يُعرف الشرق الأوسط بشكل عام، وغرب آسيا على وجه الخصوص، بهويّاته الدينية والبنى السياسية المختلفة؛ فيوجد مسلمون ومسيحيون ويهود وعرقيات مختلفة، مثل العرب والفرس والأتراك والأكراد؛ ما يجعلها منطقة فريدة من نوعها في العالم.
وكلّ مجموعة منهم لها هويّتها ومصالحها الخاصة، وتميل غالبًا إلى التصادم، وفي أحيانٍ تتطابق. ولعدة قرون تقسّمت منطقة الشرق الأوسط بين الإمبراطوريتين «العثمانية« و«الفارسية»؛ وبعد أن تضاءلت قوتهما بدأ عصر القوى الأوروبية، ثم بدأت المنطقة في الانهيار، وكان لفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال وروسيا دور.
هذا ما يراه أستاذ العلاقات الدولية في إيران «علي أكبر كياني» في تحليله بمجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ خريطة المنطقة تغيّرت بعد الحرب العالمية الأولى. ثمّ حلّت أميركا والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وانسحاب الأوروبيين، وبالرغم من ثبات بنية الأمم والهويات؛ فالقرن الماضي شهد تدخّلات مختلفة بينها، كانت أكثر عنفًا عن ذي قبل.
كيف استفادت إيران؟
بدأ التوتر يتزايد منذ الأربعينيات، مع محاولة أميركا السيطرة على الأزمات المختلفة؛ مثل حقول النفط الإيرانية، والحرب العربية الإسرائيلية، والثورة العمانية، والانقلابات المتكررة في تركيا، واحتلال أفغانستان من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، إضافة إلى الثورة الإسلامية في إيران، وأزمة الرهائن، وحربي العراق وأفغانستان وغيرهما. وفي النهاية، وبالرغم من كل ذلك؛ لم تربح سوى القليل.
وإيران الدولة الوحيدة التي يبدو أنها تقاطعت مع المصالح الأميركية مرارًا وتكرارًا؛ فدائمًا ما تصفها معظم استراتيجيات أميركا بأنها «محور للشر» أو «دولة تحتاج إلى احتوائها».
وفي السنوات الأخيرة، خدمت معظم الأعمال والخطوات الأميركية في غرب آسيا مصالح إيران وأعطتها اليد العليا؛ على سبيل المثال: الإطاحة بصدام حسين منحت الجماعات الشيعية القدرة على الوصول إلى السلطة، وهذا بمثابة خدمة لإيران؛ فجلبت حلفاءها إلى السلطة.
كما أسفرت الحرب في أفغانستان عن نتيجة مماثلة؛ إذ فتحت هزيمة طالبان المجال أمام الاختراق الإيراني. وفي الحالتين تمكّنت إيران من إقامة علاقات مع القوى المهزومة واستخدمتها ضد الأميركيين في العراق وأفغانستان؛ لكنّ أربعة عقود من الثورة الإسلامية غيّرت المشهد السياسي لإيران، وأصبح لديها الآن لديها عناصر كثر على الأرض؛ ما مكّنها من الاستفادة من جميع القدرات في السياسة الخارجية والإقليمية ضد عدوها الرئيس: أميركا.
ونتيجة للسياسات الأميركية؛ تمكّنت الجمهورية الإسلامية من تعزيز نفوذيها الإقليمي والدولي، وعلى وجه الخصوص منطقة الشرق الأوسط؛ فأسهمت في تفكّك استراتيجية أميركية. وفي سوريا مثلًا، وبالرغم من أنّ أميركا وروسيا والأوروبيين والعرب والأتراك والإيرانيين قاتلوا تنظيم الدولة؛ فالفضل اُحتُسب في النهاية لنظام بشار، حليف إيران.
وتزعم أميركا و«إسرائيل» أنّ إيران ستسخدم الأراضي التي سيطرت عليها في سوريا ضد القوات الغربية في سوريا.
والمعضلة الأمنية التي تتشكّل في غرب آسيا لا يمكن حلّها بسهولة. ولجعل الأمور أكثر تعقيدًا؛ تحاول أميركا حاليًا التقرّب من حليفها السعودي، وهو ما يؤكده دعمها للسعودية في حرب اليمن، وحتى العمل على تقريبها من «إسرائيل» علنًا لمواجهة النفوذ الإيراني. والتنسيق الحالي بين روسيا وتركيا وإيران في سوريا فشلٌ آخر واضحٌ للاستراتيجيات الأميركية في المنطقة.
وإخراج إيران من الأراضي والمناطق التي سيطرت عليها أمرٌ صعبٌ للغاية الآن؛ فالإيرانيون أثبتوا تاريخيًا أنّهم دبلوماسيون جيّدون وجنود شجعان على وجه الخصوص في الشرق الأوسط. واليوم، تفهم أميركا أنّ أموالها ودماءها خدمت إيران بطرق عديدة.
