منذ 30 مارس الماضي، وفي الأيام الأولى للانتفاضة الفلسطينية الثانية، أطلق القنّاصة «الإسرائيليون» مليونًا و300 ألف رصاصة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ فأصابوا ثلاثة آلاف و704 متظاهرين داخل قطاع غزة، إضافة إلى 130 شهيدًا. وذكر مواطن احتلالي أنّ «نية الكيان الصهيوني توجيه ضربة قاصمة للفلسطينيين، خاصة ضد وعيهم؛ فهذه لم تكن حربًا على الإرهاب، بل على الشعب الفلسطيني نفسه».
وفي 2002، قال رئيس جيش الاحتلال آنذاك «موشيه يعالون» إنّ الانتصار يعني إدراك الفلسطينيين بأنّ العنف والإرهاب لن يهزما «الدولة الإسرائيلية»، وأنّ مطالبهم لن تحقق؛ واصفًا «التهديد الفلسطيني بأنه سرطان، والجيش يطبّق العلاج الكيميائي في بلدات الضفة الغربية وغزة ومدنيهما».
لكنّ تعبئة الكتائب والقوات الخاصة، ووضع لوائح إطلاق نار مفتوحة، بجانب آلاف الطلقات، لا يمكن تفسيرها على أنها رد فعل على تهديدات فقط؛ فالحديث عن «القوة المتباينة» يفتقر إلى الوضوح اللازم لفهم ما حدث وما يحدث. ولم تكن الإصابات التي ملأت المستشفيات وغرف الجراحات نتيجة للأخطاء؛ بل كان العنف القاتل اختيارًا مقصودًا من كبار المسؤولين الإسرائيليين.
وكان هدفهم بسيطًا، وهو سحق المقاومة الفلسطينية؛ وهذا الهدف نفسه الذي يحفّز ضابط «الشاباك» على مواجهة شاب فلسطيني مقيّد اليدين على طاولة التحقيق، وأيضًا يدور في فلكه المسؤولون الإسرائيليون عندما يضعون عراقيل أمام تحركات الفلسطينيين.
هذا ما يراه الكاتب «بين وايت»، مؤلف كتاب «الفصل العنصري في إسرائيل»، في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ «1279 هو عدد السعرات الحرارية اليومية التي حسبها المسؤولون الإسرائيليون لكل فلسطيني في قطاع غزة لمنع سوء التغذية»؛ فالحصار له دوافع سياسية، ويعمل على تدمير اقتصاد الإقليم، وقال دبلوماسي أميركي إنّ المسؤولين الإسرائيليين أكّدوا في مناسبات عدة أنهم ينوون إبقاء الاقتصاد الفلسطيني على حافة الانهيار دائمًا.
وفي العام 2017 وحده بلغ عدد الفلسطينيين المصابين برصاص قوات الاحتلال، باستخدام الذخيرة الخية، 801 شخص؛ بينهم 176 طفلًا، وفقا للأمم المتحدة.
ونشرت «بتسليم» مقطع فيديو الشهر الماضي يظهر ثلاثة جنود احتلاليين يناقشون من منهم يطلق النار وكيف على مظاهرة نظّمها سكان فلسطينيون في قرية مادما بالقرب من نابلس، ويومها حاول القرويون إزالة حاجز أقامه الإسرائيليون على الطريق.
وقال أحدهم: «انتظروا حتى يقتربوا من الحاجز، بمجرد الفشل في الوصول إلى الحاجز سيصابون بالإحباط، ونحن بحاجة إلى توجيه ضربة جيدة، وسنعلّمهم ألا يرموا علينا الحجارة». وهذه الجيوش الاستعمارية معلّمون بارعون.
سجن جماعي
551، عدد الفلسطينيين الذين تحتجزهم قوات الاحتلال منذ شهر أبريل، وقبضت عليهم من الشوارع أو منازلهم؛ ويعذبون ويستجوبون دون محامٍ، ويدانون أمام محاكم عسكرية.
وحاليًا، يوجد أكثر من ستة آلاف سجين فلسطيني في السجون الإسرائيلية، بمن فيهم أكثر من 400 سجين دون تهمة أو محاكمة؛ وهو ما يسمى «الاحتجاز الإداري»، إضافة إلى أنه من غير المألوف إطلاق سراح الفلسطينيين الذين أمضوا مدة حجزهم.
لذلك؛ الاحتجاز الجماعي مثل القناصة الاحتلاليين، ومثل الرصاص المطلق؛ كلّها وسائل لإبادة السكان لا لتحقيق الأمن «الإسرائيلي». وطوال مدّة الاحتلال يشرع جيش الدفاع في مطاردة الفلسطينيين بذنب ودون ذنب، ويحاولون الحفاظ على الوضع الراهن كما هو؛ أي حالة الاضطراب.
وفي أحيان، يكون الرصاص ضروريًا لسحق المقاومة. لكنّ، في الحالات الطبيعية، يتطلب ضغط الجندي على الزناد المرور بمراحل أولا؛ لكنّ الحكم الجاري في فلسطين عسكري، ويستخدم الاحتلال التصاريح ونقاط التفتيش وأسلوب «الجزرة والعصى» والاحتجاز دون محاكمة، وتدمير المنازل؛ كل هذه وسائل يحكم بها البلد عسكريًا.