محمد دحلان أحد الشخصيات الفلسطينية المثيرة للجدل والشائعات رغم كونه الابن الشرعي لحركة فتح الفلسطينية, وأحد أبرز المقربين للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, ومن أشد المعارضين لحركة المقاومة الإسلامية حماس, وعلى رأس قائمة أعدائها، وتم توجيه اتهامات خطيرة له بالعمالة والخيانة والتآمر من جانب عدد من فصائل المقاومة، ورغم ذلك تجد المواطنين الفلسطينيين يقدرونه وينظرون إليه كأحد الرموز الوطنية، الذي يعتبر امتدادا للزعيم الفلسطيني عرفات. التقينا بالمسئول الفلسطيني محمد دحلان, الذي تحدث بصراحة ووضوح عن كافة القضايا الشائكة وحاضر ومستقبل القضية الفلسطينية, وواجهناه بجميع الاتهامات التي تحوم حوله.
رصد: من محمد دحلان؟
العقيد محمد يوسف شاكر دحلان, من مواليد مخيم خان يونس، غزة في 29 سبتمبر 1961، سياسي فلسطيني, وقائد ومؤسس سابق لحركة شبيبة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة, ورئيس قوة الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة, وعضو العلاقات بمنظمة التحرير الفلسطينية, وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح بالانتخاب في مؤتمرها السادس, الذي عقد في مدينة بيت لحم بتاريخ 4/8/2009 م، وحصل على أعلى نسبة أصوات من مرشحي فتح في دائرة محافظة خان يونس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 م، واستقال من منصب مستشار الأمن القومي بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، ويشغل الآن مفوض الإعلام والثقافة في اللجنة المركزية لحركة فتح.
اختارته القيادة الفلسطينية عضوا في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بدءا من مفاوضات القاهرة عام 1994، ومرورًا بمفاوضات طابا والمفاوضات على إطلاق سراح الأسرى, وواي ريفر وكامب ديفيد الثانية وانتهاء بقيادته للمفاوضات التي أفضت إلى ما يسمى ببروتوكول العبور والحركة في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد تطبيق خطة الإخلاء الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1995.
قضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية في الفترة من 1981-1986 قبل ترحيله إلى الأردن عام 1988, يتحدث العربية والعبرية بطلاقة, متزوج من ابنة عمه وله طفلان.
رصد: حاول البعض الربط بينك وبين مقتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ما تعليقك؟
هذه اتهامات لا تستحق الرد؛ لأنها جاءت عبر الدس من قبل بعض الخصوم السياسيين, الذين إذا خاصموا سياسيا فجَروا وتخلوا عن أبسط أخلاق الخصومة السياسية, ولم يحرصوا على قول الحقيقة وتخلوا عن الأمانة والمصلحة الوطنية, مثل هذه الاتهامات التي روجت لها جهات مشبوهة وفاقدة للقيم عملت بشكل مباشر أو غير مباشر على تبرئة إسرائيل من جريمة اغتيال القائد ياسر عرفات وإعفائها من تبعات هذه الجريمة الجبانة, منذ اليوم الأول كنا نقول: إن إسرائيل كان لديها النية المعلنة والدافع لاغتيال أبو عمار؛ حيث عبرت العديد من القيادات الإسرائيلية عن هذه النية، وأننا بحاجة لتحقيق يكشف عن كيفية قيامها بذلك, وتقديم الدلائل للعالم، طالبنا وباستمرار التحقيق مع كل من كان على اتصال يومي مع أبي عمار لكشف الأدوات، أو إن كان هناك من ساعد إسرائيل بإيصال السم لطعام أو شراب أو دواء ياسر عرفات.
رصد: لماذا لم تتم المصالحة بين فتح وحماس, وهل لإسرائيل يد في ذلك؟
إن من خطط للانقلاب وعمل بجد على تكريسه لا يمكن أن يكون حريصا على إنهائه، البعض من حماس كان يخطط للقيام بانقلاب ضد السلطة الوطنية الفلسطينية منذ بداياتها وأثناء قيادة ياسر عرفات, ولدينا وثائق وأدلة تؤكد ذلك وترجع لمنتصف التسعينيات.
حماس استغلت قيام إسرائيل بتدمير ٨٠٪ من قدرات ومقار السلطة الأمنية أثناء الانتفاضة الثانية للتخطيط والتجهيز للانقلاب، فكانت حماس تعد العدة وتجيش وتنظم حملات إعلامية لتشويه صورة السلطة وقياداتها, وتستعمل المنابر لتكفر أبناء فتح وأبناء الأجهزة الأمنية لتسويق انقلابها أمام الرأي العام.
