أقنع مستشارو دونالد ترامب الرئيس الأميركي بضرورة تأجيل الانسحاب من سوريا، وبدلًا من ذلك العمل على إنشاء قوّة استقرار عربية تتألف من الحلفاء الخليجيين، وعلى وجه الخصوص السعودية. وللأسف، هذه القوة لن تكون محايدة تمامًا، ولا مخصصة لاستعادة السلام على الأراضي السورية؛ بل ستكون قوّة عربية سنية للإطاحة ببشار الأسد، وهذا الهدف الأول لهذه الدول منذ المراحل الأولى للحرب الأهلية السورية بين عامي 2011 و2012.
وفي وقت مبكر من عام 2012، لاحظ الصحفيون أنّ قوات المعارضة كلها من السنّة تقريبًا، والضالعون ضدهم من أتباع الطائفة العلوية الشيعة، وانشغل الأكراد بأجندتهم الخاصة لإقامة دولة كردية مستقلة في الشمال.
وكما هو متوقّع، دعّمت السعودية وتركيا ودول سنية أخرى قوّات المعارضة المسلحة، وزوّدتهم بالأموال والمعدات العسكرية؛ لكنها سرعان ما فقدت السيطرة على بعضها، وهي الفصائل التي تطورت فيما بعد لتصبح تنظيم الدولة، وفي وقت مبكر من 2012، تعاونت أميركا مع السعودية وتركيا، وأرسلت مساعدات «غير مباشرة» إلى قوات المعارضة المعتدلة، وبحلول عام 2013 كانت الأسلحة الأميركية في أيديهم؛ ما أدّى إلى تورّطها في نزاع عرقي وديني.
هذا ما يراه الباحث في مركز دراسات الدفاع والسياسة الخارجية «جالين كاربنتر» في مقاله بصحيفة «ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، مؤكدًا أنّ إدخال قوّة استقرار عربية إلى سوريا في الوقت الذي أوشك فيه بشار وحلفاؤه على الانتصار يهدف إلى تجنيب المعارضة ويلات الهزيمة؛ وهو ما يفهمه جيّدًا المسؤولون الأميركيون، مطالبًا إياهم بضرورة إدراك أهداف السعودية، التي لا تفيد مصالح أميركا؛ لأن معظم الفصائل التي دعمتها المملكة وحلفاؤها متشددون، ومن أبرزها جبهة أحرار الشام.
وتسعى السعودية أيضًا إلى إحلال حكومة سورية موالية بدلًا للحكومة الحالية في مرحلة ما بعد بشار. لكن، بالرغم من ذلك، الإطاحة بديكتاتور وتنصيب سنّي مكانه لا يعزز أمن أميركا على الإطلاق؛ موضحًا أنّ سوريا ليست الساحة الوحيدة التي تدعم فيها أميركا سياسات السعودية المتعارضة مع أمنها ومصالحها دون أن تدرك، ودعمت إدارتي أوباما وترامب التدخل العسكري السعودي في اليمن، وتواصل أميركا حاليًا تزويد طائراتها بالوقود، وتقدّم لهم بيانات استخباراتية تساعدهم على تحديد أهدافهم. وتذكر التقارير الجديدة أنّ أميركا لديها قوات خاصة على الأرض لمواجهة الحوثيين؛ وهو ما يؤكّد تواطؤها مع الحملة العسكرية السعودية، التي خلّفت أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، بحسب توصيف الأمم المتحدة.
وتفسيرات أميركا لهذه السياسات مضحكة؛ إذ تبرّر تدخّلها هناك بأنّها تحارب تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وهذا التفسير يتجاهل حقيقة أنّ الحوثيين أنفسهم متعارضون مع القاعدة؛ والحقيقة أنّ أميركا تريد مواجهة النفوذ الإيراني مع السعودية. ومن دلائل زيف هذه المبررات أيضًا أنّ الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن ضعيف، وفي المقابل يعدّ تدخل السعودية واسع النطاق وأكثر تعقيدًا من تدخل إيران. وكما هو الحال في سوريا، تسعى السعودية عبر أميركا إلى الإطاحة بالحوثيين وتثبيت حاكم سني مدعوم من السعودية ينفّذ أجندتها الخاصة ويخدم مصالحها، التي لا تفيد أميركا.
لكن، لسوء الحظ، يبدو أنّ المسؤولين الأميركيين يميلون إلى دعم السعودية بشكل أعمى كلّما حدث تنافس بينها وإيران، كما يبدو أنّ الجهود المستمرة التي يبذلها ترامب لتقويض الاتفاق النووي مع إيران تعكس رغبات المملكة العربية و«إسرائيل»؛ والانسحاب منه يخلق توتّرات لا داعي لها حاليًا، والأسوأ من ذلك أنه يزيد من احتمالية امتلاكهما أسلحة نووية بالفعل.
وهدّد ولي العهد السعودي بأنّ المملكة ستسعى إلى تطوير قدرات نووية عسكرية إذا ما فعلت إيران.
ولعقود اعتمدت أميركا كثيرًا من السياسات المتماشية مع السعودية دون أدنى تفكير؛ ما ورّطها في مشكلات، وجعل مصالح أميركا أيضًا على المحكّ، وسلوك ترامب وسياساته الحالية مضللة وتعارض رغبات الشعب الأميركي وطموحاته. وبالرغم من تأكيد السعودية مرارًا أنها حليف موثوق فيه لأميركا؛ فسجلّها يكشف عكس ذلك.
وفي النهاية، على أميركا أن تستمع إلى صوت العقل، وأن تفكّر جيدًا فيما تتخذه من خطوات لدعم السعودية في مساعيها.