يجادل كثيرون بأنّ العالم يواجه بالفعل أزمات لاجئين متعددة، وأنّ هناك ما يمكن تقديمه لمنع ظهور موجات جديدة أو مساعدة من نزحوا بالفعل من أوطانهم. وبينما لا توضّح الإحصائيات الرسمية وغيرها حجم المعاناة بالكامل؛ فالأمم المتحدة تقدّر أنّ أكثر من 20 مليون شخص في العالم طردوا من بلدانهم بسبب الحروب والمجاعات والفقر، بجانب 40 مليون نازح داخل بلدانهم.
ولا يوجد أي علم أو إحصاءات على معرفة كاملة بالعوامل التي لها أكبر الأثر في تدفق اللاجئين؛ لكنّ الأمر الوحيد الواضح أنّ «الحروب المحرك الرئيس لهذه الكارثة الإنسانية». وقال آخر تقرير صادر عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين إنّ أكثر من نصف لاجئي العالم أتوا من ثلاثة بلدان كانت مصدرًا للحروب والنزاعات لأوقات طويلة: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان؛ وكانت الحرب السبب الرئيس والمباشر في نزوحهم، إضافة إلى تزايد خطر المجاعة والأمراض، التي تؤدي دورًا رئيسًا أيضًا في نزوح المواطنين.
هذا ما يراه «ويليام هراتونج»، مدير الأسلحة ومشروع الأمن في مركز السياسة الدولية، في مقاله بموقع «لوب لوج» الأميركي وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه بينما العالم حاليًا يلوم روسيا وإيران لدعمهما نظام بشار في سوريا، وفي جنوب السودان يلقون اللوم على الفصائل المتناحرة، وفي أفغانستان يلومون طالبان والحكومة المدعومة من أميركا؛ فسنركّز على دور أميركا الرئيس، لأنه الأسوأ أو الجاني، وأيضًا لأنها تمتلك فرصة التغيير والتوقف عن دعم الأنظمة الديكتاتورية.
دور أميركا في الأزمة
تشارك أميركا حاليًا في ثماني حروب بالعراق وسوريا وليبيا والصومال والنيجر واليمن وأفغانستان وباكستان؛ وولّدت هذه الصراعات مجتمعة ملايين اللاجئين وشرّدت ملايين آخرين. وليس بالضرورة أن يكون التدخل العسكري الأميركي السبب الرئيس في تدفق اللاجئين؛ لكنه أدى بشكل عام إلى تفاقم الأمور، وفي حالات أسوأ من ذلك بكثير؛ فإذا رغبت أميركا في تقديم مساهمة بنّاءة للحدّ من تدفقات اللاجئين عليها إعادة التفكير في سياساتها الخارجية الخاصة بالحروب المشاركة فيها.
وحتى الآن، لم يبدأ دونالد ترامب أيّ حروب جديدة. لكنّ إرادته ضاعفت من أزمة الحروب التي ورثها؛ فزاد من أعداد القنابل الأميركية المتساقطة، وقاد هجمات بطائرات دون طيار، وتسبّب في مزيد من الخسائر للمدنيين؛ ولا يسعنا إلا أن نأمل ألا يدخل الرئيس الأميركي في حروب جديدة، خاصة بعد تعيينه لجون بولتون مستشارًا للأمن القومي ومايك بومبيو وزيرًا للخارجية.
والضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية الأخيرة على سوريا كانت مثالًا خاطئًا على السياسات الخارجية الخاطئة لأميركا وحلفائها؛ فالهجمات الكيميائية لنظام بشار على سكانه مروعة، لكنه قتل أضعافًا مضاعفة بالأسلحة التقليدية؛ فمهما كانت الضربات الأميركية محددة ودقيقة فلن تحلّ مشكلات الشعب السوري.
وعلى أميركا وحلفائها التصرّف بطرق أكثر ذكاءً من مجرد ضربات لا تجدي نفعًا؛ عبر الدبلوماسية مثلًا. وكما أكّدت «إيما آشفورد» الباحثة في معهد كاتو، فترامب وأعوانه في البيت الأبيض لا يفضلان الدبلوماسية، وهي كلمة تعتبر قذرة له؛ وهذا أمر غريب بالنظر إلى الفشل الذريع الذي لاقته أميركا بعد تدخلاتها العسكرية بعقب أحداث «11 سبتمبر».
فإذا كان ترامب مهتمًا حقًا بمصير الشعب السوري فثمة خطوات غير عسكرية من شأنها مساعدة السوريين كثيرًا، بدلًا من إلقاء مزيد من القنابل؛ فبإمكانه مثلًا أن يوافق على قبول أعداد كبرى من اللاجئين السوريين داخل أميركا بدلًا من عرقلتهم. وقال تقرير صدر حديثًا عن «إن بي آر» إنّ إدارة ترامب سمحت بدخول 11 لاجئًا سوريًا فقط إلى أميركا هذا العام.
كما يمكن لأميركا أيضًا زيادة تمويلها للجهود الإنسانية للأمم المتحدة نيابة عن اللاجئين، والاقتصاد في ميزانية البنتاجون والوكالات ذات الصلة؛ ما يمكن أن يوفّر 700 مليار دولار سنويا تُستخدم في أوجه أخرى أكثر إفادة.
تجارة الأسلحة
أيضًا، تجارة الأسلحة عبر العالم آخذة في الازدياد، وتعتبر أميركا المورّد الرئيس؛ ووردت في المدة الأخيرة أسلحة إلى 60 دولة متورطة في صراعات كبرى وصغرى، والأكثر دهشة اكتشاف معهد «كيتو» أنّ أميركا قدمت أسلحة إلى نحو 85% من دول العالم هذا القرن؛ وبالتأكيد هذه ليست وصفة جيدة للسلام أو الحد من الصراعات.
وكان اليمن أكثر الدول التي وجدت فيها أسلحة أميركية؛ إذ يخوض التحالف السعودي حربًا ضد الحوثيين هناك، وهي الحرب التي قتل فيها آلاف المدنيين وجعلت البلد على حافة المجاعة؛ بسبب الحصار الذي حدّ من تدفقات الغذاء والأدوية والمياه النظيفة.
كما ساهمت الأسلحة الأميركية في زيادة اللاجئين بأفغانستان والمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، وفي أنحاء إفريقيا تنتشر مخابئ الأسلحة المشتراة من الأميركيين.
والحدّ من النزاعات وإنهاء الحروب ليسا مهمتين سهلتين؛ لكنّ الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها هي بذل مزيد من الطاقة في سبل إنهائها، والتقليل من بيع الأسلحة للمناطق التي تشهد صراعات، وفتح الأبواب أمام اللاجئين، وتعزيز الدبلوماسية والعمل مع الحلفاء عن كثب، والاستماع لمخاوف الخصوم، واتّباع سياسة جديدة بشأن نقل الأسلحة والحد من توريدها لمنتهكي حقوق الإنسان، وتقديم معلومات شفافة ودقيقة بشأن هذا النشاط.