حماس عملت لسنوات طويلة من أجل الانقلاب والتمسك بالوضع الحالي، فهي استثمرت الكثير من طاقات أبنائها وأهدرت طاقات الشعب الفلسطيني النضالية وشغلتها عن مواجهة الاحتلال لسنوات طويلة, وقتلت واغتالت ودمرت! فكيف تتراجع الآن عن هذا الانقسام وتتخلى عما تعتبره هي حسم وإنجاز عملت لسنوات على تحقيقه؟؟.
أما بالنسبة للدور الإسرائيلي في الإبقاء على الانفصال, فإن التخلص من غزة وتحييدها عن الصراع كان إستراتيجية إسرائيلية قديمة الكل يذكر إسحق رابين – رئيس وزراء إسرائيل الأسبق – حين قال: إنه يتمنى أن يصبح يوما وقد بلع البحر غزة.
على الدوام كانت غزة هاجسا لإسرائيل, فهي كانت بداية الثورة وكانت بداية الانتفاضة, وهي مخزون وطني لا يستهان به.
الحركة الوطنية الفلسطينية بدون غزة لا تستطيع أن تنتصر ولا أن تكون حركة وطنية حقيقية، وبالتالي على الدوام كانت إستراتيجية إسرائيل هي فصل وعزل غزة وتحييدها.
الوضع القائم حاليا مناسب جدا لإسرائيل من نواح عدة، فحماس التي تدعي المقاومة ولا تقاوم, وتعطيهم هدنة مجانية وبدون أي مقابل.
إن ما تريده إسرائيل ليس قدرا محتما ولكنه يتحقق عندما تتساوق وتتماثل ممارسات البعض مع الإستراتيجيات الإسرائيلية.
رصد: ما ردك على بعض الفصائل الفلسطينية التي اتهمتك بالوقوف وراء أحداث رفح الأخيرة التي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا؟
لم يتهمني أي فصيل فلسطيني، ولا علاقة لي بهذه العملية الجبانة واللا أخلاقية ضد جنود الجيش المصري, الذي حارب وضحى وقدم دماءه في أكثر من حرب ضد إسرائيل, لم يقم أي فصيل فلسطيني بتوجيه الاتهامات ولكن نشرت إشاعات عبر بعض مواقع الإنترنت التابعة للتيارات الإسلامية, والهدف من ورائها كان إبعاد الشبهات عن الأطراف التي ارتكبت هذه الجريمة الجبانة في شهر رمضان, وأثناء جلوس الجنود لتناول الإفطار، أميل للشك أن الهدف من نشر هذه الشائعات كان التضليل والتشويش على التحقيق, الذي تقوم به السلطات المصرية فهي الجهة المخولة بإجراء التحقيق وتوجيه الاتهامات.
رصد: هل أصبحت ورقة خاسرة بالنسبة لفتح لذلك تم التضحية بك, ولماذا لم توضح مواقفك للرأي العام؟
صيغة السؤال غير موفقة، حركة فتح لم تضحي بي نهائيا، بل على العكس فبعد قرار محمود عباس، حظيت وما زلت بدعم كبير وتأييد متزايد من أبناء حركة فتح, ولم تقم أي محكمة بإدانتي أو توجيه أي اتهامات ضدي؛ لكي أحاول تبرئة نفسي! يمكنك الرجوع لمقابلة أجراها محمود عباس وأقر بأنها مجرد اتهامات, وقال: الآن لا يمكن أن أجزم بأنها صحيحة، غير أن قرار اللجنة التي نظرت بملفي ارتأت أن يتم الفصل.
أنا ذهبت لرام الله عدة مرات لمواجهة الاتهامات والمحكمة الحركية لم تصدر بحقي أي تهمة بل أعادت الملف للجنة المركزية, واعتبرت أن هناك خللا ونقصا كبيرا بالإجراءات والتحقيقات, وأن هناك خللا أصوليا؛ حيث إن المتهم لم يتمكن من الدفاع عن نفسه, ومنذ ذلك الوقت لم يقم محمود عباس بالرد.
رصد: دائما تستهدف حماس محمد دحلان بالتصريحات السياسية والاتهامات, فما السبب وما بداخل حقيبة دحلان لحماس؟
البعض من حماس إذا خاصموا فجَروا، واستخدموا أبشع أساليب القذف والتحريض والتخوين والتكفير دون أي معيار وطني أو أخلاقي أو حتى دون أي وازع ديني، مخالفين تعاليم الدين الإسلامي الذي نصبوا أنفسهم وكلاء عنه.
