يذكّرنا الفيديو المتداول الأسبوع الجاري لجنودٍ من الجيش المصري يطلقون النار على صبيّ صغير بالانتهاكات الفظيعة التي مرّ بها الجميع في مصر، ويذكّرنا أيضًا بأنّ وراء كل قتيل فيها عائلة وحياة وعالم. وعلى الرغم من أنّ الفيديو صُوّر لمجنّد خدم في سيناء عام 2015، وأرسل إلى ناشط سياسي مصري وسُرّب هذا الأسبوع؛ فالسنوات الثلاث التي استغرقها ليخرج إلى النور تؤكّد أنّ أعمال عنف وانتهاكات مماثلة وقعت. ولا يمكن أن تكون الحادثة معزولة أو فردية؛ فمعظم القتلى الذين أعلنت عنهم السلطات المصرية اكتشفنا بعد أنّهم مختفون قسريًا أو محتجزون بصورة تعسّفية قبل وقائع قتلهم.
وتعتبر سيناء واحدة من أكثر المناطق التي تهملها الحكومة المركزية في القاهرة. ووعدتها جميع الحكومات كثيرًا؛ لكنها لم تنفّذ واحدًا. وأثناء ولاية السيسي الرئاسية الأولى، تعهّد بتطويرها بشكل كامل في غضون عامين؛ لكنها تحوّلت إلى أرضٍ خصبة للإرهابيين.
هذا ما تراه الصحفية البريطانية المختصة في شؤون الشرق الأوسط «إميليا سميث» في مقالها بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ السيسي كثف من حربه على الإرهاب في سيناء طوال السنوات الماضية، وهي الحروب التي قتلت عددًا لا يُحصى من المدنيين، وبلغت ذروتها في الحملة الأخيرة بسيناء، التي بدأت في فبراير الماضي ومستمرة حتى الآن، ووعد السيسي بأنّه سيجلب الأمن والاستقرار للمنطقة عبرها؛ لكنّ «هيومن رايتس ووتش» أكّدت أنّ سكان شمال سيناء يعانون الآن من ظروف قاسية، وأنّ 420 ألفًا منهم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.
وفي الأسبوع الماضي، قالت وزارة الزراعة إنّ الجيش سوّى 90% من المزارع في رفح والشيخ زويد والعريش. كما هدمت 20 قرية أيضًا وعُزلت المدن والقرى عن بعضها بعضًا؛ ولذلك ما زالت أزمة الغذاء والدواء مستمرة حتى الآن.
وقطعت الحكومة المياه والكهرباء، ودمّرت المدارس والمنازل، وقطعت الاتصالات وصادرت السيارات، واعتقلت الآلاف وقتلت المئات، وأصبح نفق قناة السويس، الرابط لشبه جزيرة سيناء ببقية مصر، نقطة تفتيش ذات إجراءات أمنية مشددة؛ فغالبًا ما يُعاد الأشخاص المسافرون عبره من الاتجاهين دون السماح لهم بمواصلة رحلتهم.
كما تفتقر المحلات التجارية في سيناء إلى السلع الأساسية؛ لأنّ السائقين الذين يمرون عبر النفق لا يملكون التصريحات الأمنية اللازمة، أو يقال لهم إنّ البضائع غير مصرح لها بالمرور. وقبل ذلك، حظرت الحكومة مبيدات الآفات الزراعية والمواد الكيميائية وقطع غيار الدراجات النارية.
وكما قال ناشط سيناويّ، فالفلسطينيون في غزة يعشيون في ظروف أفضل من المواطنين في سيناء.
وبالتأكيد السياح الأجانب المترددون على منتجعات البحر الأحمر في جنوب سيناء لن يزوروا مصر مرة أخرى بعد رؤية فيديو الصبي، الذي سيضرّ أيضًا بخطط الحكومة لبناء مدينة ضخمة مساحتها ألف كيلومتر مربع جنوب سيناء، في المشروع الذي ستشرف على بنائه السعودية بتكلفة عشرة مليارات دولار.
وبسبب جرائمهم في سيناء، تمنع القوات المسلحة الصحفيين وجماعات حقوق الإنسان من الدخول ورؤية ما يحدث على أرض الواقع؛ «لسبب بسيط، هو أنّ السلطات لا تريد أن يعرف العالم ما يحدث، كما تُحظر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي توثق الانتهاكات بشكل منتظم».
وفي المقابل، يستخدم الجيش المصري صفحات الفيس بوك للتفاخر بتصرفاته القذرة والمنحطة.