قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، إن الانتخابات العراقية أضحت ساحة حرب بين القوى الإقليمية؛ حيث تتنافس المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا على حسم نتائجها.
وأوضح هيرست، في مقال له بعنوان «الانتخابات العراقية.. اللعبة الكبرى للهيمنة على المنطقة»، نشره «عربي 21»، أن «تفتيت السياسة في العراق جاء ضمن سعي محموم لشراء النفوذ، ولقد بات العراق المرحلة الأخيرة في اللعبة الكبرى للهيمنة على المنطقة.
تدخلات أميركية سابقة
وأشار الكاتب البريطاني، إلى انتخابات 2010؛ حصلت قائمة إياد علاوي، القائمة العراقية السنية بأغلبيتها، على أكبر نصيب من الأصوات (24.7 بالمئة) وعلى أكبر عدد من المقاعد البرلمانية (91 من 325)، متقدمة بذلك ولو بعدد ضئيل على قائمة دولة القانون التي كان يقودها رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي (والتي حصلت على 24.2 بالمئة من الأصوات وعلى 89 مقعدا)، لافتا إلى أنه بالرغم من النتيجة إلا أن « المالكي، الذي كان لا يزال رئيسا للوزراء منذ عام 2006، تمكن من البقاء في منصبه جزئيا لأنه احتفظ بمساندة واشنطن وطهران».
وتعليقا عليها نقل هيرست قول أحد القيادات السياسية بالعراق: «أنه عندما أصبحت القائمة العراقية في عام 2010 هي الحزب الأكبر كان من المفروض أن يكون رئيس الوزراء منها، إلا أن رئيس الولايات المتحدة أوباما حمل الأقطار العربية على الضغط على علاوي كي يتنازل عن السلطة للمالكي الذي يدين بالولاء لإيران»، مضيفا أنه «ولقد هالنا حينها أن تتوجه الولايات المتحدة هكذا نحو إيران، وحينها قالت لنا الولايات المتحدة إنها أكثر حرصا على وجود دولة ديمقراطية مستقرة يهيمن عليها الشيعة، لأن ذلك يمكن أن يساعد في إجبار الإيرانيين على رؤية أن بإمكانهم الحصول على نظام أفضل يسيطر عليه الشيعة».
من وجهة نظر هذا السياسي العراقي، اتخذت واشنطن موقفا مناهضا للسنة لأنها لم تنس كيف واجهت القوات الأميركية في العراق مقاومة شرسة في المناطق ذات الأغلبية السنية أثناء الاحتلال.
إيران والسعودية
وقال الكاتب: «ففي هذا التوقيت، ها هي إيران تمد يدها للقوائم السياسية ذات الأغلبية السنية وذات الأغلبية الشيعية على قدم وساق، وذلك سعيا منها لتعزيز نفوذها في المناطق التي بات فيها الحشد الشعبي».
ونقل عن محلل سياسي عراقي «بدأت إيران في الدخول إلى المناطق السنية، بل لقد وصلوا إلى المناطق التي كانت تهيمن عليها الدولة الإسلامية ولم يكن لإيران أدنى نفوذ فيها من قبل، مثل محافظة الأنبار، كما بدأ الحشد في ممارسة نفوذه داخل المناطق الكردية والتي لم يكن له فيها نصيب من قبل، مثل أربيل، وبدأ السنة يتجهون نحو دعم الموقف الإيراني، وذهب الإيرانيون يمارسون الضغوط على الزعماء السنة من خلال الحشد الشعبي، وهذا له عواقبه بكل تأكيد».
وأوضح هيرست أن «التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران عن انقسامات داخل الحزبين اللذين تهيمن عليهما الأغلبية الشيعية: حزب الدعوة الحاكم والمجلس الإسلامي الأعلى؛ حيث انقسم حزب الدعوة إلى تحالف النصر الذي يقوده العبادي، والذي يراه البعض حاليا منحازا نحو المملكة العربية السعودية، بينما يقود زعيم الحزب، المالكي، تحالف دولة القانون، والذي يميل نحو إيران».
وأشار إلى جهود قاسم سليماني، قائد لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي بات بحكم الأمر الواقع رجل إيران الأول في العراق، وسعى في بذل جهود مضنية لتوحيد الزعماء الشيعة وبشكل خاص لإقناع العبادي والعامري والحكيم في أن يشكلوا قائمة واحدة، إلا أن جهوده باءت بالفشل،
انقسامات السنة
ولفت الكاتب البريطاني إلى انقسامات تهيمن على قوائم السنة من حيث ولائها للقوى الإقليمية المتنافسة، موضحا أنه «يقود قائمة القرار خميس الخنجر وأسامة النجيفي، أحد النواب الثلاثة للرئيس العراقي، وتتكون القائمة من 10 أحزاب صغيرة شكلت ائتلافا فيما بينها ويعتقد بأنها على صلة وثيقة بكل من تركيا وقطر، ومعروف أن قطر تخضع حاليا لحصار تفرضه عليها المملكة العربية السعودية».
وأضاف «هناك قائمة ثانية اسمها الوطنية، وهذه تشتمل على الحزب الإسلامي العراقي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وهو أكبر الأحزاب السنية في العراق، إضافة إلى علاوي، رئيس الوزراء السابق»، موضحا أنه «يوجد داخل القائمة مجموعتان علمانيتان وأحزاب إسلامية على علاقة وثيقة بإيران، بينما يميل علاوي نحو الإماراتيين، ثم هناك قائمة الحل التي يترأسها جمال الكربولي، وهذه تعتبر أقرب إلى السعودية».
وتابع: «وفيما لو ذهبت شمالا فستجد أن الصورة مشابهة؛ حيث توجد قائمة واحدة اسمها الكردستاني، وتتشكل من الحزبين الحاكمين في كردستان: الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، الأول منهما موال لإيران بينما الثاني أقرب إلى تركيا».
وقال إن «هناك قائمة ثانية مشكلة من الإسلاميين الكرد، والذين دخلوا في تحالف مع مجموعة منشقة عن معسكر الطالباني اسمها حركة “كوران” أو “التغيير”، وأما القائمة الثالثة فيترأسها برهام صالح، وهو أحد النواب الثلاثة لرئيس وزراء العراق».
وأشار هيرست إلى أنه قد «تجد تركيا نفسها في موقع الحكم الذي يقرر ما إذا كان العراق سيميل شرقا نحو إيران أو إلى جنوب الغرب باتجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن هناك من يفند هذه الحسابات ويؤكد أن العراقيين مهما كانت انتماءاتهم العقائدية والمذهبية فإنهم لا يمكن أن يعاملوا كما لو كانوا وكلاء للقوى الإقليمية المتنافسة».
واختتم مقاله بأنه «لا ينبغي أن يعاملوا كذلك لو أريد الحفاظ على ما تبقى من هذا البلد الممزق. ولكن لكي يتسنى ذلك فلا بد أن يثبت زعماء الأحزاب أنهم لا يتصرفون كما لو كانوا وكلاء للقوى الإقليمية المختلفة. وسيتبين بعد الانتخابات إلى أي مدى كانوا يتصرفون كما لو كانوا مجرد بضائع أو أموال منقولة»، مؤكدا أنه «ربما يكون الاحتلال الأميركي قد انتهى، إلا أن العقلية التي تقوده وتبقي عليه ما زالت حية».