منذ اليوم الأول لسيطرة الجيش على مقاليد الحكم في الثالث من يوليو، اتجه العسكر بقيادة عبدالفتاح السيسي إلى تسييس القضاء لتسخيره لخدمة النظام، بإصدار مئات الأحكام بالسجن من 5 سنوات إلى المؤبد، فضلا عن أحكام الاعدامات العشوائية الصادرة بحق المعارضين للنظام..
وبعد أن أحكم السيسي قبضته على القضاء بانتقاء الموالين للنظام منهم، قام بتقديم لهم قرابين المال والامتيازات، آخرها تأسيس صندوق رعاية القضاة باعتمادات مالية تقدر بـ805 ملايين جنيه سنويا، وفق الدراسة التي جرت بين وزارتي العدل والمالية.
وكشف المستشار محمد محجوب، أن هذا الصندوق مخصص للرعاية الصحية والاجتماعية ونهاية الخدمة لكل قضاه مصر وليس جهات أو هيئات بعينها.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، يوم الإثنين، برئاسة النائب بهاء أبوشقة، لمناقشة موازنة وزارة العدل للعام المالي 2018-2019، بحضور المستشار حسام عبدالرحيم وزير العدل.
تغييرات ما قبل الانتخابات
وقبل شهور قليلة من انتخابات رئاسة الجمهورية المنصرمة، وبعد أسابيع من تعيينات عبدالفتاح السيسي، لرؤساء الهيئات القضائية، اعتمد مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار مجدي أبو العلا – الذي عينه عبد الفتاح السيسي – حركة تغييرات واسعة في مختلف الهيئات القضائية، شملت نقل وترقية 2000 قاضٍ ورئيس محكمة ومحامين، وذلك في إطار سياسة السيطرة بشكل تام على القضاء.
تعديلات الهيئات القضائية أثارت جدلا واسعا، في ظل التغييرات التي يجريها السيسي داخل القضاء، خاصة هيئة القضاء الإداري، بعد موقفها من قضية «تيران وصنافير» وحكمها بمصريتها.
وطالت التغييرات في بدايتها محكمة النقض، والتي يتوقع أن يكون لها دور بارز خلال الفترة المقبلة، في النظر على أحكام الإعدامات وأحكام السجن المتفاوتة بحق المعارضين، حيث تم تعيين 24 نائبا لرئيس محكمة النقض في أكبر حركة قضائية في تاريخ المحاكم.
وبدأت خطة السيسي للسيطرة على القضاء بعد إصدار قانون الهيئات القضائية، والذي سمح له باختيار رؤساء الهيئات القضائية، مما أثار موجة من الغضب بين القضاة، خاصة بعدما استبعد القاضي يحيى دكروري من رئاسة مجلس الدولة، رغمًا عن الجمعية العمومية لقضاة المجلس.
وفي 29 يونيو الماضي، اختار السيسي مجدي أبو العلا لرئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، مستبعدًا القاضي أنس عمارة المحسوب على تيّار استقلال القضاء – أقدم القضاة – الذي رشحه مجلس القضاء الأعلى على رأس قائمة من 3 مرشحين.
واختير أيضًا القاضي حسين عبده خليل رئيسًا لهيئة قضايا الدولة متخطيًا القاضيين محمد ماضي ومنير مصطفى، وجاءت القاضية رشيدة فتح لله لرئاسة هيئة النيابة الإدارية.
القرارات جاءت تطبيقًا لقانون «الهيئات القضائيّة» رقم 13 الذي مرّره مجلس النواب في 26 أبريل الماضي، مانحًا السيسي صلاحيات اختيار رؤساء 4 هيئات وجهات قضائيّة من بين مرشّحين متعدّدين، بعدما كانت كلّ هيئة تقدّم اسم أقدم قاضي بها فقط؛ للمرّة الأولى في تاريخ القضاء عارضها القضاة إذ يقولون إنّه يهدر استقلال القضاء والفصل بين السلطات.
قضاء مسيس
يقول المستشار أحمد سليمان، وزير العدل السابق وأحد القضاة المعزولين: إن «الإجراءات التي اتخذت ضد القضاة اتسمت بالتعسف والظلم والتعنت أفضت إلى محاكمتهم تأديبيًا وانتهت تلك المحاكمة بمذبحة قضائية جديدة، ثم بعد ذلك قام النظام بتقديم الامتيازات المالية والخدمية لقضاة اليوم، لإغوائهم عن فساد تلك الدولة»
وأضاف -في تصريح خاص لـ«رصد»- أن «أغلب المحاكمات تحمل صبغة سياسية، وصودرت فيها كل حقوق الدفاع التي كفلها الدستور والقانون، فلم يُمكّن أي من هؤلاء القضاة من مجرد إبداء دفع أو دفاع وصدر الحكم عليهم دون أن ينطق أيهم ببنت شفة، مؤكدًا أنها تضاف إلى سجلات مذابح القضاة بعهد عبدالناصر والمخلوع مبارك».