجع الفوري عن قرار زيادة المحروقات، الذي جاء بعد زيادات في أسعار استهلاك الكهرباء والمياه وتذاكر مترو الأنفاق، وسلة واسعة من السلع قبلها بأسابيع قليلة، مؤكدًا أنّ موجة الغلاء التي تضرب مصر من أقسى ما شهدته من موجات، ويكتوي بنارها الفقراء، ويمتد لهيبها إلى الطبقة الوسطى.
وقال في بيان: «ليس غريبا أن تباغت مؤسسات الحكم الشعب بالقرارات الأخيرة في عطلة رسمية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن هذه السياسات، وآثارها، لا بحكم كونه حاكما للبلاد فقط، بل أيضا بما يصرح به عن انحيازه لها»، في إشارة إلى حديث السيسي عن مسؤوليته الكاملة عن قرارات رفع الأسعار.
وأضاف الحزب: «الغريب أن الزيادة تواكبت مع تزايد الحديث عن الحوار بين الأحزاب والقوى السياسية المختارة، وهو الحوار الذي يدور فعلا في المؤسسات الأمنية، وتحت رعايتها، والذي لم يشمل آثار السياسات الاقتصادية في تجريف موارد الدولة، وإفقار أغلبية الشعب.. كما لم يتطرق إلى عدالة توزيع الموارد، والأعباء، أو أثر تعاظم المديونية، أو محاولة الإصغاء لأنين الشعب، واحتمال انفجار الغضب، رغم السكون البادي».
وتابع: «جل ما رمى إليه النظام هو جر كل الأطراف إلى حظيرة الصمت والموالاة، في وقت تتغول فيه سياساته على حقوق أغلبية الشعب من الطبقة الوسطى، والفقراء، والهابطين كل يوم تحت خط الفقر»، داعيًا إلى ضرورة وجود سياسات بديلة «عوضا عن تجريف موارد الاقتصاد في مشروعات لم تثبت جدواها، أو أولويتها بالقياس لموارد الدولة، كتفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، التي التهمت عشرات المليارات من الجنيهات».
«رأسمالية المحاسيب»
وطالب الحزب بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة «رأسمالية المحاسيب»، التي راكمت ثروات هائلة بالأمر المباشر على مدار السنوات الماضية، وحذّر من خطورة التوجّه نحو صندوق النقد الدولي والخضوع لمشروطيته، التي تلزم بإلغاء الدعم وتحجيم العمالة وبيع الأصول الإنتاجية والخدمية؛ فـ«التجربة أثبتت أن السياسات المستسلمة لشروط صندوق النقد الدولي، وكما كل التجارب الشبيهة في البلدان الأخرى، لم تؤد إلا لرهن الاقتصاد المصري كتابع للرأسمالية العالمية، وزيادة الفجوة الاجتماعية بتركز ثروة المجتمع في يد أقلية محدودة، على حساب أغلبية يتزايد إفقارها، وحرمانها من حقوقها الأساسية».
وأضاف: «لقد وصلت الأمور لمستوى غير مسبوق، وشديد الفجاجة في نظرة الحكم لدور الدولة، وكأنها مجرد تاجر، والشعب زبائن، متخلية عن دورها في تلبية الحقوق المشروعة التي حددها الدستور في ما يخص العقد الاجتماعي، بل تجاوزه، وانتهاكه، والتحايل عليه بما يهز بعنف شرعية الحكم»، منتقدا غياب رؤية تنمية الاقتصاد لدى السلطة الحاكمة، واستمرارها في سياسات الانحياز لصالح المستثمرين ورجال الأعمال، متابعًا «بلغت البجاحة لدى النظام القائم إلى مضاعفة أسعار الطاقة بنسب تصل إلى 600% خلال 4 سنوات، واستثنى كالعادة من الزيادة في الأسعار غاز المصانع المحلية المباع للأجانب، وفي مقدمتها مصانع الأسمنت التي تصل أرباحها نحو 300%».
وفي نهاية البيان، حذّر الحزب من تصاعد الغضب الشعبي المشروع، القابل للانفجار في أيّ لحظة؛ رفضًا للسياسات الحالية، مؤكدًا «انحيازه للجماهير الشعبية ورفضه لهذه السياسات والإجراءات، التي لا بد من إلغائها والالتزام بالبدائل الدستورية وأهداف ثورة 25 يناير المعلنة التي سيفرضها الشعب المصري عاجلًا أو آجلًا».
سياسات جائرة
وقال «الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي» إنّ رفع أسعار الوقود استمرارٌ من السلطة الحاكمة في تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي، أو ما يطلقون عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادي»، الذي أدى عمليا إلى إفقار السواد الأعظم من الشعب المصري، لصالح طبقة اجتماعية محدودة، تتركز في أيديها يوما بعد يوم الثروة والسلطة، مضيفا: «نعم تعاني بلادنا من أزمة اقتصادية كبيرة، ولكن هذه الأزمة هي النتيجة المباشرة والمنطقية لنفس السياسات الاقتصادية التي تُطرح الآن باعتبارها الحل!».
