لأكثر من عام، اُحتُجز الناشط أحمد منصور، الموصوف في المجتمع الدولي بأنّه آخر من كان يستطيع التحدث عن حقوق الإنسان داخل الإمارات، في الحبس الانفرادي دون السماح له بالاتصال بمحامٍ، ثم قُدّم للمحاكمة؛ ولا يعرف أحدٌ طبيعة التهم الموجهة إليه تحديدًا أو المحكمة التي تنظر قضيته، وما إذا كان يستطيع الاتصال بمحام أم لا.
والتعتيم الذي تفرضه الدولة على القضية ليس جديدًا؛ فهو مستمر منذ اعتقال الناشط السياسي. وقالت وسائل الإعلام الإماراتية في اليوم التالي للقبض عليه إنّ ضبطه بسبب سوء استخدام حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر معلومات كاذبة ومحاولة تشويه سمعة البلد، ونشر الكراهية والطائفية.
أيضًا، منذ القبض عليه لم يصدر تعليق رسمي على قضيته. وهذه استراتجية إماراتية رسمية متبعة بشكل منتظم أثناء التعامل مع معارضي الحكومة، ويكمن أمل النظام في تمديد مدة احتجاز النشطاء قبل المحاكمة، على أمل أن ينسى العالم الخارجي قضيتهم ببساطة، ثم إجراء المحاكمات في صمت تام؛ تجنّبًا للانتقاد أو التدقيق من المجتمع الخارجي.
فعلى سبيل المثال، اختفى الناشط «منصور أبو غيث» ويقضي عقوبة حالية بالسجن عشر سنوات بتهمة نشر تغريدات، وحكم على «تيسير النجار» بالسجن ثلاث سنوات بتهم متعلقة بجرائم إلكترونية، واحتجز لأكثر من عامين دون السماح له بالاتصال بمحام، كما اختفى «محمد الركن» دون مبرر واضح لثمانية أشهر قبل أن يظهر أثناء جلسة محاكمة، وفيها حُكم عليه بعشر سنوات إلى جانب 69 معارضا آخر في 2013؛ والقائمة تستمر وتطول.
ومنذ اعتقال أحمد منصور والصمت المؤسسي يطغى على آخر بقايا المجتمع المدني في الإمارات. وفي العام الماضي، كان هناك شيء من التعتيم داخل البلاد على حقوق الإنسان، وهذا له أسبابه الواضحة؛ فقبل القبض عليه العام الماضي كان حرفيًا «آخر شخص يستطيع التحدث علنًا عن مسألة حقوق الإنسان في الإمارات».
ومنذ ثورات الربيع العربي في 2011 صُعّد القمع الحكومي ضد المعارضين إلى الحد الذي أصبحت فيه الإمارات أحد أعلى معدلات السجناء السياسيين في العالم.
السجن أو المنفى
وباعتباره «آخر صوت معارض في الإمارات»، أثبت أحمد منصور باستمرار أنه مصدر حيوي للمعلومات للمنظمات غير الحكومية الدولية التي تسعى للحصول على تقييم موثوق لحالة حقوق الإنسان في البلاد.
هذا ما يراه المسؤول الإعلامي في الحملة الدولية للحرية بالإمارات جو أوديل في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته شبكة رصد. مضيفًا أنّ أحمد منصور قدّم بانتظام معلومات عن أوضاع السجناء السياسيين الآخرين في الإمارات؛ ومن سوء حظه أنّ آخر تغريدة له في 19 مارس 2017، أي قبل يوم من اعتقاله، كانت تدعو إلى إطلاق سراح الناشط الحقوقي الإماراتي أسامة النجار، الذي احتجز منذ أكثر من عام بعد استكماله مدة محكوميته.
ومن المفارقات المريرة أنّ «أحمد منصور»، الذي تحدث عن معتقلين في الإمارات، يجد نفسه الآن معزولًا ولا يوجد من يتحدث باسمه. بكل بساطة، كل من فعل ذلك إما في السجن أو في المنفى، أو قلق من قول أيّ شيء؛ خوفًا على سلامة أفراد عائلته في الإمارات.