خصومة حركة حماس الإخوانية لي ولأبناء الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي سبقتهم للنضال ضد الاحتلال بعقود طويلة، قديمة جدا، فقبل تشكيل حركة حماس بعد انطلاق الانتفاضة الأولى، كان الإخوان بفلسطين يعملون تحت مسميات مختلفة منها المجمع الإسلامي بغزة، هذا المجمع تشكل بمباركة إسرائيلية؛ حيث قام الاحتلال بمنحهم مئات الرخص لتأسيس جمعيات ونواد تابعة لهم, فبينما كان أبناء الفصائل الوطنية بالجامعات يناضلون ويتظاهرون ضد الاحتلال ويقيمون بتشكيل الأطر للتحضير للانتفاضة ويتعرضون للتنكيل والاعتقال، كانت الإدارة المدنية الإسرائيلية تفتح أبوابها للإخوان المسلمين، وكان محمود الزهار يقابل القيادات الإسرائيلية مثل رابين وشمعون بيريز خارج أي تنسيق أو اتفاق وطني.
إسرائيل كانت تبارك عملهم؛ لأنها كانت تريد شق وحدة المجتمع الفلسطيني, وتفكيك نسيجه الوطني الحاضن لفصائل منظمة التحرير ، كانوا ضد العمل العسكري ويعتبرونه عبثيا وسابقا لأوانه, ولا يجوز شرعا قبل تحرير العواصم العربية – حسب زعمهم – وإقامة الخلافة الإسلامية, ومن ثم العمل على تحرير فلسطين, وكانوا يخوّنون القيادات الفلسطينية التاريخية ويتهمونها بالكفر, ويبثون الشائعات عنها وكانوا يقولون ومن على المنابر عن شهداء وأسرى وفدائيين منظمة التحرير عملكم بوار وقتلاكم بالنار.
حتى بعد تشكيل حركة حماس لم ينته هذا النهج التكفيري التخويني المدمر، يتخفي أحيانا ليعود ويطل برأسه علينا من جديد. أنا لم أكن باطنيا بيوم من الأيام وكنت دائما واضحا وأنبه للخطر الذي تشكله حماس بما تحمله من أفكار ومفاهيم متطرفة وإقصائية, وتحديدا على الصعيد الاجتماعي.
حماس لا تؤمن بالتعددية ولا بثقافة الشراكة السياسية, وأنا كنت أعلن هذا في أكثر من مناسبة, وحذرت كثيرا أن هذه المفاهيم ستمزق المجتمع الفلسطيني, وتلحق أكبر الضرر بالقضية الفلسطينية, وهذا ما حدث ويحدث فعلا .
أنا كنت على رأس جهاز أمن فلسطيني بعد اتفاق أوسلوا, وكنت أنفذ تعليمات القيادة السياسية وتعليمات الأخ أبو عمار والتي كانت تقضي بضرورة القيام بالتزاماتنا السياسية والأمنية حسب الاتفاقيات الموقعة؛ لنحافظ على المصالح الوطنية, ولا نعطي ذريعة لإسرائيل للهروب من استحقاقات السلام، ولا أنكر أنني كنت رأس حربة من أجل حماية السلطة الوطنية ومشروعها السياسي, وفي سبيل ذلك اضطررت للقيام ببعض الاعتقالات اتجاه من لم يحترم التزامات المنظمة السياسية، فقد كانت حماس تعمل وتناضل لإحراج القيادة الفلسطينية من خلال تنفيذ عمليات استشهادية داخل أراضي ٤٨ وفي أدق وأحرج الأوقات مما أضعف السلطة وأحرجها أمام العالم. كنا نقوم بالالتزام بالاتفاقيات في نفس الوقت الذي كنا نقوم بانتزاع إنجازات مهمة من إسرائيل مثل استرجاع المدن والأراضي وإعادة الآلاف من الفلسطينيين لأرض الوطن.
في حين حماس الآن تقوم بتقديم الأمن لإسرائيل وتعتقل المناضلين, وهم ينفذون كل هذا وأكثر ودون أي اتفاق مع إسرائيل ودن تحقيق أي إنجازات، وهذا كله فقط مقابل هدنة طويلة الأمد, وعدم قيام إسرائيل باغتيالات بصفوف قادة حماس, وهم حلَّلوا لأنفسهم ما حرّموه على غيرهم، لا يسمحون لأحد بتهديد التهدئة مع إسرائيل، أبو مازن وصف الصواريخ بالعبثية أما هم فاعتبروها مشبوهة, وأن من يطلقها خائن.