وتساءل الحزب: «كيف يمكن، في ظل عدم الإنفاق الكافي على التعليم والصحة، والاستمرار في تجويع الناس، وحرمانهم حتى من القوت الضروري، أن يكون هناك عمالة ماهرة قادرة على الإنتاج، وقادرة أيضا على توسيع رقعة الطلب في السوق، بحيث يصبح هناك جدوى من الاستثمار؟». وزاد: «كيف يمكن لمصر أن تكون بلدا جاذبا للاستثمار، في ظل تدخلات مباشرة من السلطات في توزيع العطاءات والعطايا على البعض من دون البعض الآخر؟ وفي ظل وجود تخوفات جادة في كثير من الأوساط المحلية والدولية، حول الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، من جراء السياسات الاقتصادية نفسها!».
استنزاف الموارد
وتابع: «إعادة توزيع الثروة من خلال الأدوات المتوفرة للدولة مثل الضرائب، وتوصيل الدعم المناسب لمستحقيه هو أحد جوانب الحل.. فضلا عن إعطاء دفعة للإنفاق العام على التعليم والصحة، ودعم وإقامة مشروعات إنتاجية، وضغط الإنفاق الحكومي الباذخ، بما فيه التراجع عن رفع مرتبات الوزراء والنواب».
وشدد الحزب على ضرورة التوقف فورًا عن استنزاف موارد الدولة المحدودة في مشروعات غير مدروسة، ومشكوك في جدارتها، وجدواها، كأحد جوانب الحل، إلى جانب فتح السوق أمام المستثمرين من دون أن تنحاز السلطات لمستثمر على حساب الآخر، داعيا إلى ضرورة البدء بشكل عاجل في تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تخفف من وطأة الإجراءات الاقتصادية، مثل تفعيل منظومة «كوبونات الوقود»، والاشتراكات المخفضة للمواصلات العامة لأصحاب الدخول المحدودة، والتوسع في الدعم النقدي للأسر الفقيرة.
وأعرب الحزب عن تضامنه الكامل مع المطالب التي طرحها تكتل (25-30) النيابي أمس، الموجهة إلى السيسي؛ بحكم مسؤوليته الأولى والأخيرة عن القرارات الاقتصادية، التي شملت إلغاء قرار رفع أسعار المحروقات؛ ورفض بيان الحكومة الجديدة التي تنفذ نفس سياسات الحكومة السابقة، وخطها الاقتصادي، وعقد مؤتمر وطني اقتصادي يضم كافة القوى السياسية لوضع خطة اقتصادية وسياسية بديلة في شهرين.
«فاض الكيل وطفح»
وبعنوان «فاض الكيل وطفح»، قالت «الحركة المدنية الديمقراطية»، التي تضمّ أحزابًا وقوى سياسية مصرية معارضة، إن السلطة الحاكمة اتخذت في الأسابيع القليلة الماضية إجراءات اقتصادية ترجمتها الحكومة إلى قرارات قاسية، آخرها رفع أسعار المحروقات بنسب تصل إلى 50% في المتوسط، بعد رفع أسعار المياه والكهرباء؛ ما يعني تلقائيًا رفع أسعار وسائل النقل، وجميع السلع الاستهلاكية.
وأضافت، في بيان لها، أنّ «قرارات الزيادة يصاحبها ثبات في دخول جميع العاملين، سواء في جهاز الدولة، أو في القطاع الخاص، وهو ما يعني الانخفاض الفعلي لدخل المواطن بنفس نسب الزيادة التي جرت.. كما تتناقض هذه الزيادات المتوالية مع وعود سابقة لرئيس البلاد بعدم إقرار أي زيادات في الأسعار، أو تخفيض الدعم، ما لم تتحقق زيادة في دخول المواطنين».
وتابعت أنّ «المسؤولون يدعون أن اتخاذ هذه الإجراءات ضرورية، ولا بديل عنها، لخفض عجز الموازنة، وتحسين وضع الاقتصاد، وزيادة معدل النمو الاقتصادي.. والحقيقة أن البدائل كثيرة، ومن بينها – على سبيل المثال – محاربة الفساد المستشري، وضغط الإنفاق الحكومي البذخي، وتعديل النظام الضريبي، وجعله متوازنا، بحيث يدفع الأغنياء، وأصحاب الدخول المرتفعة، ما يتناسب مع دخولهم، مع تخفيف الأعباء عن كاهل الفقراء، ومحدودي الدخل من أبناء الطبقة الوسطي».
وذكرت الحركة أهمية فرض الضرائب التصاعدية، المنصوص عليها في الدستور المصري؛ بينما تصر الحكومة دون أي مبرر على تأجيل فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة، مطالبة بإعادة هيكلة الاستثمارات وتوزيعها، وتوجيه النسبة الأكبر للمشاريع الإنتاجية؛ بهدف توفير فرص عمل حقيقية، سواء في مجال الصناعة أو الزراعة، بدلًا من الاستثمار في مشروعات لم تُدرس، وإنفاق المليارات على كتل خرسانية لن تجدي نفعًا، محذّرة المسؤولين في الدولة من مغبّة هذه السياسات الجائرة، التي تنذر بمخاطر كبيرة حال عدم احتمال أغلبية الشعب لها؛ بما قد يؤدي إلى انفجارات عفوية غير مأمونة العواقب على الجميع، معلنة عن دعمها الكامل لمطالب أعضاء البرلمان المصري من تكتل (25-30)، وعلى رأسها إلغاء قرار رفع أسعار المحروقات فورًا «قبل أن يندم الجميع».