منذ مدّة طويلة، يُنظر إلى دول «مجلس التعاون الخليجي» على أنها ثقل إقليمي مضاد لإيران، وهذا أمر حاسم للجيش الأميركي؛ فالبحرين تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، والكويت موطن لجيش أميركا المركزي، وتستضيف الإمارات طائرات مقاتلة أميركية وأخرى دون طيار وجنودًا، ويزدحم ميناء «جبل علي» في دبي بقوات البحرية الأميركية، وفي قطر المقر الرئيس للقيادة المركزية للجيش الأميركي. وحتى عمان، التي لا تستضيف أيّ قوات أميركية؛ فإنها نفسه تسمح للقوات الأميركية بالوصول إلى قواعدها، وتعمل وسيطًا حاسمًا بين الدبلوماسيين الغربيين والإيرانيين.
هذا ما يراه المختص في شؤون الشرق الأوسط «جون جامبريل» في تحليله بصحيفة «ناشيونال بوست» وترجمته «شبكة رصد»، موضحًا أنّ مجلس التعاون الخليجي يضمّ البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، وفي 5 يونيو 2017 قطعت البحرين والسعودية والإمارات ومصر علاقاتها مع قطر، مستشهدة بعلاقاتها الوثيقة مع إيران وزعم دعمها للجماعات الإرهابية.
بدأت المقاطعة الاقتصادية بوقف خطوط الرحلات الجوية إلى قطر وحظرها من استخدام المجال الجوي، بجانب إغلاق حدودها مع السعودية وحظر سفنها من دخول موانئ الدول المقاطعة. وفي ردّ فعل عليها؛ أعادت قطر علاقتها الدبلوماسية مع «الجمهورية الإسلامية»، وأدانت المطالب واعتبرتها تعديًا على سيادتها، وقبل حلول الذكرى السنوية، بدأ مكتب الاتصال الحكومي في قطر إطلاق هاشتاجات باسم «قطر أقوى» وغيرها؛ في دلالة على فشل دول الحصار.
وتسببت الأزمة القطرية في إعادة ترتيب العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ فاتخذت السعودية والإمارات نهجًا متشددًا ضد المحافظين، وزادتا من علاقتيهما بدرجات كبرى؛ وساعد على ذلك الصلة القوية بين ابن سلمان ومحمد بن زايد الإماراتي.
وتعتمد البحرين كثيرًا على الدعم المالي من السعودية، بينما سعت الكويت مرارًا إلى التوسط في النزاع، واستضافت قمة مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر الماضي، وأملت منها حلّ الخلافات بين دول مجلس التعاون؛ لكنها فشلت في النهاية.
أما سلطنة عمان، التي يحكمها السلطان قابوس بن سعيد (77 عامًا)، فسعت إلى الحفاظ على هويتها الدبلوماسية المنفصلة الخاصة بها عن دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت نفسه تعتبر موانئها شريان الحياة لقطر.
وتشعر الكويت وعمان بضغط كبير بسبب النزاع الدبلوماسي؛ فلا يزال يتعيّن على البلدين الاستعداد للتغيرات في القيادات التي تنتظرها، فلا يوجد خليفة واضح للسلطان قابوس، وهناك توقعات بنزاعات بين أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت قريبًا.
وطال قطر هجوم إعلامي شديد من الإمارات والسعودية، بجانب التهديدات بإطلاق عمل عسكري في الأيام الأولى للأزمة. وفي خطوة صريحة في هذا السبيل، نقلت السعودية والإمارات قوات إلى الكويت وعمان.
وبصفة عامة، تعتمد الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، على القوة العسكرية الأميركية؛ وتعتبرها شبكة أمان منذ تعهد الرئيس «جيمي كارتر» عام 1980 باستخدام قواته للدفاع عن مصالحه في «الخليج الفارسي»، فيما عززت عواقب حرب الخليج عام 1991 من ذلك. ومن ناحية أخرى، اعتمدت أميركا على دول الخليج في حربيها بأفغانستان والعراق.
ولا تزال الاختيارات المتوفّرة لأميركا لمواجهة الأزمة بين الدول الخليجة غامضة، ولا شكّ أنّها تؤثّر على مصالحها الخاصة.
وتخوّفت الدول الخليجية في البداية من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب؛ لكنّ بمجرد إعلانه دعم بلده للمواجهة مع قطر اطمأن قلبها، وهناك تحقيقات مستمرة حاليًا في أميركا خاصة باستخدام السعودية والإمارات الأموال للتأثير على جماعات الضغط وصناعة القرار.
كما قادت الأزمة إلى تحسين قطر علاقتها مع إيران؛ في ردّة فعل مفاجئة للدول المقاطعة، وعلى الفور فتحت إيران مجالها الجوي أمام قطر، وفي المقابل عادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما.