تعرّض عمّال الدفاع المدني السوريون المتطوعون إلى القصفين الأميركي و«الروسي السوري»، إضافة إلى الحملات الدعائية بغرض تشويههم على مواقع التواصل الاجتماعي من مليشيات بشار الأسد الإلكترونية. وفي 2016، عرضت «نتفيلكس» فيلمًا وثائقيًا استشهدت به دليلًا على التحيّز الغربي في الصراع السوري؛ لكنّ المعلوم حتى الآن أنّ أعدادهم لا تُحصى، وأنقذوا مئات المدنيين من تحت الأنقاض التي تسببت فيها الغارات الجوية الروسية والسورية.
وفي المناطق التي استهدفتها الهجمات الأميركية، لم يُسمح لهم بالعمل فيها، وأغلبها خاضعة لسيطرة «تنظيم الدولة» وشهدت نقصًا في التقارير التي تتحدث عن الأوضاع داخلها؛ ما يلقي بظلالٍ من الشكّ على أفعال أميركا، وسبب منع أصحاب الخوذ البيضاء (الذين كانت تدعمهم) بالعمل في مناطق ضرباتها.
هذا ما يراه الكاتب والناشط المصري «عمر صبور» في تحليله بصحيفة «الجارديان» البريطانية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ الحقيقة هي «دأبُ أميركا منذ 2014 على قصف مناطق آهلة بالسكان يسيطر عليها تنظيم الدولة، ولم تحصل على التغطية الإعلامية المناسبة».
الجميع يقتل المدنيين
«إسماعيل عبدالله»، مدرس سابق، عمره 30 عامًا، متطوّع في الدفاع المدني السوري من ريف حلب، أكّد أنّه كان حاضرًا حينما قُتل 46 مدنيًا في غارة واحدة لأميركا على مسجد في قرية يسيطر عليها أفراد من تنظيمي «الدولة» و«أحرار الشام». مضيفًا أنّ معظم الضحايا طلاب، متمنيًا أن يدخلوا الجنّة؛ وأكّد أنه بعد ذلك شهد غارتين متتاليتين في اليوم نفسه، قُتل فيها أيضًا مدنيون.
وأضاف أنّ التحالف الذي قادته أميركا كان يركّز على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بشكل متقطع، وطوال مدّة الحرب دأب التحالف على استهداف هذه المناطق بذريعة مهاجمة مليشيات حزب الله؛ مؤكدًا أنّ أفراد الدفاع المدني السوريين أبلغوا عن حوادث مشابهة.
وبالرغم من وصفهم بأنهم «وكلاء غربيون»، رفض أصحاب الخوذ البيضاء التدخل العسكري الأميركي في 2014؛ ما يعكس المزاج العام المحلي في مناطقهم تجاه القوات الأميركية، على حد تعبيره، مضيفًا: أكّدنا من قبل أن القصف لن يحل أيّ مشكلة ولن ينهي الأزمة، ولن ينهي الحرب المستمرة في بلدنا، وغارات التحالف الأميركي قتلت كثيرًا من المدنيين.
وسيطر على التغطية الغربية للنزاع السوري مصطلح «الحرب بالوكالة» بين أميركا وروسيا، متجاهلين المدنيين. لكنّ عبدالله وغيره من المتطوعين رؤوا الحرب بشكل مختلف؛ إذ وضعوا كل من يشارك في القصف من أيّ جبهة أو فصيل أو تحالف في سلة واحدة: الجميع يقتل المدنيين.
ذرائع مختلفة
وأكّد عبدالله أنّ التشابه واضح بينهم جميعًا، فكل منهم يقصف المدنيين تحت ذرائع مختلفة؛ فقصفوا المدارس والمستشفيات وقتلوا الأطفال واللاجئين والمدنيين، ولم تستطع وسائل الإعلاعم توثيق هذه المجازر. وبالإضافة إلى التحالف، استهدفت روسيا بدورها المدنيين تحت ذريعة قصف جبهة النصرة.
ومن بعد الثورة السورية بمدّة، بدأت فرق الدفاع المدني السورية العمل على إنقاذ المدنيين، وبدؤوا أولا في الرقة ودير الزور. لكنّ تنظيم الدولة طردهم بعد أن سيطر على الأراضي السورية، وسبّبوا لنا كثيرًا من المشكلات كانوا ينظرون إلينا على أننا تابعون للغرب ويوصموننا بالكفار؛ لذا اضطررنا للهرب.
وأكّد عبدالله أنّ أميركا ارتكبت جرائم مثل غيرها؛ لكنّ المختلف في جرائمها أنّه لا أحد استطاع توثيقها سوى متطوعي الدفاع المدني السوريين، في ظل الغياب الإعلامي، وبذلك مرّت دون توثيق.
وبعد طرد تنظيم الدولة من الأراضي التي سيطروا عليها، عاد أصحاب الخوذ البيضاء للعمل مرة أخرى في المناطق التي استعادها «الجيش السوري الحر» المدعوم من تركيا. ودأبت «القوات الديمقراطية السورية» على طرهم من المناطق التي سيطروا عليها، وهم مدعومون من أميركا، وينظر إليهم على أنهم وكلاؤها الخاضعون لسيطرة جيشها.
وفي عام 2015، أطلقت مجموعة المناصرة حملة لتوفير الدعم لأصحاب الخوذ البيضاء، وإمدادهم بأجهزة متقدمة؛ ليعرفوا الغارات المقبلة قبل موعد وقوعها بمدّة لتحذير السكان المدنيين. ويقول عبدالله إنّه لم يتوفّر أيّ شيء.
وفي نهاية المطاف، التغطية المتفرّقة لمجريات الحياة في المناطق التي تعرّضت للقصف الأميركي، وكانت إلى حد كبير مراكز الاحتجاج الشعبي ضد النظام في عام 2011؛ تعني أنه لا يوجد فعليًا أيّ وعيّ بأنّ السكان المدنيين وحدهم من يدفعون ثمن مطالبتهم بالحرية في 2011، سواء من نظام بشار الأسد وحلفائه أو تحالف أميركا وحلفائها.
وتوفي أكثر من 400 ألف مدني سوري في الحرب الأهلية المستمرة حتى الآن، إضافة إلى الملايين الذين نزحوا داخليًا أو خارجيًا.