وهو السبب الذي دفع السلطات الإماراتية بالتحديد إلى احتجاز أحمد منصور؛ إذ كانوا يأملون في الحفاظ على سمعتهم، عبر ضمان حجب المعلومات عن وقائع انتهاكات حقوق الإنسان داخل الإمارات؛ لكنّ المفارقة أنّ الواقعة تزامنت مع حملة العلاقات العامة للإمارات لتحسين صورتها وإظهار نفسها بمظهر الليبرالي الديمقراطي أمام جمهور المسرح العالمي.
وأخضعت الحكومة الإماراتية «أحمد منصور» وخمسة آخرين للمراقبة المستمرة من بعد 2011، وحظرت سفره مرارًا؛ بسبب دوره العالمي البارز في الدفاع عن حقوق الإنسان، إضافة إلى ارتفاع نجمه بعد اعتقاله الأول، كما اكتسب مكانة لدى «هيومن رايتش ووتش» و«مركز الخليج لحقوق الإنسان»، وكذلك مصداقية لدى هذا المجتمع؛ لدرجة أنه في 2015 فاز بجائزة «مارتن أينالز» المرموقة للمدافعين عن حقوق الإنسان وتهدف إلى توفير الرعاية الواقية للنشطاء الحقوقيين العاملين في الأماكن الخطرة.
جرأة النظام الإماراتي وتسلطه
ارتفع الملف الشخصي لأحمد منصور في 2016 بعد اكتشافه أنّ السلطات الإماراتية اخترقت هاتفه المحمول باستخدام تقنيات تجسس «إسرائيلية»، وأفادت تقارير بأنّ السلطات الإماراتية عقدت صفقة مع «إسرائيل» لتوريد أجهزة تجسس مقابل مليون دولار.
ومن وجهة نظر النظام، فاحتجاز أحمد كان مقامرة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية تمامًا. وبالرغم من ذلك، استمرّت في ما تفعله؛ ساعدها على ذلك تنامي اليمينية الوطنية والمحلية في دول العالم وصعود ترامب على رأس الحكم في أميركا، إضافة إلى حرص بريطانية على إجراء صفقات أسلحة مع الدول القمعية؛ لذلك تستمر الإمارات فيما تفعله بجرأة لم يسبق لها مثيل.
والمؤسف أنّ مقامرة الإمارات أثمرت للنظام الحاكم، على الأقل حتى الآن؛ فبالرغم من إدانة الأمم المتحدة لاحتجازه المستمر، في الوقت الذي أدار العالم ظهره للناشط الحقوقي؛ فقد يعني هذا أنّ هناك سخرية عالمية في قلب الديمقراطية الليبرالية الغربية تحديدًا فيما يتعلق بقدسية القانون الدولي الإنساني والتحكيم الخاص بالأمم المتحدة بشكل عام.
وبالرغم من مكانته الرفيعة داخل المجتمع الدولي مدافعًا عن حقوق الإنسان، فقضية أحمد منصور لم تلق سوى تغطة قليلة نسبيًا في الصحافة الغربية؛ وحتى الآن لم تتحقق الدعاية الوقائية التي تكفي لحمايته.
أرضية من النشاط الشعبي
من المنظور الإعلامي، نُسيت قضية أحمد منصور في ظل زخم الربيع العربي؛ ما ساهم في عزله وأمثاله من المناضلين الحقوقيين المعرّضين للخطر دومًا، خاصة وأنّ هذا جاء في وقت لم تكن فيه منطقة الشرق الأوسط مكانًا خطرًا على نشطاء حقوق الإنسان بعد ثورات الربيع العربي مباشرة.
ومنذ اعتقاله، أصدرت عشرات المنظمات غير الحكومية والشخصيات العامة في أوروبا بيانات نددوا فيها باعتقاله؛ خصوصا داخل مدينة حصلت على مليارات الدولارات استثمارات من الإمارات، مثل مانشستر سيتي، تحت اسم أحمد منصور ستريت؛ وهدفت الحملة في الأساس إلى رفع الوعي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.
ويجب استمرار مثل هذه الحملات؛ فلا شيء تفضّله الإمارات مثل نسيان العالم ما تفعله، وعلى النشطاء والمنظمات والدول كافة اتّخاذ موقف صارم؛ لضمان احترام حقوق أحمد منصور وغيره من المعتقلين السياسيين.